الأهداف الحقيقية للحرب الفاشية
د. بسام أبو عبد الله
لم نعتمد بعد سنوات سبع من الحرب، والعدوان على سورية على توصيف موحد لطبيعة هذه الحرب، وأهدافها، فقد ذهبت أغلبيتنا إلى اعتماد المصطلحات، والتوصيفات التي سوقتها لنا مراكز الأبحاث الغربية، أو وسائل الإعلام هناك من الأزمة السورية Syrian crises، إلى الحرب في سورية، وليس عليها، إلى مصطلح الحرب الأهلية الذي أجبرنا جميعاً على تفنيده، والرد عليه باعتبار أن من شاركوا بها من السوريين هم إما مضللون وإما مدفوعون بالمال، أو مرتبطون بالخارج، وهذا ملف بحاجة لدراسة معمقة لاحقة من مختصين اجتماعيين، ونفسيين، وعلماء سوريين جامعيين للدخول بشكل أعمق في الأسباب والدوافع بعيداً عن إطلاق الصفات المبررة، أو التي لا تبرر ذلك للوصول إلى الأسباب الحقيقية بغية معالجتها مستقبلاً.
الحقيقة أن توصيف هذه الحرب ذهب أيضاً باتجاهين رئيسيين الاتجاه الأول أكد أن ما جرى هو «مؤامرة كونية» اشتركت بها مجموعة كبيرة من القوى العالمية، والإقليمية لضرب دور سورية الإقليمي والدولي، والمجيء بسلطة سياسية ونظام حكم جديد في دمشق مشابه تماماً لنماذج وظيفية موجودة في المنطقة مثل مشايخ الخليج، والأردن، وغيرهم، وهو أمر سيريح رأس إسرائيل، وداعميها العالميين، وينهي العقدة التي شكلتها سورية تاريخياً كداعم لمقاومة الشعوب، وحركات التحرر في المنطقة، والعالم، وما يؤخذ على أصحاب هذا الاتجاه أن القضية ليست «مؤامرة» كما يحلو لنا في الشرق أن نلقي كل شيء على هذا المصطلح الغامض، بل هي «مخطط» مرسوم، ومدروس، ومنشور إن شئتم، فالشرق الأوسط الكبير، ومن ثم الجديد خرائطه منشورة منذ تسعينيات القرن الماضي، وجرى إيضاحها بعد أحداث 11 ايلول، وإعلان ذلك بشكل علني خلال حرب تموز 2006 على لسان كوندوليزا رايس، ولكن أصحاب هذا الاتجاه لا يربطون الأسباب الداخلية في سورية بمنهج تحليلهم بشكل علمي إذ يعتبرون أنه لا أسباب داخلية لما حدث، وإنما هناك عامل خارجي واضح لما حدث والحقيقة أن ذلك صحيح تماماً، ولكن الأسباب الداخلية هي بمنزلة «الحطب اليابس» الذي هيأ الأرضية اللازمة للخصوم والأعداء كي يشعلوه، ويستفيدوا منه في مخططهم من أجل تحقيق التدمير الممنهج الذي شهدناه في سورية ومحاولة تقسيم البلاد، وإلا فبماذا نفسر إشكالية الهوية التي ظهرت، وضعف الانتماء الوطني لدى البعض، والفرار من الجندية، والفساد المتزايد، وضعف المسؤولية، والارتباط والعمالة حتى مع العدو الإسرائيلي، والخيانات، والبيع والشراء في أوج الحرب بقضايا الوطن، والشهادة والتضحية.. الخ.
ما أريد قوله وأنا من أنصار هذا الاتجاه، أن ما اشتغل على سورية ومورس عليها هو شيء يحتاج إلى الكثير من التعمق، والبحث العلمي الدقيق والرصين، وأن الأسباب الداخلية كانت الثقوب التي تسلل منها المخططون، لإضعاف مناعتنا، وقدرتنا على مقاومة هذه الحرب، وهذا شيء يجب أن نعترف به بوضوح شديد دون أن نبرر تقصير أحد، وقد كان الرئيس بشار الأسد واضحاً جداً في ذلك عندما اعتبر في أحد خطاباته أنه لو كان بيتنا الداخلي سليماً لما حدث ما حدث في سورية.
أما الاتجاه الثاني فقد تبناه من أسموا أنفسهم «معارضة سياسية» ليشكل لهم منصة لتبرير تآمرهم على بلدهم، وترتيب أوراق مشروعهم السياسي الذي يديره الخارج، والذي كانوا فيه مجرد «كومبارس»، وواجهة لأهداف الخارج في الداخل، فقد ركزوا على شعاراتهم «الثورجية» كالحرية والكرامة والديمقراطية، من دون أن يمتلكوا في الممارسة أي كرامة، أو أن يكونوا أحراراً بحكم تبعيتهم لأجهزة الاستخبارات التي شغلتهم، أو ديمقراطيين باعتبار أنهم لم يقبلوا أي رأي آخر لا يجاري «ثورتهم» المزعومة، فسقطوا بأعين مشغليهم، وتم رميهم إلى مزابل التاريخ كغيرهم من العملاء، وهنا كي أكون موضوعياً، فإن هناك جزءاً من المعارضة الوطنية قد التقطت هذه اللحظة التاريخية، وقررت أن تكون جزءاً من النضال الوطني السوري مع احتفاظها بوجهات نظرها الخاصة بضرورات الإصلاح الواسعة في سورية سياسياً، واقتصادياً، واجتماعياً، ووجهات نظرها هذه لا تقتصر عليها وإنما تحظى بقبول واسع حتى لدى قيادات في الدولة السورية، وفي حزب البعث، والأحزاب السياسية، والتيارات الاجتماعية وهو ما يجعل مطالب الإصلاح مطالب وطنية لا ترتبط بلون سياسي أو إيديولوجي معارض، أو مؤيد، وإنما ترتبط بحاجات وطنية سورية لمواجهة تحديات المستقبل.
وإذا كنا كأغلبية سورية نؤمن بالحاجة للإصلاح من أجل مستقبلنا المشترك، ومستقبل أحفادنا، وأبنائنا، ومن أجل عدم منح أي كان حجة في المستقبل لتكرار ما حصل، لأننا سنبقى مستهدفين كما كنا في الماضي والحاضر والمستقبل، فإن هناك حقائق لابد من الاتفاق عليها كلها حول طبيعة هذه الحرب التي نخوضها، والتوصيف الدقيق لها ومنها:
1- هذه الحرب ليست أهلية، وليست داخلية، وإنما هي حرب فاشية بطبيعة القوى المنخرطة فيها من إخوان، وهابيين، متطرفين، اثنيين، قوى هيمنة عالمية، قوى رجعية عربية.. الخ، وكذلك بطبيعة الممارسات الوحشية التي لم تعرفها سورية منذ ما قبل الاستقلال، أو منذ بداية القرن العشرين من تقطيع للأوصال، وحرق في الأفران، وأكل للأكباد، وشيّ للرؤوس وتنكيل بالجثث، ونبش للقبور، ووضع النساء في أقفاص حديدية، والقتل الجماعي، واستخدام البشر كفئران أنابيب في الهجمات الكيميائية المزعومة لتبرير العدوان وقصف المدنيين العزل في المدن عبر «حرب الهاون»، وقطع المياه عن دمشق، وتدمير البنى التحتية.. الخ، ومن ثم فإن التوصيف الدقيق لهذه الحرب هو أنها حرب فاشية، وكلنا يتذكر كلام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عندما شبه الحرب على هذه القوى الإرهابية الفاشية بالحرب على النازية.
2- إن الدوافع الحقيقية لهذه الحرب الفاشية هو إضعاف سورية وعوامل قوتها، ومناعتها السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية والعلمية، والثقافية، وما اغتيال العلماء السوريين وآخرهم العالم عزيز إسبر إلا انعكاس لهذه الحرب، ودوافعها، فصحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية نشرت مقالاً قبل يومين أشارت فيه إلى أصابع الموساد الإسرائيلي عبر جماعاته التكفيرية الفاشية القذرة، وإذا أضفنا إلى ذلك أسماء علماء سوريين آخرين اغتيلوا خلال فترة هذه الحرب الفاشية، يتبين لنا الدوافع الحقيقية، ومن المستفيد.
3- إن برامج الإصلاح مطلوبة دائماً، وهي حاجة وطنية سورية وليست بناء على طلب دولي، أو أممي، وهذه البرامج تحتاج لإرادة وطنية حقيقية، ولرجال دولة مؤمنين بوطنهم، وشعبهم وهو ما نحتاجه خلال المرحلة القادمة، ولن يتهاون السوريون بعد الآن تجاه المقصرين لأن التقصير، والإهمال، والتراخي سوف تعود لتجمع «حطباً يابساً» لمرحلة قادمة، وهو أمر يجب ألا يسمح به.
إن أهم عامل في عملية الإصلاح هو تغيير نمط التفكير، وطريقته لأنني على ثقة تامة أن هذه هي الخطوة الأولى باتجاه المستقبل.
الوطن