أطماع واشنطن واستثماراتها الأمنية على شواطئ الصين.. تثير سخط التنين في بكين
في أعقاب الاضطرابات الجوية والبحرية التي شهدتها المنطقة الشرقية والجنوبية لبحر الصين خلال عهد الرئيس الأمريكي السابق “باراك أوباما” والحرب التجارية وفرض تعريفات باهظة خلال حقبة الرئيس الأمريكي الحالي “دونالد ترامب”، تقوم أمريكا في وقتنا الحالي بجولة جديدة من استثماراتها الأمنية في منطقة جنوب شرق آسيا وهذا الأمر يُعدّ ثالث علامة على احتدام التوترات بين واشنطن وبكين ولقد شهدت اجتماعات وزراء خارجية الدول الأعضاء في رابطة دول جنوب شرق آسيا “الآسيان” في نسختها الـ 51، العديد من المحاولات لتحقيق الوحدة بين دول الرابطة لتجنّب التبعات الناجمة عن التوترات التجارية بين أمريكا وشركائها التجاريين وفي الأيام الأخيرة من هذه الاجتماعات التي عقدت في سنغافورة، ركّز وزير الخارجية الأمريكي “مايك بومبيو” في كلمته على قضيتين مهمتين، الأولى تتمثل في أن واشنطن تسعى جاهدة لفرض المزيد من العقوبات على كوريا الشمالية والقضية الثانية تتبلور في العمل على زيادة تعاون واشنطن الأمني مع دول جنوب شرق آسيا “الآسيان”.
وفيما يخص القضية الأولى، فإن الكونغرس الأمريكي أعلن قبل عدة أسابيع عن استمرار أنشطة “بيونغ يانغ” النووية، على الرغم من الاتفاقيات الصارمة التي وقّعها الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” مع نظيرة الكوري الشمالي “كيم جونغ أون”، ولهذا فلقد دعا “بومبيو” دول “الآسيان” إلى مواصلة تكثيف العقوبات على كوريا الشمالية لإجبارها على التخلي عن كامل أسلحتها النووية وبالنسبة للقضية الثانية، أعلن وزير الخارجية الأمريكي أنه في حين ارتفعت استثمارات واشنطن جنوب شرق آسيا بمقدار 1300 في المئة منذ عام 2004 وحتى وقتنا الحالي، إلا أن البيت الأبيض يسعى الآن إلى استثمار 300 مليون دولار في تلك المناطق ولفت إلى أن هناك 113 مليون دولار أيضاً سيتم استثمارها في القريب العاجل في تلك الدول الآسيوية في مجالات التكنولوجيا والطاقة والبنية التحتية.
وخلال زيارته التي استمرت خمسة أيام لماليزيا وإندونيسيا وسنغافورة، تحدّث وزير الخارجية الأمريكي في اجتماع وزراء الخارجية الأعضاء في رابطة دول جنوب شرق آسيا “الآسيان” المكونة من 10 أعضاء وبحضور مسؤولين من دول أخرى ومنظمات دولية، بأن هدف واشنطن من استثمار 300 مليون دولار في تلك المناطق الآسيوية، هو تعزيز الأمن البحري وتوسيع المساعدات الإنسانية وتعزيز قدرات قوات حفظ السلام والقضاء على التهديدات العابرة للحدود الوطنية.
ولقد جاء هذا الخطاب بعد يوم واحد من قيام الصين ودول “الآسيان”، بتنظيم اتفاقية مهمة حول كيفية الاستفادة من بحر الصين الجنوبي وكان هذا الجزء من المياه الدولية الواقعة جنوب شرق آسيا، موضوع اختلافات “بكين” مع جيرانها، خاصة بعدما قامت الصين ببعض الأنشطة في هذا الممر المائي المهم مثل بناء العديد من الجزر العسكرية.
وبهدف استغلال هذه النزاعات، قامت أمريكا بمناورات عسكرية في مياهها البحرية القريبة من الحدود البحرية للصين والآن وبحجة تقديم منحة مالية تقدر بـ 300 مليون دولار لهذه الدول الآسيوية، تسعى أمريكا إلى إيجاد موطئ قدم لها في تلك المناطق وتشييد قواعد عسكرية جديدة وذلك لكسب الكثير من الامتيازات السياسية على الساحة الدولية.
من الواضح أن الغرض من “الحفاظ على السلام” و “مواجهة التهديدات العابرة للحدود”، هو السيطرة على القوة المتنامية للصين في تلك المنطقة وتذكر العديد من التقارير الإخبارية بأنه عقب مرور ثلاثة أشهر فقط على المناورات العسكرية التي قامت بها “بكين” في بحر الصين الجنوبي، قامت واشنطن بنشر العديد من نماذج القاذفات الصاروخية في تلك الجزر العسكرية وذلك من أجل إثبات قدرتها على “تغطية المنطقة بأكملها وشنّ هجوم في أي وقت وفي جميع الاتجاهات” وفي سياق متصل تؤكد تلك التقارير بأنه قبل عامين عقب قيام روسيا بمناورات على حدودها الغربية، قام “الناتو” بنشر 4 آلاف جندي في منطقة شرق آسيا.
وهنا يمكن القول بأن أمريكا لا تريد أن تصبح أي منطقة في العالم، وخاصة مناطق مثل جنوب شرق آسيا ذات القيمة الاقتصادية العالية، تحت وصاية “بكين” وربما للوهلة الأولى، يكون هذا ما قصده “بومبيو” في خطابه واعتبره عملاً إنسانياً، لكن المشكلة تكمن في أن أمريكا قامت على مدى العقود الماضية بالعمل على زيادة نفوذها في أجزاء واسعة من العالم وذلك من أجل زيادة سيطرتها على العديد من البلدان الفقيرة والحد من تنامي القوى الناشئة في العالم ولهذا لم تسمح واشنطن لأوروبا الشرقية بالبقاء في التحالف الروسي (الاتحاد السوفييتي السابق)، ولم تسمح لليساريين الأمريكيين في أمريكا اللاتينية، بتقويض المعاهدات السابقة بين دول تلك المنطقة وأمريكا، وهي لا تريد أن تدار دول غرب آسيا من قبل دول المنطقة وحتى أنها قامت بتهديد دول أوروبا الغربية لكي يستمروا في التزامهم بالمعاهدات التي وقّعوها مع واشنطن قبل بضع سنوات.
ونتيجة لاستمرار واشنطن بهذه العملية وهذا النهج، الذي يعتمد على استغلال النزاعات بين البلدان في العالم وممارستها للكثير من الضغوطات السياسية والاقتصادية والعسكرية المختلفة على العديد من البلدان، فإن مظلة الهيمنة الأمريكية ستنتشر في جميع أنحاء العالم وهنا يمكن القول بأن هذا الأمر هو نفس الاستعمار الجديد.
الوقت