السبت , نوفمبر 2 2024

Warning: Attempt to read property "post_excerpt" on null in /home/dh_xdzg8k/shaamtimes.net/wp-content/themes/sahifa/framework/parts/post-head.php on line 73

حارَبَنا “ربهم”… فكيف إنتصرنا؟!.

حارَبَنا “ربهم”… فكيف إنتصرنا؟!.

سمير الفزاع
لا تسعى موسكو وبكين وحلفائهما إلى الصدام الواضح والمباشر مع واشنطن أو جعله في الحدود الدنيا حاليّاً على الأقل، لأن هناك “مخاوف” ورهانات جديّة يستند إليها الطرفان: مثلاً، الخوف من هجوم أمريكي نووي في بعض “الساحات الساخنة”، والرهان على فك الإرتباط بين أوروبا أو بعضها مع أمريكا… ولذلك ينطلقان بعلاقاتهما من موقع “الشراكة” مع اوروبا وحتى مع أمريكا.
يسعى ترامب لمحاربة روسيا وإعادة الإمساك بإوروبا عبر بوابة الطاقة، والتي تبلغ فاتورتها السنوية 400 مليار يورو تقريباً، وحتما هي بإرتفاع مستمر. يطرح “ترامب” إنشاء ما بين 9-11 محطة يدفع كلفتها الإتحاد الأوروبي لتسييل الغاز الأمريكي المُصدر إليها، وإن كان ثمنه أعلى من نظيره الروسي بثمانية دولارات تقريبا. مع الإنتهاء من مشروع السيل الشمالي-2 الذي يزود ألمانيا وأوروبا عبر بحر البلطيق بكميات كبيرة من الغاز الروسي دون المرور بإوكرانيا التي أصبحت محميّة أمريكية، سيكون من المستحيل منافسة القدرات التصديرية الروسيّة إلا في حالة واحدة؛ صناعة الحروب والإضطرابات، وخصوصاً في عُقد الغاز وخطوط نقله وموانئه ومصباته… كما حصل في أُوكرانيا، ما يرفع أسعار الطاقة وتحديداً الغاز، فتزداد القدرة التنافسيّة للغاز الأمريكي، ويستعر مستوى العداء بين موسكو والإتحاد الأوروبي، ليعود هذا الأخير مجدداً بكليته للحظيرة الأمريكية. ولكن هل واشنطن فعلاً قادرة على إفتعال هكذا حروب وإضطرابات؟!. نعم هي قادرة، وأكثر هذه المواقع ملائمة هي تركيا؛ حيث يجتمع السيل الجنوبي الروسي المنشأ، ومشروع “نابكو” الأذربيجاني، ومشاريع أخرى طور الإنشاء، والكم الهائل من اللاجئين المحتمل تدفقهم إلى أوروبا. ما نراه من إنهيار متسارع في الإقتصاد التركي، بعد العقوبات الأمريكية ونزوح الرساميل الخليجية… يوحي بأن تركيا ستكون الهدف، ما يدفعها لأحد خيارين: إما العودة للوصاية الأمريكية المطلقة أو التحول إلى فضاء بريكس وشنغهاي المناهضة للنفوذ الأمريكي. ومن أبرز المسارح التي ستظهر التموضع التركي على أحد الخيارين: سورية ومعركة إدلب تحديداً، والعراق وحكومته الجديدة، والمدخل لكل ذلك العلاقات التركية-الروسية. لذلك رأينا أردوغان يهرع إلى بوتين طالباً الدعم السياسي والإقتصادي… الثمن سيكون في سوريّة أولاً، تلك هي “ميزة” العدو المتغطرس سواء في واشنطن أو أنقره؛ السقوط المدوي نتيجة الإنخداع بوهم القوة.
تدرك أوروبا بأن خضوعها هي للعقوبات الأمريكية، وتلك التي تفرضها واشنطن على روسيا وحالياً تجاه إيران ستكون بلا نهاية قريبة، ولكن مشكلة أوروبا اليوم تتمثل بأن الدولة المؤهلة لقيادتها في المرحلة القادم هي ألمانيا: القوة الإقتصادية الأكبر، الإستقرار السياسي، العلاقات المميزة مع روسيا، المحرك الفعلي لسياسات أوروبا الإقتصادية والسياسية… لكنّ التاريخ يقف في وجه ألمانيا: حربان عالميتان، النزعة القوميّة، إقتصاد قوي قادر على “بلع” الآخرين، وفي ذات الوقت جيش ضعيف يتململ من إهانة الوصاية الأمريكية، ما قد يجعل العلاقة المميزة مع روسيا بداية لتشكيل ثنائي أوروبي (روسي-ألماني) يُقصي النفوذ الفرنسي والبريطاني وحتى الأمريكي من معظم أوروبا إن لم يكن جميعها… لهذا، التردد ما زال سمة السياسة الألمانية في علاقتها مع روسيا والمنطقة، وتحديداً الحرب على سوريّة.
أهم الصناعات الأمريكية على الإطلاق “صناعة الدولار” حيث تكلف “صناعة” ورقة المائة دولار أمريكي (سبعة سنتات فقط). من هنا نكتشف سبب “السُّعار” الأمريكي للحفاظ على “منطقة” الدولار أو هيمنة الدولار، وهذا يظهر بنفس الوقت خطورة أن تقوم أي دولة في هذا العالم بتسعير نفطها أو تمويل تبادلاتها التجارية بغير الدولار، مثل دول “البريكس”. كما يفسر الرغبة الأمريكية الجامحة لقصم ظهر ألمانيا “بإجبارها” على تمويل إنتقال دول حلف وارسو إلى الإتحاد الأوروبي وحلف النيتو… وفيما يخصنا، يمكن لنا أن نكتشف لماذا إحتفظت واشنطن بجلّ إحتياطاتها النفطية والغازية المكتشفة منذ عقود -خصوصا النفط والغاز الصخريين- والتي تفوق إحتياطات مملكة آل سعود بثمانية أضعاف حتى اللحظة، ولماذا يصر ترامب على تقاسم السوق الأوروبي الغازيّة مع بوتين، وأي كارثة حلّت بالعالم عندما “أقنع” كيسنجر آل سعود ومحميات الخليج، ولاحقا منظمة “أوبك” بتسعير النفط بالدولار، وأيّ جريمة إرتكبها السادات بحق فلسطين وسوريّة وحرب تشرين 1973… .
لم يرغب السادات في سلوك طريق جنيف لتحقيق “تسوية” للصراع العربي الصهيوني؛ بل فضل أن يجترح على “طريقته” مساراً خاصاً للتفاوض، ولا أعلم أساعده كيسنجر على هذا المسعى أم أنّ هذا الطريق كان من “صنع” السادات نفسه، خصوصاً وأنّه مرتبط أمنيّاً منذ أمد بعيد بدوائر إستخباريّة غربية، وتحديداً الألمانية ثم البريطانية… وكما هو معلوم، وبعد إتفاق برمودا 1957، فقد سلّمت بريطانيا مناطق نفوذها وملفات عملائها بالتدريج وحسب الأهمية لواشنطن، ويبدو بأن السادات من بين هؤلاء العملاء.
منذ العام 1971، قدم السادات مقترحاً لكيان العدو لفتح مسار تفاوضي ينتهي بإتفاق سلام معه مقابل عودة سيناء إلى مصر… ويقال، بأن غولدا مائير رفضت هذا الإقتراح. أعتقد بأن من رفض هذا الإقتراح كان في واشنطن وليس في تل أبيب، فالكلب هو من يُحرك الذنب وليس العكس. ويمكن لي التدليل على هذا الإعتقاد بعدة عناصر، ومنها:
1-أن كيسنجر والسادات، لم يُريدا للحظة واحدة دوراً فعالاً لموسكو في ترتيب أهداف وتفاصيل مؤتمر جنيف، لأن ذلك سيشكل عائقاً أمام واشنطن أن تنسب إلى نفسها هذا الإنجاز التاريخي، وسيقيد من مخططات واشنطن وتل أبيب و”هرولة” السادات، ولأن التفاوض على مسار منفرد يقوده السادات، الحديث العهد بالسلطة والخالي الوفاض من أي “إنجاز تاريخي” ستكون ديمومته موضع شكّ كبير.
2-كان كيسنجر من أبناء مدرسة تؤمن بعمق، بأن التفاوض تحت النار أجدى منه في الظروف الطبيعيّة، ولم يستخدم هذه الإستراتيجية مع الأعداء والخصوم فقط؛ بل وضد الحلفاء أيضاً… ومنهم كيان العدو ذاته.
3-أراد كيسنجر أن يبدأ هذا المسار التفاوضي في ظل “هزيمة” للدور السوفيتي في المنطقة، ليكون هو صاحب الكلمة العليا في رسم الأدوار لهذا “الإستعراض التاريخي”، نهاية الصراع العربي-الصهيوني… لذلك قال عند سؤاله عن الدور السوفيتي في الحل: من قال بأني لا أُريدهم في الحل؟! المسألة هي أين أُريدهم. أُريدهم في البداية، وأريدهم في النهاية… ولكني لا أُريدهم في الوسط. أُريدهم في البداية لأنهم كانوا في قلب “الأزمة” منذ بدايتها؛ إنّ المرحلة التي يستطيعون فيها ممارسة “ألاعيبهم” هي مرحلة المفاوضات الفعلية، لذلك يجب عزلهم، وأما عند الجلوس للتوقيع سأحتفظ لهم بمقعدهم… وعند سؤاله: كيف سيقبل الإتحاد السوفيتي هذا الوضع المهين؟!. قال: لسنا “نحن” الذين سنضعهم في هذا الوضع؛ إن أطراف “الأزمة” سيفعلون ذلك، إتركوا الأمر لهم وهم سيتصرفون!.
4-كان كيسنجر والصهاينة وربما السادات بقدر ما، يدركون أن سلاماً منفرداً دونما أي غطاء عربي ودولي، سيكون فرصة ذهبية للرئيس حافظ الأسد، المتحالف مع موسكو، أن يصبح القائد العربي الذي تتجه إليه الأنظار بعد وفاة عبد الناصر، وستصبح دمشق قبلة للعروبين والثوريين لا القاهرة… ومن غير المقبول أن يمنح قائد عربي أو عاصمة عربية مثل هذه الفرصة مجدداً، وخصوصاً حافظ الأسد ودمشق… فكان المخطط: حرب تخوضها مصر وسوريّة، تتخلى فيها مصر عن سوريّة، فتخرج منها مصر مهزومة، وسوريّة مُحتلّة أو جيش العدو على بعد بضعة كيلومترات فقط من عاصمتها… والسادات وبدعم عربي-إسلامي يوقع عنه وعن سوريّة إتفاق سلام مع “إسرائيل” ينهي الصراع، ويسلم واشنطن مفاتيح المنطقة بضربة واحدة. إكتفى كيسنجر بسلام مع السادات يكسر معادلة القوة التي أرستها وقائع التاريخ: إجتماع سوريّة ومصر كفيل بتهديد ما يُجمع عليه الغرب المستعمر. لم تستلم سوريّة ولم توقع، فاشتعلت حرب لبنان “الأهليّة”، والهدف إغراق سوريّة مجدداً في دوامة الدم والإستنزاف… ولم يغب “الله” عن الحرب، بالتزامن تقريباً، بدأت معركة سوريّة مع الإخوان الملسمين… فصل جديد من حرب تشرين.
احد اهم “مبررات” التحشيد ضد الإتحاد السوفيتي في افغانستان: الحرب ضد الالحاد والشيوعية حرب مقدسة إنتصاراً لله والدين… لم يكن بريجينسكي -البولندي الأصل- لم يكتفي بالسيطرة على “دار الفتوى الإسلامية” الأكبر عبر آل سعود، ولكنه رتب للإمساك بالكنيسة الأكبر عبر وضع البولندي يوحنا بولس الثاني على رأسها بعد عام فقط من توليه موقع مستشار الأمن القومي الأمريكي، لقد كان هدفه من “الضخامة” إلى الحدّ الذي جعله يحتاج لتحقيقه إلى “حرب مقدسة” “إسلاميّة-مسيحيّة” تُسقط الإتحاد السوفيتي الملحد من أفغانستان تحديداً، فقد قال يوماً سأصل إلى موسكو من هنا… خصوصاً بعد طرد موسكو من مصر على يد السادات. اليوم، عادت موسكو مجدداً إلى المشرق العربي من البوابة السوريّة التي أفشلت مساعي كيسنجر في “ذبحها” تحت غبار حرب تشرين، وفي أتون الحرب اللبنانية، والمعركة الدموية مع الإخوان المسلمين…
لذلك أقول ختاماً، إن ما يجري اليوم في سورية، ليس فقط ردّ أمريكي معاصر على الطريقة التي خاض بها حافظ الأسد وسورية حرب تشرين التي هزّت الأركان الوجوديّة للكيان الصهيوني، وإستكمالاً لحرب تموز، وفصل آخر في تغريبة الشرق الأوسط الجديد، وتدفيع سورية ثمن إعادة موسكو إلى المنطقة…… وإنما صفحة أولى من حرب كونيّة على المنطقة مكونة من ثلاث صفحات، قد يكون السلاح النووي التكتيكي عنوان صفحتها الثانية، والويل لمن لا غطاء نووي له… لكنّ “الرب” الذي حارَبَنَا عندها كما اليوم، لم يكتفي بالفشل؛ بل إرتكب أحد أنبيائه ذنباً عظيماً حسب وزير الحرب الصهيوني “ليبرمان”:”النبي موسى أخطأ حين جاء بنا إلى الشرق الأوسط”. ما يهم أكثر من الوقاحة والتزوير في هذا التصريح، تلك الإشارة لحجم الرعب الذي تعيشه دويلة الخطيئة الكبرى “إسرائيل” ومن خلقها، من وقائع الصفحة الأولى التي لم تظهر كل تداعياتها بعد، وتباشير الصفحة الثانية.