اختبارات المرحلة السياسية
مازن بلال
تتضح صورة الحرب مع ضيق الخيارات السورية القادمة، فالمعارك العسكرية مهما طالت هي في النهاية حرب إرادات لتحديد مسارات القادم، وعند الحديث عن «انتصار سوري» فهو يعني في النهاية القدرة على امتلاك القرار خلال مرحلة ما بعد الحرب، وفي الأزمة السورية فإن «التوافق» الدولي والإقليمي يبدو في حدوده الدنيا، فما حدث لا يمكن اعتباره هزيمة طرف بل حالة انكفاء بانتظار الصراع السياسي – الاقتصادي.
من هذه الزاوية يمكن فهم لقاءات الإسكوا وتقاريرها طوال مرحلة الحرب، ومعارك الأرقام وإعادة الإعمار التي بدأت قبل أن تتضح مسارات الحرب بشكل نهائي، وبالتأكيد فإن الرغبة الروسية في نقل سورية من ساحة معركة إلى منطقة توافقات تضع أمام السوريين عموماً استحقاقات أساسية، فهناك «نصف انتصار» ينتظر تحقيق سياق قوي يعمق مفهومي السيادة والتنمية كقطبين لعمل تشاركي قادم.
عمليا فإن موسكو فتحت دائرة واسعة لحالة مشاركة دولية في تثبيت الاستقرار السوري، واتضح هذا الأمر بمسألة إعادة اللاجئين كمجال حيوي يوسع دائرة العمل الدولي الذي تقوم به روسيا، ولكن السؤال المطروح: كيف يمكن أن تؤدي هذه العملية لرسم صورة نهائية في علاقة سورية دوليا وإقليميا؟ فالعملية الروسية تبدو من دون أي شروط سياسية، فهي بوابة لتشكيل «إعادة الإعمار» بعيداً عن الترتيبات التي تمت خلال سنوات الأزمة ابتداء من العقوبات وانتهاء بالمؤتمرات ومحاول اقتسام الحصص.
يعمل الكرملين على صياغة علاقة مرنة تتيح العودة إلى مساحة الحل السياسي من بوابة مختلفة، فالانتصار العسكري يتيح «المشاركة» من زاوية القوة، وهو ما تفهمه الولايات المتحدة بشكل مختلف، لأن توافقها مع روسيا يقف عند حدود إيقاف التوتر العسكري، وهي تركت لموسكو التفاهم بهذا الشأن مع «إسرائيل»، وفي المقابل فإنها لا تريد فتح جبهات متعددة في ظل صراعها الأساسي مع إيران، وهذا يعني أمرين أساسيين:
– الأول أن الولايات المتحدة لا تنسحب من المنطقة بل من مرحلة تصفية الصراع كي لا تتحمل تبعاته، فهي لا تريد فتح ملف الأكراد على مصراعيه في ظل خلافها مع حكومة أردوغان، وتحاول تجنب أي احتكاك على جبهة الجولان تغير من المعادلة القائمة التي تسير نحو «صلح تاريخي» بين «إسرائيل» والجزيرة العربية.
– الثاني يرتبط بطبيعة الحل السياسي القادم، فالإدارة الأميركية غير مهتمة بالشكل السياسي بل بنوعية الدولة السورية القادمة، وبعلاقات التوافق داخلها بين الأطراف التي ستدخل في العملية السياسية، فهي في النهاية تريد «زوايا رخوة» يمكن الضغط عبرها لرسم الشرق الأوسط بشكل عام.
عندما نتحدث عن خيارات سورية ضيقة فالمقصود هو التوافق الروسي – الأميركي الحرج، فهذا التوافق الذي ترك لموسكو هندسة العلاقات لإنهاء العنف؛ لا يعني بالضروري أن التصورات الروسية للحل يمكن أن تمر بشكل سلس، وهو يفرض على السوريين التعامل مع هذا التشابك الروسي – الأميركي بشكل خاص جدا، فالمسألة هنا لا تعني الجانب الرسمي السوري بل كل القوة المهتمة باستقرار البلاد ونموها، وهذا يعني العلاقات داخل سورية هي الأهم للاستفادة من مرحلة التوافق الدولي القصيرة، لأنها في النهاية ستعود لصراع المصالح مع انتهاء كل المعارك.
المسألة لا تحتاج لمؤتمرات حوار تعتمد على مفاوض خارجي، فأدوات الحوار بمستوياتها الأدنى متوافرة خصوصاً مع الدعوة لانتخابات الإدارة المحلية، فهي فرصة لقاء أكثر فعالية لأنها تنقل أدوات الحوار من احتكار النخب إلى مستوى المجتمعات المحلية، والمسألة ليست في العملية الانتخابية بل في الفرصة المتاحة لحوار غير معلن ربما بين المرشحين ومجتمعاتهم المحلية أو حتى على مستويات أوسع.
ينظر الجميع إلى الانتخابات من زوايا مختلفة، لكنها هذه المرة تبدو مساحة مفتوحة لتأسيس حوار بغض النظر عن العملية الانتخابية، فالمهم هي الفرصة التي تتيح بناء المجتمع بطريقة مختلفة قبل البدء بالحل السياسي الذي يخضع للشرط الدولي.
الوطن