الوضع الإسرائيلي كما يراه أقدم محلل عسكري إسرائيلي
تحسين الحلبي
اعترف رون بن يشاي، أقدم المحللين العسكريين الإسرائيليين في وسائل الإعلام الإسرائيلية والدولية العبرية في تحليل عرضته في 27 تموز الماضي صحيفة يديعوت أحرونوت، أن «قدرة الردع الإسرائيلية الموجهة ضد سورية بلغت نهايتها ولم تعد فاعلة ومؤثرة ضدها رغم كل ما وقع لسورية في السنوات الماضية في جبهتها الداخلية».
والحقيقة التي لا يمكن للقيادة الإسرائيلية تجاهلها، أن صحيفة يديعوت أحرونوت نفسها تحدثت قبل أيام عن إخفاق البطاريات الإسرائيلية المضادة للصواريخ في إسقاط بعض الصواريخ السورية، إضافة إلى الإشارة إلى الجرأة التي تعامل فيها سلاح الجو السوري في ملاحقة المجموعات المسلحة مخترقاً سماء الجولان المحتل رغم إصابة طائرة السوخوي السورية في ذلك الوقت.
وهذا ما يؤكده بن يشاي حين يضيف: إن الجيش السوري يبدي إصراراً على المبادأة في تحدي قدرة «إسرائيل» العسكرية عند الجولان ولا يتوقف عن تعزيز قدراته العسكرية إلى حد بدأت تتقلص فيه حرية حركة سلاح الجو الإسرائيلي وعملياته سواء ضد قواعد صواريخ الجيش السوري أم صواريخ حزب اللـه المتزايدة.
وفي واقع الأمر من الطبيعي أن تجد «إسرائيل» نفسها في وضع مقلق يضيق هامش مناورتها العسكرية فيه على ثلاث جبهات: الشمالية عند الجولان المحتل، ومن جنوب لبنان، والجنوبية من قطاع غزة، وهذا ما يخيف القيادة الإسرائيلية رغم الدعم الكبير الذي تقدمه واشنطن ودول غربية من قدرات لـ«إسرائيل» ومشروعها التوسعي في المنطقة.
ولا يغيب عن القيادة الإسرائيلية رؤية، أن معظم المشروعات التي سعت الولايات المتحدة بكل قدراتها من أجل تنفيذها في الشرق الأوسط، لم تتحقق بالشكل المطلوب بل ما تزال تتعثر في بعض الأماكن وتلحق بها الهزيمة في أماكن أخرى، فقد رأى العالم كله أن واشنطن لم تستطع منذ عام 2001 حسم حربها على أفغانستان، رغم أنها شنتها بمشاركة دول كثيرة من حلف الأطلسي حين كانت في أوج قوتها كقطب أكبر ووحيد في ذلك الوقت كما لم تحقق معظم أهدافها في العراق بعد استخدامها قدرات عسكرية هائلة وأجبرها العراقيون على سحب قوات الاحتلال.
ومع ذلك كان الإسرائيليون ومعهم الولايات المتحدة ينتظرون تحقيق أهدافهم في تفتيت قدرات سورية وتقسيمها وإسقاط قيادتها إلى أن تبين لهم أن مشروعهم هزم وتمكنت سورية وحلفاؤها من زيادة قدرات الجيش العربي السوري وانتقاله إلى مستوى متزايد من القدرة على المبادرة الدفاعية والهجومية وسقطت كل مراهنات «إسرائيل» على قوتها، فبدت عاجزة حتى عن مواجهة هذه التحديات غير المسبوقة في جبهة الشمال، وتحولت سورية إلى محور تلتف من حوله قدرات صاروخية من حزب اللـه وقدرات إستراتيجية من الجمهورية الإسلامية الإيرانية وتحالف دولي مع قوة كبرى بدأت تستعيد دورها وأهميتها في المنطقة والعالم، وبقيت جبهتا الحرب من الشمال والجنوب لا يفصل كل منهما عن المراكز الحيوية الإسرائيلية العسكرية والاستيطانية والصناعية سوى عشرات الكيلو مترات المحدودة في عصر لم تتمكن «إسرائيل» فيه حتى الآن من منع سقوط الصواريخ متوسطة المدى داخل مستوطناتها فما بالك بالقصيرة المدى.
ويبدو أن العجز الأميركي الصارخ عن حسم الحروب التي ينخرط فيها الجيش الأميركي في أفغانستان وفي العراق وفي اليمن والتي يتدخل من خلالها في مناطق أخرى أصبح أحد العوامل التي تزيد من مستوى المخاوف الإسرائيلية فالقيادة الإسرائيلية اعترفت في أكثر من مناسبة أن «إسرائيل» لا تزال تحيط بها في المنطقة بحيرة من أعداء يستهدفونها بشكل مباشر ومستعدين للانقضاض عليها في أي فرصة مناسبة ومن أعداء صامتين لا يشاركون في الحرب عليها لكنهم لا يستطيعون حمايتها أو المشاركة في إنقاذها لأنهم يدركون أنهم سيدفعون ثمن موقف من هذا القبيل، أما الولايات المتحدة فستهب لنجدة «إسرائيل» حقاً لكنها رغم ذلك هاهي تغوص في حرب طالت في أفغانستان لأكثر من 17 عاماً دون أن تتمكن هي وحلفاؤها من حسمها لمصلحتها، و«إسرائيل» لا يمكن بحكم ظروفها، أن تتحمل حرباً تطول لأشهر حتى لو كان الجيش الأميركي يحارب ميدانياً بشكل مباشر إلى جانبها في كل موقع ومعركة.
ويبدو أن هذا الاستنتاج المنطقي والعملي الذي يستمد من صورة هذا الواقع هو الذي يفرض على «إسرائيل» خيارات ضيقة لا تتسع لشنها حرب شاملة في أغلب الاحتمالات، بل إنها تدرك أن حرباً كهذه في ظل هذه الظروف ستكون آخر مقامرة لها في المنطقة.
ولهذا السبب من المحتمل جداً، أن تستمر باتخاذ السياسة العسكرية نفسها التي تتبعها ضد سورية منذ فترة لتحقيق أهداف تكتيكية تخدم فيها المجموعات الإرهابية المسلحة وربما بهدف التمهيد لحرب استنزاف سياسية وعسكرية تخفف ثقل وعبء الجبهة الشمالية التي أصبحت قادرة على عرقلة وإحباط المخطط الإسرائيلي في المنطقة.
الوطن