حذف الأصفار من العملة السورية: عملية دعائية حكومية… أم حاجة اقتصادية حقيقية؟!
أنتجت الحرب في سورية، أزمات اقتصادية عدة من انخفاض سعر الليرة السورية مقابل الدولار، والخسائر في القطاع المصرفي، وارتفاع الأسعار، مما انعكس بشكل مباشر على المواطن، الذي يمر بظروف اقتصادية صعبة، جعلته يكابد مصاعب الحياة، ويبحث عن مصدر رزق، يسد رمقه ورمق أسرته، مستغيثاً بالحكومة لعلها تمد له يد العون وتنقذه من دوامة الفقر.
معاون وزير أسبق يطلق الفكرة
الحكومة بدورها أطلقت الوعود بتحسن الوضع لمعيشي للمواطن، وبدأت بوضع الحلول على نار هادئة، على أمل أن تبصر عجلة الاقتصاد النور قريباً، ويلمس نتائجها المواطن، بدءاً من زيادة رواتب مرتقبة، ووعود بتخفيض الأسعار، لكن الكثير اعتبرها وعودا لن تجدي نفعاً وليست بحجم الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد، وتعددت اقتراحات الخبراء الاقتصاديين، وكان أبرزها اقتراح الخبير الاقتصادي بركات شاهين، وهو معاون وزير الصناعة السورية الأسبق، الذي دعا إلى حذف صفر من جميع العملات، أي أن تصبح الخمسين ليرة، خمس ليرات لتعود لوضعها ونختصر 97% من العملة المتداولة، ويعود وضع المواطن إلى ما كان عليه قبل الأحداث، معتبراً أنها أعظم هدية من الممكن أن تقدمها الحكومة للسوريين، فتبدأ عجلة الاقتصاد بالدوران وترتفع الثقة بين المواطنين والحكومة. وكان بركات شاهين قد رأى أن هذا الاقتراح سيعيد النظر بقيمة النقد والتضخم، ويلبي مشروع إعادة الإعمار وتحمل أعباء عودة اللاجئين الذين سيكلفون الحكومة الكثير.
ما معنى حذف الأصفار
تعرف عملية حذف الأصفار على أنها العملية التي يتم بموجبها، تعديل القيمة الأساسية لعملة البلد، بسبب ارتفاع نسب التضخم وانخفاض قيمة العملة، وقد تم حذف الأصفار في عدة دول في العالم مثل البرازيل عام 1994، والبيرو عام 1991، والأرجنتين عام 1992، وكان آخرها زامبيا عام 2009، وكانت كل من ألمانيا وتركيا وإيطاليا قد بدأت تاريخياً بهذا الإصلاح بحذف الصفر وأصبحت الليرة ليرة ذهبية تعادل عشر ليرات.
السؤال الذي يطرح نفسه: هل يمكن تنفيذ هذا الإجراء بشكل فعلي في الاقتصاد السوري؟ وما تداعياته وسيئاته على مجمل الحركة الاقتصادية؟ وهل سيساهم إجراء حذف الأصفار في استهداف التضخم؟ وهل حقق المرجو من تجارب حذف الأصفار التي طبقت فعلياً؟ وما التوقيت المناسب الملائم لتنفيذ هذا المشروع؟
سياسة غير مجدية
يقول الدكتور والباحث الاقتصادي محمد عبد الله إن سياسة حذف الأصفار آلية غير مجدية في الظروف التي تعيشها البلد. وفي شرحه لهذه الظروف أوضح عبد الله أن طباعة الأوراق النقدية في الوقت الحالي يستند على الرصيد والاحتياط من الدولار الأمريكي الموجود بمصرف سورية المركزي، إضافة إلى أن الروافد السياسية للاقتصاد خلال فترة الأزمة تعطلت، «النفط والسياحة والصادرات»، وهي المصدر الرئيسي للقطع الأجنبي بالبلد، واعتمد المواطن السوري على موضوع الحوالات الخارجية في لقمة عيشه، ويضيف عبد الله: أصبح لدينا أزمة بالسيولة السورية في البلد، إضافة للتضخم وهو زيادة الكمية النقدية المتداولة في السوق، أو انخفاض في القوة الشرائية للوحدة النقدية الواحدة، أو ارتفاع بشكل عام بالأسعار.
ويتابع الباحث الاقتصادي قائلاً: وعلى الرغم من كل الظروف السابقة الذكر إلا أن السياسة المتبعة من مصرف سورية المركزي تحت السيطرة، والكتلة النقدية ليست بحجم كبير من التضخم لتتبع الحكومة السورية سياسة حذف الأصفار، خصوصا وأن عملية حذف الأصفار ليست سهلة التحقيق، هي مقولة قد تكون لها آذان صاغية لدى المواطن السوري، لضعف خبرته بالمعلومات الاقتصادية.
إضافة إلى أن الكتلة النقدية الموجودة في الاقتصاد ليست بهذه الضخامة، كما أن وجود فئات نقدية ذات قيمة كبيرة متل فئة ٢٠٠٠ ليرة قليلة جداً، وبالتالي فإن ظروف الاقتصاد السوري مختلفة عن ظروف البلاد التي اتبعت هذه السياسة بعد الحرب، إذ ربما كانت ظروفها النقدية ملائمة، ورغم ذلك تعد عملية ذات أثار إيجابية وهمية.
الجدوى الاقتصادية لهذه السياسة
ترى بعض وجهات النظر الاقتصادية أن سياسة حذف الأصفار ليس لديها أثار إيجابية، لا بالعكس فإنها ستنعكس سلبا على المواطن السوري، خصوصا من يملك مدخرات ذات حجم صغير في المصارف السورية، وفي حال طبقت الحكومة هذه السياسة فسوف تكلفها خسائر كبيرة، وسوف توقعها بفخ إعادة طباعة الأوراق، وإعادة الطباعة، أو إصدار نقدي جديد لفئات قليلة تناسب هذه الآلية، مما يكلف الحكومة ملايين الدولارات، والحكومة بغنى عنها بالوضع الراهن.
عملية حذف الأصفار دعائية
من جهته، رجل الأعمال ورئيس لجنة المنظفات بغرفة الصناعة أيمن مونللي، أكد أنه ضد هذا الاقتراح تحديداً بالوقت الحالي، خصوصاً وأن الرواتب التي يتقاضاها الموظفون لازالت قليلة، وسط ارتفاع الأسعار، من دون وجود نظرة واقعية لتعديل الرواتب. مشيراً إلى أنه في حال ارتفعت الرواتب وأصبحت مناسبة للمواطن، ممكن أن نفكر بتطبيق هذا الاقتراح. وبحسب استقراء التجربة السابقة لبعض الدول خصوصاً التركية كونها الأحدث، تبين أن تنفيذ هذا الاقتراح يحتاج إلى توقيت مناسب، واستقرار اقتصادي في البلد يساهم في استهداف التضخم وتحسين سعر صرف الليرة وإعادة الثقة بالعملة الوطنية، كمخزن للقيمة ومن ثم تنشيط اقتصاد البلد.
إذا هذه السياسة ليس لديها أثار إيجابية حقيقية، تعود بالفائدة على المواطن السوري هي عملية إعلامية دعائية، أكتر من كونها، منهجا اقتصاديا، أو سياسة نقدية. والأجدى أن يكون الاتجاه، نحو التعامل النقدي الإلكتروني، وليس الاتجاه نحو عملية حذف الأصفار.
رولا السعدي / الأيام