معركة ادلب… هل هناك إمكانية لاستعادة سيناريو درعا؟
عمر الردّاد
تتسارع التطورات السياسية والعسكرية،بين الأطراف المعنية بإنهاء الصيغة القائمة في ادلب، بما يضمن تحريرها واستعادتها من قبل الحكومة السورية،إما بحرب شاملة تنهي سيطرة الفصائل المسلحة التي تجميعها منذ بداية الازمة السورية في ادلب، او بتوافقات ومصالحات على الطريقة التي تم خلالها استعادة الجنوب السوري.
تدرك الأطراف المعنية ،وخاصة أقطاب استأنا” روسيا،إيران ،تركيا والحكومة السورية” تعقيدات المشهد في ادلب،الذي يبدو أن اللاعبين الأساسيين فيه هما روسيا وتركيا،وهو ما يفسر الزيارات والاتصالات المتبادلة والمكثفة للمستويين ألاستخباري والعسكري بين أنقرة وموسكو وطهران،وذلك قبيل القمة التي ستعقد في الأسبوع الأول من أيلول القادم في إيران،والتي تدل المؤشرات على أن ترتيبات ادلب سيتم بحثها وإقرارها في هذه القمة،ولتفكيك مشهد ادلب المعقد فانه لا بد من التوقف عند المحاورالاساسية التالية:
أولا:إصرار الحكومة السورية وحلفاؤها وخاصة روسيا وإيران على استعادة ادلب باية طريقة ،واستعدادها لدفع أي ثمن مقابل هذا الهدف،مسنودة بالنجاحات التي تحققت في إخراج الفصائل العسكرية المقاتلة من الغوطة ودوما والجنوب السوري،والترتيبات التي تم انجازها مع الأكراد في شمال وشرق سوريا، إلى جانب إضعاف شوكة “داعش” في غالبية المناطق في سوريا.
ثانيا:على الجهة المقابلة تقف تركيا ومعها الفصائل المعارضة، ومن الواضح ان موسكو تسعى لإعادة إنتاج سيناريو الجنوب السوري في ادلب ، حينما أنجزت التوافقات مع الأردن على أساس إغلاق الحدود أمام اللاجئين، وممارسة ضغوط على فصائل المعارضة لانجاز المصالحات ،وخاصة تسليم الأسلحة الثقيلة،مع توجيه ضربات عسكرية مكثفة و”محدودة” للرافضين
وتدرك موسكو الاستعداد العالي لدى أنقرة في هذه المرحلة ،وعلى ضوء خلافات تركيا مع أمريكا،لإبداء ليونة عالية مع مطالب موسكو ،لدرجة ان كثيرا من المحللين يقدرون استعداد أنقرة للتوقيع على “بياض” لموسكو ، حفاظا على التحالف معها لتوسيع هوامش المناورة مع واشنطن، التي تمارس ضغوطا أكثر جدية على أنقرة.
ثالثا:الولايات المتحدة وأوروبا تمارس ضغوطا على روسيا والحكومة السورية من خلال: تحذيرات من إعادة استخدام الحكومة السورية للأسلحة الكيماوية في ادلب،وتحذيرات أممية من “كارثة إنسانية” وهجرة ما يقارب المليون شخص على خلفية المعارك في ادلب ،وهو ما تخشاه أوروبا المأزومة بكيفية التعامل مع قضية اللجوء،فيما تتهم روسيا والحكومة السورية فصائل المعارضة بأنها تستعد لاستخدام الأسلحة الكيماوية ، وتوجيه الاتهام للحكومة السورية باستخدام الكيماوي،فيما تضمنت تسريبات روسية ان واشنطن وحلفاءها من الأوربيين يستعدون لتوجيه ضربة لسوريا،وهو ما عززته تصريحات وزير الدفاع الأمريكي التي تشير لانقلاب في الموقف الأمريكي من بقاء الرئيس الأسد، وتأكيد استمرار تواجد قواتها العسكرية في سوريا لانجاز الحل الشامل ،بما في ذلك التأكد من خلو سوريا من الإرهاب، رغم أن هذه التصريحات مرتبطة،على الأغلب، بخلافات داخلية أمريكية ،أكثر من كونها تعكس موقفا أمريكيا جديدا.
رابعا:التحركات العسكرية تشير الى استعدادات كافة الأطراف لمعركة كبرى في ادلب، فمن جانبها دفعت روسيا ببوارج عسكرية الى شرق المتوسط ،فيما كثفت الحكومة السورية حشودها العسكرية تمهيدا لخوض معركة “فجر ادلب” كما حشدت تركيا قواتها العسكرية في مناطق ريف حماة والأرياف المحيطة بادلب، وبموازاة ذلك تمارس تركيا ضغوطا على فصائل المعارضة في إطار “الجبهة الوطنية للتحرير” التي تضم حوالي”65″ ألف عنصر مقاتل ،من بينهم حوالي “12” إلفا يتبعون لجبهة النصرة وفصائل تابعة لها ،بمن فيهم حوالي “5” ألاف مقاتل من غير السوريين.
خامسا:التسريبات العسكرية، تشير إلى انه تم التوافق بين روسيا وتركيا على قيام الجيش السوري وبدعم من روسيا بعملية محدودة،تتضمن السيطرة على الطرق الإستراتيجية بين حماة وحلب من جهة واللاذقية مع حلب،فيما ستواصل تركيا ممارسة ضغوط على هيئة تحرير الشام كي تحل نفسها،واشترطت استثناء فصائل المعارضة من الهجوم خلال العمليات ضد تحرير الشام،وترتيبات لتقديم مساعدات للاجئين داخل الأراضي السورية ،على غرار ما تم في الجنوب السوري.
ويبدو أن روسيا تراهن على حملة قصف عسكري مكثفة وحارقة ضد جبهة النصرة،بما يضمن عزلها ، وبالتزامن مع مفاوضات تشمل فصائل المعارضة الأخرى، لتسليم أسلحتها الثقيلة ونقلها إلى مناطق ريف حلب.
وبالخلاصة فان معركة ادلب أكثر من معقدة،تتداخل فيها العوامل الدولية والإقليمية مع المحلية،وربما تتم وفق السيناريو الذي تم في درعا ،رغم جوانب الاختلاف والفروقات المتعددة مع ادلب ،ومع ذلك فان احتمالات النجاح فيها ستبقى مرهونة بالتوازنات الدولية بين موسكو وواشنطن،وهو ما يعيد التذكير بان الأطراف المعنية بالمعركة” روسيا وتركيا وإيران” ورغم القواسم المشتركة بينها،الا أن كل طرف يحاور وينسق مع حلفائه ا بعين، وعينه الأخرى على واشنطن،في ظل شكوك عميقة بين الأطراف الثلاثة، دفعت إيران لتوقيع اتفاقات عسكرية مع دمشق،حلال الأسبوع الماضي، لقطع الطريق على إمكانية مواصلة موسكو مشوار توافقاتها مع واشنطن وتل أبيب لإخراج إيران من سوريا.
رأي اليوم