السبت , نوفمبر 23 2024

Warning: Attempt to read property "post_excerpt" on null in /home/dh_xdzg8k/shaamtimes.net/wp-content/themes/sahifa/framework/parts/post-head.php on line 73

اغتيال العقول السورية

اغتيال العقول السورية

وهنا ترتسم أكثر من علامة استفهام لماذا هذا التركيز على مكاتب ومنشآت مركز البحوث العلمية في مصياف ، الذي كان يقوده الشهيد عزيز إسبر؟ لماذا تستهدفه غارات مُتتالية سواء من قِبَل إسرائيل أو من قِبَل الولايات المتحدة وحلفائها؟ ثم لماذا هذا الإصرار على التخلّص من الشهيد إسبر عبر تنفيذ عدّة محاولات لاغتياله أجهضت معظمها أجهزةُ الأمن السورية قبل أن يتم اغتياله فعلاً في المحاولة الأخيرة؟.

أبرز اغتيالُ العالِم السوري عزيز إسبر من قِبَل الموساد الإسرائيلي حسب الترجيحات، أهمية وخطورة حرب العقول الدائرة فوق الأراضي السورية بشقيّها الخفي والظاهر. وربما كان أخطر بُعدٍ لهذه الحرب هو الجانب الدعائي الذي يحاول إظهار ما يجري أنه مجرّد عملية اصطياد سهلة لقائمة أسماء جاهزة لدى أجهزة استخبارات بعض الدول على رأسها إسرائيل.

ومثل هذا الترويج المدروس لسهولة الوصول إلى قائمة العلماء السوريين بهدف تصفيتهم، يأتي ضمن مخطّط باهت “أكل الدهر عليه وشرب” يستهدف محاولة زعزعة الثقة بين طبقة العُلماء من جهة والدولة السورية من جهة ثانية ، نتيجة تقصيرها في حمايتهم وتأمين سلامتهم. لكنه يرمي أيضاً إلى أهداف أخرى قد يكون أهمها اللعب على مقولة “لا كرامة لنبي في قومه” ، ومن ثم محاولة استقطاب هؤلاء العُلماء إما للاستفادة منهم علمياً في الخارج أو لاستخدامهم من أجل التجسّس في الداخل.

وإذا كان اغتيال إسبر بعد عدّة محاولات فاشلة يدلّ بشكلٍ أساسي على أن العُلماء السوريين محصّنون وعصيُّون على الاستقطاب، فإن حادثة الاغتيال بوقائعها وتفاصيلها تؤكّد أيضاً أن ما يقوم به العُلماء السوريون في ظل الظروف الأمنية والعسكرية الصعبة التي تمر بها البلاد، ما زال يشكّل هاجساً كبيراً يقضّ مضجع الموساد الإسرائيلي ويدفع قادته للاعتراف بأنهم يحلمون برؤية العالم من دون العُلماء السوريين ، لأنه سيكون أكثر أمناً، حسب وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي في تعليقه على اغتيال إسبر.

وهنا ترتسم أكثر من علامة استفهام لماذا هذا التركيز على مكاتب ومنشآت مركز البحوث العلمية في مصياف ، الذي كان يقوده الشهيد عزيز إسبر؟ لماذا تستهدفه غارات مُتتالية سواء من قِبَل إسرائيل أو من قِبَل الولايات المتحدة وحلفائها؟ ثم لماذا هذا الإصرار على التخلّص من الشهيد إسبر عبر تنفيذ عدّة محاولات لاغتياله أجهضت معظمها أجهزةُ الأمن السورية قبل أن يتم اغتياله فعلاً في المحاولة الأخيرة؟.

هذه المؤشّرات لا تدع مجالاً للشك في أن تل أبيب كانت تشتبه وربما تعتقد أن الشهيد إسبر كان ضالعاً في العمل على مشروع ما من شأنه أن يُهدّد أمنها واستقرارها، وأن يُغيِّر من موازين القوّة والردع بينها وبين دول محور المقاومة التي تشكّل سوريا واسطة العقد فيها.

وما يزيد من أهمية هذه المؤشّرات أن الغارة الإسرائيلية على مركز البحوث العلمية في مصياف في 22 تموز الماضي ، جاءت بعد ساعات فقط من زيارة للرئيس السوري بشّار الأسد الى مدينة مصياف ، ذكرت الأنباء في حينه إنها مُخصّصة لزيارة عوائل الشهداء والجرحى. وقد نجا إسبر من هذه الغارة وكتب على صفحته على الفيس بوك “وسيبقى في مصياف وجبالها شجر مبارك ورجال أشداء وستثمرون كما كنتم وكما أنتم .. سوريا مخرز في عيون الإرهاب الدولي”. ثم إن نجاة إسبر لم تمنع تل أبيب من المُسارعة خلال أقل من أسبوعين إلى تنفيذ محاولتها التالية التي كُتِبَ لها النجاح وارتقى إسبر بسببها شهيداً من شهداء حرب العقول.

هذه المحاولات الإسرائيلية العاجلة والمُتلاحقة مع استخدام كل أنواع الأسلحة سواء الجوية أو عبر العملاء على الأرض، يؤكّد أن الموساد الإسرائيلي كان لديه ما يخشاه من إسبر ومن نشاطه وعمله. وسواء كان الموساد الإسرائيلي مُحقّاً في اعتقاده أو غير محق “هذا في النهاية من أسرار الدولة التي تخدم العدو” فالمؤكّد أن العلماء السوريين وعلى رأسهم عزيز إسبر نجحوا في إثارة رعب الاسرائيلي وتضخيم مخاوفه رغم كل الظروف الصعبة التي تمر بها سوريا. وهذه إحدى تجليات حرب العقول التي تخوضها دمشق ضد عدد من أجهزة الاستخبارات الاقليمية والدولية والتي تستهدف إفراغ دمشق من طاقاتها العلمية وتركها في مهبّ التكفير وغياب العقل والتفكير.

وقد تكون أكثر من مصادفة أن يقوم الموساد الإسرائيلي باغتيال العالِم عزيز إسبر رئيس مركز البحوث العلمية في مصياف، في الوقت الذي كان فيه تنظيم داعش يقوم بإعدام إبن مدينة السويداء مهند أبو عمار بتهمة أنه طالِب في كلية البحوث العلمية. فهل هو مجرّد تخاطر بين الطرفين أم أنه أكثر من تقاطع مصالح ، أم لعلّه وحدة حال ووحدة هدف ضد العِلم والعُلماء من أصغر برعم فيهم إلى أكبر شجرة من شجر مصياف المُثمر؟.

المصدر : الميادين نت – عبدالله سليمان علي