عبد الباري عطوان: هل تتجه الولايات المتحدة للتصعيد في سوريا ؟
جون بولتون مستشار، الامن القومي الأميركي، واحد اقوى رجالات إدارة الرئيس دونالد ترامب، وأكثرها تطرفا وعداء للعرب والمسلمين، انهى اليوم زيارة لدولة الاحتلال الإسرائيلي استمرت ثلاثة أيام، كانت بمثابة “زيارة حرب”، ركزت مباحثاته فيها مع حليفه الاوثق بنيامين نتنياهو على الوجود الإيراني في سوريا، والمعركة التي باتت وشيكة في مدينة ادلب، آخر معاقل المعارضة المسلحة، وكيفية تشديد العقوبات الاقتصادية لتثوير الشعب الإيراني.
نقطتان رئيسيتان وردتا في مؤتمره الصحافي الذي عقده في مدينة القدس المحتلة في ختام الزيارة، يستحقان لفت الأنظار اليهما، ومحاولة قراءة ما بين سطورهما:
ـ الأولى: توجيه تحذير شديد اللهجة الى القيادة السورية بان الولايات المتحدة سترد “بقوة شديدة” في حال استخدام الأسلحة الكيماوية في أي هجوم على ادلب.
ـ الثانية: ان أمبركا لا تسعى الى تغيير النظام في طهران، بل ترغب في تغيير سلوكه، لان الاتفاق النووي سمح لهذا النظام بتمويل نشاطات مسلحة في لبنان والعراق وسوريا واليمن.
اذا تأملنا النقطة الأولى، المتعلقة بأدلب، فإن الانطباع الرئيسي الذي يخرج به أي متابع لحرب السبع سنوات في سوريا، ان الإدارة الامبركية تدرك جيدا ان هجوم الجيش العربي السوري لاستعادة المدينة بات وشيكا، وانها تعارض هذا الهجوم بقوة، ومن غير المستبعد وجود خطة لديها لمحاولة عرقلته او افشاله، والذريعة الجاهزة هي استخدام “النظام” لأسلحة كيماوية على غرار ما حدث في دوما (الغوطة الشرقية) وخان شيخون (ريف ادلب).
تقارير استخبارية روسية اكدت ان الولايات المتحدة استخدمت ما يسمى بـ”الخوذ البيضاء” لـ”فبركة” هذه الادعاءات حول استخدام هذه الأسلحة في المنطقتين، وهذا ما يفسر قيام وحدات خاصة من الجيش الإسرائيلي بإجلاء حوالي 800 من هؤلاء وعائلاتهم في عملية عسكرية من جنوب سوريا بعد نجاح الجيش السوري، بغطاء جوي روسي في احكام السيطرة على المناطق التي كانت تسيطر عليها فصائل المعارضة المسلحة في درعا والقنيطرة ومعبر “جابر ـ نصيب” على الحدود الأردنية، وكان من ابرز اهداف هذه العملية التي نقلتهم الى تل ابيب عدم سقوط أي من عناصر هذه المنظمة (الخوذ البيضاء) في ايدي السلطات السورية، او الروسية، وتقديم اعترافات موثقة حول أنشطتها، ودورها في مضمار الأسلحة الكيماوية.
وحدات “الخوذ البيضاء” ما زالت موجودة في مدينة ادلب، ولن يكون مفاجئا اذا ما جرى استعادة “سيناريو” الأسلحة الكيماوية مجددا، لتبرير ضربات جوية او صاروخية على اهداف سوريا، على غرار العدوان الثلاثي الأمبركي الفرنسي البريطاني في نيسان (ابريل) الماضي كرد على مزاعم باستخدام أسلحة كيماوية في الغوطة الشرقية.
ابو محمد الجولاني، زعيم هيئة تحرير الشام (النصرة سابقا) ظهر، وبعد غياب طويل، قبل بضعة أيام في شريط فيديو وهو يتفقد غرفة العمليات في ريف اللاذقية الشمالي، ومؤكدا ان جبهته المصنفة على قائمة الإرهاب وضعت خطة مع فصائل أخرى لصد أي هجوم للجيش السوري على ادلب، معتبرا ان الاستسلام “خيانة”، وكذلك المصالحة مع النظام أيضا، مشددا على رفض أي تسليم للأسلحة، وهذا الظهور المفاجئ للجولاني، وفي هذا التوقيت لا يمكن ان يكون بمحض الصدفة خاصة تزامنه مع حديث لاحد جنرالات حلف الناتو الذي تحدث عن دعم امبركي لتنظيمه ولم يصدر أي نفي له حتى كتابة هذه السطور.
المستشار بولتون جانب الحقيقة تماما عندما أكد في مؤتمره الصحافي في القدس المحتلة بأن حكومته لا تسعى لتغيير النظام في طهران، وانما تغيير سلوكه، ليس لأنه جاء الى منصبه هذا قبل ثلاثة اشهر بسبب قناعته الراسخة بحتمية اسقاط النظام الإيراني، وانما أيضا لان الهدف الحقيقي لزيارته للقدس المحتلة هو وضع الترتيبات لتحقيق هذا الهدف عمليا مع حليفه نتنياهو بدءا من انهاء الوجود العسكري الإيراني في سوريا، وتشديد الحصار الاقتصادي لتحريض الشعب الإيراني على الثورة.
بولتون يدرك جيدا، وهو الذي كان من ابرز المنظرين للحرب على العراق، واطاحة النظام في بغداد عبر الغزو والاحتلال، ان الحصار الخانق هو الطريق الأقصر للإطاحة بالأنظمة، او اضعافها على الأقل، بغض النظر عن الاضرار الجسيمة التي يلحقها بالمدنيين الأبرياء.
ما ينساه بولتون، ومعه كل المتطرفين، وعلى رأسهم نتنياهو، ان الوضع في سوريا وايران حاليا مختلف عن الوضع في العراق، لان هناك عنصرا روسيا حاسما في الحالين، والأولى، أي سوريا، على وجه الخصوص، كما انه لم تلتزم أي دولة حتى الآن بدعم العقوبات الامبركية على ايران، باستثناء السيد حيدر العبادي، رئيس وزراء العراق، في واحدة من اشد المفارقات غرابة.
المستشار بولتون هو نذير الحروب، فجميع زياراته الى منطقة الشرق الأوسط، ومنذ عام 1990 كانت بهدف التحضير لها، وكانت القدس المحتلة دائما أحد محطاتها الرئيسية الأهم، وزيارته الأخيرة ليست استثناء.. ولكننا على ثقة بأن النتائج قد تكون مختلفة هذه المرة، لان روسيا ستدعم أي هجوم لاستعادة الجيش السوري لأدلب، آخر المعاقل الخارجة عن سيطرته، واطلاقها 100 صاروخ على مواقع الفصائل المسلحة المصنفة إرهابيا اليوم احد الادلة.. والأيام بيننا.
* عبد الباري عطوان / رأي اليوم