غزو تركيا عفرين , إرباك الجيش السوري وتغيير أولوياته
حميدي العبدالله
توقيت غزو تركيا لعفرين لم يكن صدفة، بل هو عمل جرى التخطيط له بالتزامن مع التصعيد الذي بدأته الجماعات المسلحة في الغوطة باتجاه الاعتداء على المدنيين في العاصمة دمشق وضواحيها المكتظة بملايين المواطنين.
من المعروف أنّ الجيش السوري بعد تحرير دير الزور قرّر التوجه لتحرير محافظة إدلب، وفعلاً بدأ عملية عسكرية واسعة هناك وحقق في مدى زمني قصير نجاحات كبيرة واستطاع تحرير ما يوازي ثلث مساحة المحافظة وبدأ يتقدّم نحو الطريق الدولي الذي يربط حلب بالمحافظات الوسطى، في هذا التوقيت بالذات بدأت تتواتر وتتعالى التصريحات التركية عن غزو عفرين. اختيار عفرين لم يكن صدفة من قبل أنقرة لسببين أساسيين، السبب الأول، أنه في هذه المنطقة لا وجود للجيش الأميركي، وبالتالي فإنّ هذه الخطوة لن تقود إلى مزيد من التوتر في العلاقات الأميركية التركية. السبب الثاني فشل محاولات روسيا بإقناع وحدات الحماية الكردية السماح للدولة السورية بكلّ مؤسّساتها بما في ذلك الجيش السوري الدخول إلى منطقة عفرين، وبالتالي قناعة أنقرة أنّ فشل هذه المحاولات سيقود حكماً إلى تحييد موقف روسيا وجعل ردّة الفعل السورية أقلّ حدة.
وفعلاً واستناداً إلى هذه الحسابات بدأ الغزو التركي لعفرين متزامناً مع تصعيد الاعتداءات على دمشق وضواحيها من قبل الجماعات المسلحة التي تسيطر على بعض مناطق الغوطة الشرقية. نشأ عن ذلك وضع معقد وضع الجيش السوري مرة أخرى أمام تحدي انتقاء أولوياته، الانتقال إلى عفرين وحشد القوات الأساسية لصدّ الغزو التركي وترك حوالي ثمانية ملايين مواطن في دمشق وضواحيها تحت رحمة قذائف المسلحين التي كان من المتوقع أن تتصاعد مصحوبة باحتمال فتح جبهات أخرى لإشغال الجيش السوري وحلفائه، عبر محاور التنف باتجاه دمشق ومحافظة دير الزور، أو عبر أرياف إدلب باتجاه مواقع الجيش السوري وحلفائه في ريف حماه الشمالي وأرياف إدلب الشرقية، أم التوجه إلى الغوطة وبالتالي حشد القوات الرئيسية على هذه الجبهة لتوفير الأمان لثمانية ملايين مواطن سوري.
واضح أنّ الأمر حسم لصالح التوجه نحو الغوطة والاكتفاء بالدفاع عن عفرين في مواجهة الغزو التركي في هذه المرحلة عبر «القوات الشعبية» وقد أوضح الرئيس بشار الأسد هذه المسألة في التصريحات التي أدلى بها بعد استقباله مساعد وزير الخارجية الإيرانية.
بهذا المعنى الغزو التركي لعفرين، وتصعيد الجماعات المسلحة عبر الغوطة الشرقية، هو الذي حدّد للجيش السوري أولويات معركته في هذه المرحلة.
البناء