عقدة الحوار السوري
| مازن بلال
أفرزت الأزمة منذ أيامها الأولى تمثيلاً سياسياً شكل مبادرات وتصورات حول طبيعة الحدث ومآله، وكان بند الحوار نقطة تدور حولها الجهود التي انطلقت للبحث في الواقع العام الذي انفجر بشكل غير مسبوق، وبغض النظر عن العديد من الرهانات التي استندت إلى الأجواء الدولية والإقليمية، وكانت تنظر إلى ما يحدث على أنه «انقلاب» على «سورية القديمة»، إلا أن مسألة الحوار طغت بشكل واضح على مساحة الحدث ولكنها انتهت مع جنيف1 إلى تفاوض بين مجموعة أطراف.
عقدت عملية التفاوض من مسألة الحوار لأنها استعجلت في إيجاد «أطراف» تمثل الطيف السوري، كما أنها افترضت أن التوافق السوري انهار بشكل نهائي، الأمر الذي يستدعي عقداً اجتماعياً جديداً؛ يعيد صياغة سورية وفق توازن بين أطراف مختلفة على قاعدة «مذهبية» أو حتى «دينية»، وفي خلفية هذا الاستعجال تجربتا العراق ولبنان سواء عبر دستور بريمر الذي صاغ دولة العراق من جديد، واتفاق الطائف الذي عدل عملياً من «ميثاق 1943» بالنسبة للبنان، وبالتأكيد فإن المجموعات الدولية كانت تتعامل بآليات متطورة مع الموضوع السوري مستفيدة من تجربة عقدين في حل الأزمات، أي منذ عام 1990 مع انحسار الحرب الباردة وأفول نجم الاتحاد السوفييتي.
كانت النتيجة في سورية بعد سبع سنوات من الجهود الدولية أكثر من مخيبة للآمال، فمسألة التمثيل السياسي أو المدني تحول لجهاز مركب عبر علاقات مع المجموعات الدولية، أما في الداخل السوري فإن المشهد أصبح أصعب مع حالة الاستقطاب الحاد بين الإرهاب ومؤسسات الدولة، وأصبح أي تمثيل في الحوار يستدعي التفكير جدياً في قضية انهيار النخب السياسية خلال الأزمة، حيث يصعب الادعاء بأنها قادرة على تمثيل المجتمع السوري، وفي الوقت نفسه انفصال ما يسمى «المجتمع المدني» عن السياق الخاص به وانجرافه باتجاه التصورات الخاصة بالمجموعات الدولية، فهيئات المجتمع المدني بأغلبيتها تعمل في فلك مختلف وضمن شرط «تنمية» قدرات المجتمع في ظل غياب أي محفز سياسي.
يمكن هنا ملاحظة أن الحوار في الأزمة السورية أصبح تجربة مغلقة، فهي غير قادرة على إيجاد قادة للرأي العام لأن الحدث السوري منذ 2011 تجاوز هذا الأمر، وذهب نحو دفع «قادة» من نوع خاص لا يستندون إلى سياق سياسي بل إلى تجربة الانتفاضات العربية بالدرجة الأولى، ونتيجة الطبيعة المعقدة في سورية فإن التحول نحو العمل العسكري والإرهاب كان أمراً «حتمياً» إن لم نقل «مدبراً»، فالمسألة منذ «المؤتمر التشاوري» الذي رعته الدولة بدت وفق اتجاهين: الأول صعوبة إيجاد قاعدة تمثيلية نتيجة التشظي السياسي الذي خلقه الحدث، وتمت ممارسة تشتيت متعمد من خلال بعض النشطاء البارزين، أو المحسوبين تقليديا على تيار المعارضة الذين ذهبوا في تحد من دون حساب «القاعدة العسكرية» الذي تشكل سريعاً في سورية وذهبت في صراع متطرف وإرهابي ضد أي معسكر لا يتوافق معها.
المشكلة اليوم ليست في أي عقد اجتماعي جديد، رغم أنه حاجة أساسية، فهذا العقد الضمني وضعه السوريون ابتداء من معركة ميسلون حتى الجلاء في عام 1946، وتشكل هذه الحقبة «رأسمالاً مجتمعياً» مهماً تم استخدامه سياسياً طوال العقود الماضية، وهو يحتاج اليوم للعودة إلى المجتمع من جديد، فالحوار هو أدني بكثير من مسائل التمثيل المعتمدة اليوم، لأنه عودة لبناء العلاقات على مستوى المجتمع المحلي قبل الذهاب بعيداً في طروحات مثل العقد الاجتماعي أو «المبادئ فوق الدستورية»، فهذه الأمور متفق عليها في السياق السوري العام، ولكنها لا تظهر على مستوى العلاقات الأدنى، أي على مستوى نهوض الرأسمال المجتمعي السوري.
الوطن