من يقف وراء تعطيل فتح الحدود السورية – الأردنية ؟
د. شهاب المكاحله
السؤال حول موعد فتح المعبر بين البلدين بات يحتل مكان الصدارة في السجالات الداخلية الأردنية خلال الأيام الماضي. لكن ما هو مؤكد أن الأردن ضاق ذرعاً بالأزمة السورية بل أصبج أكثر من أي وقت مضى في أمس الحاجة لاستقرار سوريا وعودة الأمور إلى ما كانت عليه قبل مارس 2011 حين كانت العلاقات طبيعية وقوية بين عمَان ودمشق على الرغم من علو وتيرة التصريحات بين الفينة والأخرى بين الجانبين. ولكن ما يهمنا في الأردن أن الدرس كان قاسياً وعلينا استغلال قرب انتهاء الصراع السوري للتمهيد لعودة الحياة السياسية والاقتصادية بين البلدين إلى مرحلة ما قبل الأزمة لأن العلاقة ليست بين وزير او مسؤول مع مسؤول آخر بين بين دولتين جارين بينهما علاقات اقتصادية وعائلية كبيرة.
يعتقد بعض المسؤولين في الأردن أن الوقت قد أصبح مناسباً الآن للتفكير في العودة بالعلاقات إلى مستويات ما قبل الصراع السوري لأنه يخدم الأردن أولاً قبل سوريا. وتبدو الأساب التي تستدعي ذلك كثيرة منها: تغيّر الظروف الميدانية والسياسية لصالح الحكومة السورية، وأزمة اللاجئين، ونجاح تجربة مناطق خفض التصعيد، وتبدد خطر تقسيم سوريا.
في العام الماضي ساد الغزل العذري بين الإعلام الرسمي الأردني والسوري برسائل مهمة كان على الجميع أن يتلقطها. ولكن ودون سابق إنذار تجمدت تلك الرسائل ودونما سبب وجيه سوى أمن الحدود الذي كان يحول دون عودة العلاقة الاقتصادية والتجارية والتي لا بد أن يسبقها تنسيق سياسي أولاً.
وما يستغربه الكثير من الأردنيين هو لماذا لا تعود العلاقات بين الأردن وسوريا اليوم إلى سابق عهدها؟ وهل من واجب الأردن أن يراعي مصالح الآخرين قبل مصلحته أو أن يستمر في رعاية مصالحهم على حساب أبنائه؟
لم يتخلى الأردن عن حلفائه الإقليميين والدوليين في الأزمة السورية أو غيرها ولكن في كثير من المواقف والشدائد تخلى عنه أكثرهم. وتُرك ليواجه مثعتركاً اقتصادياً دمَر البنية المجتمعية للأردن وسط تعنت بعض السياسيين بعدم النزول عن شجرة التوت تلك.
بالطبع لن تقبل سوريا فتح حدودها مع الأردن ولو طُلب منها الآن على الرغم من وجود قوات سورية وشرطة عسكرية روسية على الجانب السوري من الحدود الأردنية-السورية لأسباب منها: الحصول من الأردن على مكاسب سياسية واستدارة نحو النظام السوري وعدم استخدام عبارات تربط النظام السوري وحزب الله وإيران بالإرهاب وزعزعة أمن المنطقة وغيرها. والأهم من ذلك أن يعترف الأردن بأن سوريا تراعي المصالح الأردنية-السورية بناء على ما يخدم كلا الدولتين وهذا الأمر لا يعترف به بعض الساسة الأردنيين. وهذا شرط سوري أساسي لعودة الحياة إلى مجراها بين البلدين.
فهل يمكن أن تقبل الدبلوماسية الأردنية بذلك؟
يعلم الأردنيون أن بلدهم واقع بين خطوط نار من كل الجهات وأن الخيار السياسي لا يمكن أن تحدده عمًان وحدها سواء في فتح الحدود أو إغلاقها إلا من باب الأمن ودرء الإرهاب عن الداخل الإردني ولكن هناك أيضاً ضغوطات خارجية تلعب دوراَ في فتح الحدود وإغلاقها. واليوم ومع عودة الحياة إلى طبيعتها على الجانب السوري لا بد من اتخاذ خطوات أردنية إيجابية تجاه دمشق بغض النطر عن المستقبل السياسي ومن سيحكم لأن العلاقة بين البلدين ليست بين حكومتين أو سفيرين بل بين شعب واحد في بلدين.
ماذا عن آلية عودة العلاقات إلى طبيعتها؟ فدون الخوض في التفاصيل الدبلوماسية التي يعترض البعض حتى ساعات كتابة هذه المقالة على عودة العلاقة جُملة وتفصيلاً طالما كان الرئيس السوري هو من يرأس النظام القادم إلا أنه من الواجب على الأردن المبادرة فوراً ودونما إبطاء للعمل مع الروس والحكومة السورية لتسوية ملف اللاجئين السوريين وضمان عودتهم إلى ديارهم القريبة بأسرع وقت ممكن لأن ذلك يُخفف الأعباء المادية والأمنية عن الأردن. وهذا يعني الاسمترار بالتواصل بين الحكومتين السورية والأردنية على مستويات عسكرية وأمنية لتأمين المناطق على امتداد الحدود بين البلدين كمرحلة أولى قد تُسفر عن اجتماعات على مستويات عليا. الإحصاءات الرسمية الأردنية تشير إلى وجود نحو مليون لاجئ سوري في الأردن وعشرات الآلاف من الأطفال السوريين المولودين على الأراضي الأردنية ممن لا سجلات توثيقية لهم. وهذه هي المعضلة الأولى. أما المعضلة الثانية فهي إعادة فتح معبر نصيب بشكل رسمي على غرار فتح معبر طريبيل – الكرامة مع العراق. وهنا يمكن أن يتفق الجانبان على فتح المعبر أمام حركة البضائع فقط ثم يتم البجث في حركة المسافرين لاحقاً عقب التخلص من الإرهاب في سوريا مع وقف تصريحات تحريضية لبعض السياسيين الأردنيين ممن اعتادوا على معارضة الاستراتيجية السورية في ظل القيادة السورية الحالية.
لا تبدو الأمور صعبة إذا توفرت الإرادة السياسية لكلا الجانبين. فإحياء العلاقات يمكن أن يبدأ في وقت قريب، لكن عودتها ما قبل مارس 2011 تحتاج لسنوات تستدعي تنازلات من الجانبين والنزول عن شجرة التوت. فكل محاولات إسقاط القيادة السورية باءت بالفشل وعلى الجميع الاعتراف بذلك. وباتت كل دولة تتقرب من النظام السوري للحصوول على مكاسب اقتصادية وتجارية واستثمارية وسياسية. وإن لم تضعف ذاكرتي فنحن الأقرب من سوريا.
رأي اليوم