الإثنين , نوفمبر 25 2024

Warning: Attempt to read property "post_excerpt" on null in /home/dh_xdzg8k/shaamtimes.net/wp-content/themes/sahifa/framework/parts/post-head.php on line 73

الأسد، صديق إسرائيل الطيب !!

الأسد، صديق إسرائيل الطيب !!

سمير الفزاع
التداخل وأحياناً الخلط المتعمد، بين الحقيقي والمزيف والمبدئي والثانوي والإستراتيجي والتكتيكي… بات جزء من أدبيات الحرب على سورية ومنذ اللحظة الأولى: ما هو الهدف من الحرب على سورية، وهل تحقق؟! هل كان الجيش العربي السوري وحيداً من يشرف على الحدود مع الأردن والجولان المحتل… قبل 14/4/2011، أم كان هناك وجود لقوات روسية وإيرانية ومن حزب الله وبقيت فصائل المقاومة الوطنية والاسلامية؟! إذا كان الجيش العربي السوري هو من يشرف على تلك الحدود، فهل يعقل بعد حرب لثمانية سنوات أن تصبح عودة هذا الجيش الى الحدود هدفاً لواشنطن وتل أبيب وبقيّة الأدوات الاقليمية؟!.

*لا ثورة ولا ثوار، إنّه أمن “إسرائيل”:

كيسنجر، “مهندس” تبريد المواجهة مع موسكو وإتفاقية فك الإشتباك 1974، والعارف بحجم الضعف الذي أصاب مفاصل “الإمبراطورية” الأمريكية وعضلاتها… كان أول مبعوث رئاسي أمريكي من قبل “ترامب” يزور موسكو، لنسج التفاهمات معها تحضيراً لعقد قمة مع زعيمها، فلادمير بوتين… تُبرّد المواجهة المحتدمة في غير مكان وخصوصاً في سورية، حيث ترتفع إحتمالات إنهيار أحد أهم إنجازاته، إتفاقية فك الإشتباك، والتهديد الوجودي لبيته اليهودي، “إسرائيل”… أُفشل مسعى الرجل لعقد قمة مبكرة مع بوتين… إنكار وتشدد أمريكي داخلي تجاه حقيقة عودة روسيا للساحة الدولية، والخوف من إستغلالها للضعف الأمريكي لفرض تنازلات يصعب تغييرها، وموقف صهيوني-سعودي مناهض لأي تقارب مع موسكو قد يفقدها أوراق القوة في المنطقة… تلك الأسباب وغيرها، جعلت جون ماكين المرشح الرئاسي وعضو الكونغرس واسع النفوذ يطلب من ترامب أن لا يلتقي بويتن وأمريكا في موقف ضعيف… لكن من قال بأن أمريكا ستزداد قوة مع مرور الوقت؟! ربما هذا السؤال تحديداً هو ما جعل ترامب يقول بأن مواقف ساذجة وغبية هي من أجل لقاءه بالرئيس بوتين… وكأنه يقول: إزددنا ضعفاً، وما زلنا بحاجة لعقد هذا اللقاء… فكان اللقاء أقرب ما يكون للإستجداء: طلبه ترامب في 12/7، لكن بوتين أجلّه لأربعة أيام كاملة بذريعة كأس العالم، ثم تأخر عن موعد اللقاء مع ترامب في هلسنكي ساعة إضافية، وسبقه الى القصر الرئاسي الفلندي مباشرة ليضيف 20 دقيقة أخرى الى مشوار الانتظار الأمريكي!. هل كان الأمر مقصوداً؟!. إذا علمنا أن رئيسي الأركان، الروسي والأمريكي، قد إجتمعا لست ساعات في هلسنكي قبل أيام من قمة بوتين-ترامب، ورسما حدود القوة والقدرة بناءاً على معطيات الميدان الماثلة واقعاً، وتلك الممكنة إستناداً لهذه الوقائع مستبقلاً، سيكون تفسير هذا “الإذلال” أكثر سهولة… وعندما نضيف للمشهد عبارة بوتين الشهيرة في خطاب “سارمات” و”الخنجر” قبل أشهر:”في الماضي لم تكونوا تنظروا الينا ولم تكونوا تسمعوننا، الآن يجب أن تنظروا الينا، وتستمعوا لما نقول”… ندرك لماذ جاء ترامب الى هلسنكي، ولماذا بدأ كلامه عن الدولتين اللتان تمتلكان 90% من السلاح النووي في العالم، لقد توقفوا عن إدارة الظهر لروسيا كما فعل أوباما والآخرين في قمة العشرين قبل أعوام، ولم يعودوا يروا في روسيا مجرد “دولة إقليمية”… ولكن يجب أن لا ننسى ولو للحظة واحدة سبب آخر أجلس بوتين بالتوازي مع ترامب؛ الزحف الهائل للجيش العربي السوري وحلفائه جنوب وغرب سورية، ساحقاً أدوات الغزو الإرهابي، مقترباً على عجل من كيان العدو الصهيوني، الذي يُثير غضبه وخوفه الوجودي خوف ترامب على سلامته الشخصية وعلى رئاسته وعلى مستقبله السياسي، خصوصاً وأن مبعوثه الرئاسي الى موسكو قبل عام ونصف تقريباً، كان “اليهودي”هنري كيسنجر، مهندس إتفاق فك الإشتباك 1974… من هنا، نُدرك عمق الوقع التاريخي والإستراتيجي لكلمات قيلت قبل أشهر إبان منازلة كانت ستفضي الى حرب إقليمية في الحدّ الأدنى إن لم يكن عالمية :”كل رصاصة أطلقتموها لقتل إرهابي كنتم تغيرون بها ميزان العالم، وكل سائق دبابة كان يتقدم متراً للأمام كان يغير الخريطة السياسية للعالم…”. هذا ما قاله “الاسد”، وهو يشرف على تطهير الغوطة من أدوات الغزو الارهابية الصهيو-غربية.

* نصر أم تفاهمات دولية؟.

عند الحديث عن سورية والحرب عليها يجب أن نبقي في الذاكرة عنصرين أساسيين على الأقل: أن سورية كانت “الحقل الأول” الذي يُستهدف بالجيل الرابع والرابع المتقدم “الخامس” من الحروب بالإضافة للحرب الكلاسيكية… وبإنتصارها في هذا النوع المركب من الحروب أجبرت واشنطن وأدواتها على الرضوخ، ولو مؤقتاً. وأنّ سوريّة جارة للكيان الصهيوني، وفيها قيادة وجيش تمكنوا وحلفائهم، من ضرب البنية العميقة لهذا الكيان وعناصر تفوقه في الصميم. ولمن يقول بأن ما يحصل اليوم في سورية ليس سوى تفاهم دولي لتقاسم النفوذ فقط، أذكره بعدد إضافي من الوقائع:
1- هناك قناعة أمريكية وغربية، تصف الزلزال الذي ضرب الإتحاد السوفيتي وأدى لتفككه بالهزيمة عقبت حرب مريرة إنتصر فيها الأمريكيون والغرب، وأن هذا هو سبب إنتهاء الحرب الباردة. منذ تلك اللحظة، عاملت واشنطن والغرب عموماً موسكو من موقع المنتصر، فتعاملوا معها بفوقية وإزدراء كاملين، وتنصلوا من كل الإتفاقات معها، ولم يفككوا حلف النيتو؛ بل تمدد نحو روسيا حتى بات على حدودها، وحاصروها إقتصادياً وسياسياً وتكنولوجياً… فما الذي أجبر واشنطن وحلفائها على عقد التفاهمات مع روسيا “المهزومة”؟! وكيف لدولة القطب الأوحد أن تجلس بالتوازي مع “دولة إقليمة”؟!. وأي سبب يدعونا لعدم إعلان إنتصارنا على أكثر من 140 دولة، “أصدقاء الشعب السوري”، وعلى رأسها أمريكا، حاولت فرض إرادتها على سورية ولو كانت محض ركام؟!.
2- قال نتنياهو بتصريحين مختلفين قبل أيام:”إن “إسرائيل” ستطالب بتطبيق اتفاقية فك الاشتباك (1974) مع الجيش السوري بحذافيرها”. والثاني:”لم تكن لدينا مشكلة مع نظام الاسد. فطوال أربعين عاماً لم تطلق رصاصة واحدة في هضبة الجولان… ما يزعجنا هو داعش وحزب الله… والأمر الثاني، العمل على إزالة الإيرانيين من الأراضي السورية “. لن أذكره بمن مزق إتفاقية فك الإشتباك مقتنعاً بأن مشروعه في السيطرة على سورية، ثم بناء “جيش لحد” جديد يمتد حتى سعسع، وصولاً إلى الإكتفاء بـ”جدارطيب” بعرض عدة كيلومترات… ولن أذكره بمرج السلطان يعقوب، ومئات الصواريخ التي سقطت على حيفا وما بعدها، ولا بتلك التي مزقت دباباته في وادي الحجير، ولا تلك التي أسقطت طائرة أف-16 وأصابت الـ أف-15 والأف-35، ولا بخمسة وخمسين صاروخاً جعلته يستجدي التهدئة من الكرملين، ولا بتصريحات وزير دفاعه، ليبرمان:”داعش أفضل من الأسد، لم يحصل سوى تبادل واحد لإطلاق النار بيننا وبين داعش، وقدموا لنا الإعتذار على هذا الخطأ”، ولا بدعمه لأدوات غزوه الإرهابية، وترحيله المئات منهم ليعودوا لأسيادهم ومشغليهم قبل ساعات… سأكتفي بما قالته صحيفة “يسرائيل هيوم” الصهيونية قبيل قمة بوتين-ترامب:(صحيح أنه في عدة أماكن بقيت جيوب تحارب الدولة السورية، وبينها مثلا نحو ألف من رجال داعش… على مسافة غير بعيدة من حدود “إسرائيل”، إلا أنه في نهاية المطاف، يمكن القول إن الرئيس الأسد فعل ما لا يصدق وخرج منتصرا من الجحيم… السؤال: على أي نحو تصل “إسرائيل” إلى خط النهاية؟ بشكل لا يمكن فهمه ورغم الفرص التي لم يكن مثلها، الجواب هو: بلا إنجازات… فالهدف الاستراتيجي الذي تقرره “إسرائيل” لنفسها الآن هو بالإجمال العودة إلى وضع الأمور الذي كان قبل الحرب، أو كما صاغ هذا رئيس الوزراء إذ قال:”الحفاظ بشكل متشدد على اتفاق الفصل من العام 1974″… من الصعب أن نصف كم متدن هو مستوى هذا التطلع. فما هي تلك “اتفاقات فصل القوات”؟ معناها أن الأسد يمكنه أن يبني جيشه من جديد؛ معناها عودة إلى طاولة تهديد الحرب التقليدية بين “إسرائيل” وسورية؛ معناها تأهب دائم في هضبة الجولان خوفا من هجوم مفاجئ سورياً على نمط حرب “يوم الغفران”، بما في ذلك الاحتفاظ بألوية من الدبابات في الجولان في حالة تأهب دائمة؛ معناها أن الساحة الجغرافية الاستراتيجية انقلبت رأسا على عقب، ولكننا نتحدث مثلما تحدثنا في الماضي… إذا كان ينبغي أن نقول الحقيقة، فان “إسرائيل” لن تعود إلى نقطة البداية، إذ من نواح عديدة سيكون الوضع أخطر بأضعاف، إذ ليس فقط سورية ستهددنا من الشمال، بل روسيا أيضاً. وليس هما فقط بل وايران أيضاً، سواء مباشرة أم من خلال الفصائل الموالية، وبالطبع في ظل محاولات التواجد الدائم. وينضم إلى هذه الجوقة حزب الله. الحليف الاستراتيجي لإيران يعود إلى لبنان مدرب، خبير، مسلح، والآن محرر لأن يتحدانا حين يجد ذلك من الصواب).

*ختاماً:

لم تكن الخيبة يوماً الا بحجم المشروع والحلم، فكلما زاد المشروع أفقاً والحلم سعة كانت الخيبة أشد وطأة، والثمن أكثر مرارة وأثراً… فكيف إذا كان المشروع بحجم الإمساك بالساحة الدولية، والحلم بسعة السيطرة على العالم إلى ما شاء الله… لم تكن السيطرة على سوريّة، ونقلها من ضفة إلى أخرى مجرد نصر يمكن أن يمنح مفاتيح المنطقة لمن حازه؛ بل هو نصر يمنح صاحبه مفاتيح الغد للمنطقة والعالم، مهما علا شأن الأعداء والخصوم… سيركع الكل أمام سيد العالم الجديد الذي ملك مفاتيح الشام… سيسقط الكل تباعاً، وتنفرج الزوايا الحادة أمام اليانكي بحلته الجديدة… لا قضية فلسطينية وإن علا الصراخ والعويل، لا إتفاق نووي إيراني وإن جاب روحاني الأرض طولاً وعرضاً، ولا شراكة مع روسياً وإن أمسكت بزمام البحار السبعة، ولا طريق حرير صينية وإن وضعت يدها بيد آلهة الشرق والغرب… وحدها سوريّة أُوقفت طاحونة الغزو بالدم الحار واللحم الحي مهما غلت التضحيات من سواها، ولذلك تصدق فيها مقولة لافروف:”شكل العالم يتوقف على الشكل الذي تنتهي عليه الازمة في سورية”… تلك هي الحقيقة التي يجب أن ندركها بما يكفي من العمق والثقة واليقين.