نارام سرجون:الحريري .. السعودي الأخير في بلاد الشام
نارام سرجون
كثيرة هي الأخبار السيئة التي سمعناها في هذه السنوات .. والتي أنقصت أعمار السوريين من كثرة ماضغطت على أعصابهم وعواطفهم ورفعت ضغوطهم وانزلت ضغوطهم وزادت منسوبات السكر ومرض السكري ومستويات الأدرينالين وأمراض القلب .. ولكن الخبر الذي كان ينتظره السوريون بفارغ الصبر عن وصول بشائر الخير تحول الى أسوأ خبر للأسف ..
أيها السوريون .. سأضطر الى نقل الخبر وأنا قلبي منقبض وأعتذر الى جميع السوريين انني نقلت لكم أجمل الأخبار خلال هذه السنوات .. الا انني أتمنى ان تسامحوني على انني سأخذلكم اليوم وسأعكر مزاجكم .. وقد تتراجع البورصة في الروح الدمشقية ويحلق سعر الدولار .. وقد نستهلك جميعا مضادات الاكتئاب المتوفرة في صيدليات دمشق ..
يؤسفني ان أقول الخبر الذي حاولت اخفاءه او التخفيف من وطأته عليكم .. بأن المناضل الأممي سعدو الحريري ابن رفيء الحريري ابن تيار المستأبل وابن الحئيئة .. لن يزور دمشق ولو كان ذلك ضد مصلحة لبنان أو كما يلفظها سعدو الحريري (ولو كانت ددّ مسلحة لبنين) ..
تذكرت عقب تصريح سعدو قول المتنبي:
سيعلم الجمع ممن ضم مجلسنا .. بأنني خير من تسعى به قدم
وخير من تسعى به قدم اليوم هو سعدو الذي سيحرمنا من دخول قدمه في أرض الشام !! ..
الحقيقة أن هناك ألف سبب لنشمئز من اسم سعد عائلة الحريري لما ارتبطت به هذه العائلة من مشاريع دفع ثمنها لبنان وقلسطين وسورية طوال العقد الماضي .. فقد تحولت هذه العائلة الى رمح مسموم تدير حرب داحس والغبراء وتعيد سيرة الزير سالم وثاراته وغاراته من أجل دم كليب .. وتحولت السياسة في الشرق الأوسط من سياسة لاسترداد فلسطين والقدس واعادة مجد الشرق ودوره الحضاري .. الى معركة من معارك الكتب الشعبية عن دم كليب الضائع بين بني مرة وبني تغلب .. فكل السياسة في لبنان قائمة على دم كمال جنبلاط ودم رفيء الحريري الضائعين في سورية .. فقط لاغير ..
ورغم أن هناك ألف سبب لنتوقف عن الشهيق اذا مررنا ببيت عائلة الحريري لما هناك من أبخرة سعودية ومافيها من خلائط أبخرة اميريكية وصهيونية وانكليزية .. فان لدينا الف سبب لنشفق على هذه العائلة التي ساقتها الأقدار الى أن تصبح سفارة سعودية .. أو قنصلية .. أو خيمة سعودية .. ولكنها العائلة التي ربطت مصيرها بمصير آل سعود في المنطقة .. الا ان آل سعود بدؤوا بالانسحاب التكتيكي والاستراتيجي منذ أن تم دحرهم في سورية واقتلعت مستعمراتهم الوهابية التي كانوا يريدون غرسها في المجتمع السوري وحول دمشق وفي نسيج الحكم فيها ليكون لديهم عائلات حريرية في الشام .. ولكن اليوم لم يبق للسعودية في سورية اي شيء .. وعلى مبدأ اجتثاث النازية أو اجتثاث البعث في العراق الذي تولاه الاميريكيون وغيرهم فان هناك برنامجا انطلق في سورية يسمى اجتثاث السعودية من بلاد الشام يبدأ باجتثاث الكتب الوهابية وكتب ابن تيمية ورجالات الوهابية التي كانت منصات السعودية في العقل السوري .. السعودية خرجت نهائيا من سورية من الناحية العملية ويتم اجتثاث كل مايتصل بها حتى بالرائحة والذاكرة .. وهي في العراق خرجت مع ابي بكر البغدادي ..وتنظيمه الرهيب ..
ولم يبق في كل بلاد الشام سوى فرع هزيل للسعودية متمثل في آل الحريري في لبنان .. وهذا سيموت تلقائيا في السنوات القليلة القادمة موتا طبيعيا بسبب انهيار مجموعة الظروف التي نشأ فيها .. فالحريري دخل الى لبنان بموافقة سورية على السماح للسعودية بلعب دور في لبنان .. وكان ذلك في سياق صفقة تمت بين الرئيس الراحل حافظ الاسد والحكم في السعودية أراد فيها الاسد ان يطمئن السعودية على أن موقفه وتقاربه مع ايران لايعني انه سينأى بنفسه عن السعودية وأنه لن يتخلى عنها .. بل انه يريد ان يستعمل السعودية لابقاء الايرانيين تحت شعور ان الأسد لايضع كل رهاناته على أحد ولا في سلة أحد بل يبقي شيئا من أوراقه خارج ايران وفي يد خصومها .. وكان هناك مغازلة سورية سعودية على الدوام وفق معادلة س س الشهيرة .. حيث لسورية تأثير في مواقف السعودية وللسعودية تأثير في مواقف سورية .. ولكن احدى “السينين” خرجت من معادلة اليوم وبقيت سين سورية فقط .. لأن السعودية خرقت تفاهمها الأصلي مع الأسد الأب وانقلبت عليه بعد تولي الاسد الابن الحكم وقررت ان تستولي سينها اللبنانية – التي سمح بها الأسد وكانت نقطة التلاقي – على كل سورية .. وبدلا من ان تشارك السعودية الأسد في حكم لبنان فانها قررت أن تستولي على الحكم في دمشق ولبنان معا وتتمدد الى العراق لترث صدام حسين الذي اغتالته السعودية مع اميريكا بعد أن شغلته في خدمتها كحارس البوابة الشرقية ضد ايران .. وهي لم تترك خيارا للأسد الابن الآن -الذي حفظ وعد الأب واحترمه – الا أن يخرجها من سورية ولبنان وانهاء تلك الصفقة التي انتهت فاعليتها وشروطها وتم خرقها من قبل آل سعود .. وقد تم انجاز الجزء السوري من مهمة احراق كل ماللسعودية في سورية وخاصة في ضربة غوطة دمشق .. وبقي اليوم الجزء الباقي في لبنان المتمثل في آل الحريري وغيره الذين دخلوا بقرار سورية وسيخرجون بقرار سورية مهما طال الزمن .. وهؤلاء سيصعدون الباصات الخضراء السورية التي نقلت المسلحين السوريين الذين كانت وزعتهم السعودية في سورية وزرعتهم في كل مكان للاستيلاء عليها .. الباصات الخضراء ستصل الى لبنان في المرحلة اللاحقة بعد اتمام التحرير النهائي .. وسيصعد بها آل الحريري ليحل محلهم من يستحقه اللبنانيون كسياسي وطني .. وسيصعد في الباصات آلات غيرهم من كل الملل والنحل والاحزاب اللبنانية .. لأن من ينتصر هذا النصر العظيم سيسد كل المنافذ التي تسللت من خلالها المؤامرة الى الداخل السوري .. واحدى هذه النوافذ كان النافذة السعودية عبر آل الحريري .. وسيكون ابقاء هذا الباب من غير أن يغلق سببا في دخول الأعاصير الى بلادنا ورياح الصحراء السعودية ..
السين السعودية الباقية في لبنان كانت بشكل او بآخر تعتمد على وجود ما واضح أو خفي للسعودية في السياسة السورية والمجتمع السوري .. ولذلك نتذكر ان الحريري جاء بنفسه الى دمشق بعد ان عاداها لأن سين السعودية في سورية هي التي استدعته الى دمشق لأنها لم تكن تريد ان تخرج من دمشق ..
مالم يقله الحريري حرجا وخوفا على سمعته وهيبته وهيبة السعودية وهيبة الجاكيت التي خلعها بحجة أنه لن يرتديها الا بعد سقوط النظام في دمشق .. مالم يقله هو ماسيسعد الشعب السوري حتما ويجعله يبتسم ابتسامة عريضة .. فالحريري كذيل سعودي لايقدر على الاعتراف أنه ممنوع من دخول سورية منعا باتا مثله مثل بندر بن سلطان او اردوغان .. واعلانه المتعنت الرافض بدخول سورية سببه كما سمعت أن دمشق رفضت استقباله بأي شكل كممثل للسعودية في لبنان .. في حركة يبدو أنها اشارة الى نهاية الحقبة السعودية في السياسة السورية في لبنان .. ومن العبارات التي سمعتها من أحدهم – وكان يعني مايقول – هي أن الحريري سيسمح له بدخول سورية في حالة واحدة فقط وهي اذا كان دخوله من أجل أن يؤخذ فورا الى احد الباصات الخضراء .. والذي لن يتوقف الا في ادلب .. حيث يقلب .. في المقلب .. وينتظر حتى يأتي الجيش السوري الى معركة ادلب لتسوية وضعه قبل ترحيله الى .. الرياض .. كحل نهائي لهذا الوباء ..