’داعش’ بين الانتهاء المؤقت وإعادة الانبعاث
سركيس ابو زيد
ما زال تنظيم “داعش” والموالون له يمثلون تھديدا كبيرا ومتناميا في أنحاء العالم على الرغم من الخسائر العسكرية الكبرى التي لحقت بھم في العراق وسوريا، وھذا يعني أن الحرب ضد تنظيم “داعش” دخلت مرحلة جديدة.
ففي مصر أظھر الموالون له قدرة كبيرة على مواصلة نشاطھم وأصبحوا يمثلون تھديدا متزايدا. وأبرز أفرعه نشاطاً، فرع “ولاية سيناء”، لكن تصاعد عملياته الإرهابية لم يبق من دون رد، إذ أطلق الجيش المصري، بمساندة من قوات الأمن المختلفة، حملة واسعة لتطھير شبه الجزيرة من المتشددين، بدءاً من شباط الماضي.
وفي ليبيا يسعى التنظيم الى إعادة بناء قدراته ويواصل شن الھجمات المتفرقة ھناك. فقد نشأ فرع “داعش” نتيجة استقطاب أفراد ليبيين شاركوا في الثورة التي أطاحت بنظام العقيد معمر القذافي، عام 2011، واستطاع “داعش” إقامة مواقع له في أكثر من منطقة ليبية، ويوحي استمرار الغارات ضده بأن تھديد “داعش” لم ينته كلياً في ليبيا، لكن الأكيد أيضا أن التنظيم لم يعد بالقوة نفسھا التي كان عليها قبل عامين.
أما في الجزائر، فلم يتمكن “الدواعش” المحليون من تحقيق خرق مھم في ساحة المتشددين الإسلاميين الممثلين بفرع “القاعدة” المغاربي، فلم يستطع البغدادي في الجزائر سوى استقطاب جماعة صغيرة من داخل”القاعدة” تُعرف بـ”جند الخلافة” التي خرجت في أيلول 2014 بإعلان مبايعة “داعش” مدشنة ولاءھا بقطع رأس رھينة فرنسي. وسارعت قوات الأمن الجزائرية إلى إطلاق حملة نجحت خلالھا في الوصول إلى مخابئ “جند الخلافة” وقتل زعيمھا، منھية وجودھا بالكامل.
بينما في المغرب، فلم يُسجّل حتى اليوم تنفيذ “داعش” لھجمات إرھابية، لكن أجھزة الأمن أعلنت عن توقيف عشرات بتھمة إنشاء خلايا بايعت التنظيم أو تأثرت بأفكاره.
كما فشل “داعش” في تحقيق اختراق مھم في مناطق نشاط فرع “القاعدة” في الصحراء، مثل مالي والنيجر وبوركينا فاسو، لكنه تمكن في المقابل من تحقيق خرق داخل نيجيريا. ففي آذار 2015 أعلن زعيم “بوكو حرام” أبو بكر شيخو (شيكاو) مبايعة البغدادي الذي رد بقبولھا، موسعاً بذلك نشاط “داعش” في واحدة من أھم الدول الأفريقية.
هذا الإنتشار الأخطبوطي لـ”داعش” رغم هزائمه موخراً، أقلق الأوربيين، مع عودة المقاتلين الأوروبيين الى دولھم، وھو ما يشكل مصدر قلق حقيقي لحكومات تلك البلدان، حيث تُكرّس أجھزة استخباراتھا الجزء الأكبر من مواردھا البشرية والمالية للبحث والكشف عن المئات من مواطنيھا الداعشيين العائدين من القتال في سوريا والعراق لتحجيم أخطار وتھديدات محتملة على الأمن القومي والاجتماعي، بعد اكتسابھم مھارات قتالية حرفية وتدربھم في معسكرات التنظيم على شن العمليات الإرھابية.
ومؤخراً صدرتقرير عن “فرونتكس”، وھي وكالة تابعة للاتحاد الأوروبي تعنى بمراقبة الحدود الدولية للدول الأعضاء، كشف أن التھديد في تصاعد ويتطور من يوم لآخر. وأوضح التقرير أن التھديد قادم من المتشددين، بمن فيھم من النساء اللواتي فقدن أزواجھن خلال المواجھات، وكذلك من الأطفال الأيتام، مضيفا:” أنه من الصعب حاليا تقييم التھديد، لكننا على يقين بأن أمده سيطول”.
من جانبه، قال فيليب لامبرتس زعيم كتلة الخضر في البرلمان الأوروبي عن وصول أعداد من المقاتلين الأجانب من مناطق الصراعات، وخاصة من سوريا والعراق، أجاب لامبرتس بالقول:”… المقاتلون على أعتاب أوروبا، ويجب أن نحتاط لھذا الخطر، ولكن للأسف الشديد لا يمكن معرفة أعداد ھؤلاء بشكل محدد، ولا يستطيع أحد أن يتحكم في ھذا الأمر، لأن ھؤلاء عندما سافروا لم يعلنوا مسبقا أنھم ذاھبون بغرض القتال، ولا يمكن أيضا القول بالتحديد كم عدد الذين عادوا من ھناك، ولكن على أية حال يجب أن نكون حذرين، ونكثف من إجراءات مراقبة الحدود، ونستعد لعودتھم، وذلك نظرا لما يمكن أن يشكلونه من خطر على المجتمعات الأوروبية”.
وفي أحدث تقرير صادر عن وكالة الشرطة التابعة للاتحاد الأوروبي (يوروبول)، ورد أن الأوروبيين الذين سافروا للانضمام إلى تنظيم “داعش” في سوريا والعراق لم يعودوا بأعداد كبيرة، منذ أن فقد التنظيم معاقله ھناك، لكنھم كانوا مصدر إلھام لعدد متزايد من الھجمات من الداخل. ومع طرد “داعش” من الموصل في العراق والرقة في سوريا بدأ التنظيم في حث أتباعه على شن ھجمات في أوطانھم بدلا من السفر.
في الواقع ھناك وجھتا نظر حول مستقبل ومسار “داعش” بعد انھيار خلافته في سوريا والعراق تتمحور حول نوعية وأثر الھزائم في تشكيل وتحديد مستقبل ھذا التنظيم:
الأولى: التراجع والانھيار، انطلاقا من الوقائع العملية لعامي 2015-2016 وتستند إلى مؤشرات دامغة تثبت تراجع ونكوص التنظيم.
الثانية: التكيّف وإعادة الانتشار، انطلاقا من القدرة الذاتية للخط والعقيدة الإيديولوجية الداعشية على الصمود وإعادة الانبعاث في شكل متوال ومتجدد.
فالانتشار المخيف للتنظيم إيديولوجيا يمكّنه من التجنيد عن بعد، وخلق مناطق غير آمنة في دول أوروبية عدة منطلقا من صلابة وانتشار البعد العقائدي القتالي وتغلغله في صفوف الجيل الثالث للشباب المسلم والمتعلم في الغرب.
وتنبه ھذه النظرية إلى أن أوروبا، وليس العالم العربي فقط، تعيش ظاھرة جديدة ولدت مع “داعش” وھي ظاھرة “أسلمة الراديكالية” وتحويل الجيل الجديد من الشباب في الغرب إلى حامل قوي للعقيدة القتالية. مع الإشارة الى أن تنظيم “داعش” أعلن “الحرب الافتراضية (حرب الإنترنت) على الدول والمصالح الغربية، وھذه الحرب ربما ستؤذي الدول الغربية أكثر، وذلك لأنھا ستجند متشددين ليس لحروب في الشرق الأوسط، ولكن لحروب في ھذه الدول. فالقلق ليس مختصراً على أوروبا، وإنما يتجاوزها ليشمل كل الدول، والخوف ليس فقط من الھجمات، بل من تكتيكات جديدة وأدوات الرعب التي قد يستخدمھا، فرسالة “داعش” تغيرت الآن، عبر الدعوة لخلق فوضى عالمية.
العهد