إلى أين ستتجّه الجماعات الإرهابية بعد تحرير إدلب؟
عمر معربوني
من المُرجّح بالنظر إلى وضع ساحات الصراع أن يتّجه العدد الأكبر من “أجانب” الجماعات الإرهابية وهو ما تُطلق عليهم الجماعات مُسمّى “المهاجرين” الذين سينطلقون بعد إدلب في رحلة هجرة “جهادية” إلى أرضٍ يمكنهم من خلالها العمل ضمن مفهوم “أرض التمكين”،
وهي الأرض التي كانت إلى زمنٍ قريبٍ في جغرافيا واسعة من العراق وسوريا ولبنان وفقدوها بحُكم الهزائم المُتتالية التي وقعت بهم.
تركيا أطلقت على الجماعات التي تم دمجها إسم “جبهة التحرير الوطنية”
على الرغم من الانتصارات المُتتالية التي تحقّقت في سوريا والعراق على الجماعات الإرهابية، فليس هناك مُعطيات كافية تُشير إلى تحقيق الهزيمة الكاملة في المشروع الأميركي المرتبط بالمنطقة، فطالما تمتلك أميركا الإمكانيات والأدوات فهي قادرة على تغيير الآليات، والمقصود هنا بالآليات هو قدرة أميركا على التحكّم بأساليب الهجمة وساحاتها، فما تحقّق حتى اللحظة هو انتصارات موضعيّة لا تدخل ضمن تعريف النصر الاستراتيجي باستثناء التحوّل الهام المُتمثّل بربط الحدود السورية – العراقية، وهو أمر كبير الأهمية بما يتعلّق بالانتقال إلى مرحلة صراعيّة جديدة تكون قوى ودول محور المقاومة قد حقّقت فيها قفزة إلى الأمام، وكسرت ميزان القوى لمصلحتها آنيّاً حتى التمكّن من تثبيت التحوّل والانتقال إلى مرحلة البدء باستخدام خط الإمداد الاستراتيجي من طهران إلى لبنان الذي سيكون له تأثير جذري ومفصلي بما يرتبط بأية مواجهة شاملة مُرتقَبة مع الكيان الصهيوني في القوى والوسائط التي ستكون كبيرة ومرنة في انتقالها إلى مسارح العمليات، وخوضها للصراع ضمن ظروف مُتغيّرة لمصلحتها في أية مواجهة قادمة، إضافة إلى العُمق الستراتيجي لمسارح العمليات وحجم الطاقات التي سيتم زجّها في المعركة، وهو موضوع يحتاج إلى عملٍ دؤوبٍ وتحضيرات طويلة الأمد.
وما عودة الجغرافيا في سوريا والعراق إلى سيطرة الدولتين إلاّ عودة للواقع السابق ما قبل إطلاق الحرب على سوريا، ومن بعدها على العراق وعلى لبنان الذي تمكّنت فيه المقاومة والجيش من تحرير كل الأراضي التي تسيطر عليها الجماعات الإرهابية بفارق الأكلاف الكبيرة التي دُفِعت والوضع الاقتصادي المتردّي والكلفة المرتقبة لإعادة الإعمار، وهذا يعني أعباء مستمرة أقلّه لعقدين من الزمن لتعود هذه البلدان إلى وضعٍ مستقر.
في حين أنه لا تزال الجماعات الإرهابية تسيطر على مناطق واسعة في شمال سوريا، ولا يزال تنظيم “داعش” الإرهابي مُتخفّياً على هيئة مجموعات مُختبئة ونائمة في العراق، وهو أمر ينطبق على سوريا ولبنان أيضاً، وهذا يعني أن البلدان الثلاثة حتى بعد تحرير الجغرافيا ستكون تحت تأثير الإرهاب بأساليب أخرى تندرج ضمن مرحلة مكافحة الإرهاب، وهي مرحلة أمنية بحت تحتاج إلى جهود استثنائية في تطوير قواعد المعلومات والاستعلام والأمن الاستباقي، سواء في اكتشاف خطط الجماعات الإرهابية أو في حركتها كخلايا أو ذئاب مُنفردة، وهو ما يتطلّب تعريفاً جديداً للمهام المتوقّعة ومُقاربة مختلفة لعقل هذه الجماعات، والأهداف الثابتة لمُشغّليها وهو ما يعني استمرار المواجهة بأشكالٍ أخرى، ناهيك عن الضغوط العسكرية الصهيونية الدائمة والعقوبات الاقتصادية الأميركية وتأثيراتها المختلفة.
بالنظر إلى التحضيرات المُتعلّقة بمعركة إدلب التي أنهى الجيش العربي السوري معظمها، من المتوقّع أن نشهد انطلاق المعركة خلال الأيام القادمة وهي معركة تنتظر انتهاء القمّة الثلاثية في طهران، والتي سيكون لمُقرّراتها ومضمون البيان الختامي الصادر عنها تأثير واضح في حجم المعركة وآفاقها، رغم أن المُعطيات المتوافرة تشير إلى أن جماعات تركيا في الشمال الغربي لسوريا إن لم تشارك في المعركة إلى جانب الجيش العربي السوري، فإنها على الأقل ستكون على الحياد وهذا سيحصر المعركة بمواجهة “جبهة النصرة”، ولأن تركيا أطلقت على الجماعات التي تم دمجها إسم “جبهة التحرير الوطنية” ما يدعو إلى التساؤل عن العدو الذي تريد هذه الجبهة تحرير الأرض منه، هل هي “جبهة النصرة”؟ أم الجيش العربي السوري وهو ما يحتاج برأيي إلى توضيحٍ علني قد لا نحتاجه إذا ما شاركت جماعات “جبهة التحرير الوطنية” بالمعركة ضد “جبهة النصرة “.
ولأن نهاية المعركة في إدلب باتت معلومة في نتائجها على المستوى العسكري لجهة حسمها لمصلحة الدولة السورية، رغم الحشد العسكري التركي المُريب على الحدود مع سوريا والذي ستتوضّح أهدافه ما إذا كان لعرقلة حركة الجيش العربي السوري أو لإعاقة ومنع عناصر الجماعات الإرهابية من الفرار عبر تركيا.
وفي كل الحالات من المؤكّد أن تركيا لن تتمكّن من السيطرة على حركة الفرار نحو أراضيها، ما يعني دخول الآف الإرهابيين إلى تركيا التي ستكون لبعضهم مُستقّراً وللبعض الآخر ممّراً إلى بلدان أخرى، فما هي هذه البلدان التي ستتّجه إليها هذه الجماعات ولماذا؟.
من المُرجّح بالنظر إلى وضع ساحات الصراع أن يتّجه العدد الأكبر من “أجانب” الجماعات الإرهابية وهو ما تُطلق عليهم الجماعات مُسمّى “المهاجرين” الذين سينطلقون بعد إدلب في رحلة هجرة “جهادية” إلى أرضٍ يمكنهم من خلالها العمل ضمن مفهوم “أرض التمكين”، وهي الأرض التي كانت إلى زمنٍ قريبٍ في جغرافيا واسعة من العراق وسوريا ولبنان وفقدوها بحُكم الهزائم المُتتالية التي وقعت بهم.
بانتهاء معركة إدلب لن يكون من أرض يمكنها أن تقوم بدور “أرض التمكين” حالياً إلاّ ليبيا التي تعيش تفكّكاً ضمنياً بواجهة رسمية، حيث النفوذ للجماعات المختلفة على حساب الدولة الضعيفة، وهذا يوفّر برأيي غالبية شروط السيطرة، إضافة إلى سيناء بشكلٍ جزئي ك “ساحة جهاد”، ولبنان الذي يمكن أن يشكّل “ساحة نصرة” وهو ما يفرض تحديات كبيرة على ليبيا ومصر ولبنان بمستوياتٍ مختلفة تتطلّب استنفاراً استثنائياً والبدء بتنفيذ عمليات أمنية استباقية من خلال تشديد الرقابة على السواحل بشكلٍ رئيسي، على اعتبار أنّ حركة الهجرة من تركيا ستتّم عبر البحر بشكلٍ سهل خصوصاً إذا ما كانت المخابرات الأميركية هي التي تنظّم حركة فرار هذه الجماعات لاستخدامها في أماكن أخرى.
بما يرتبط بليبيا أعتقد أن العدد الأكبر سيصل إليها لتوافر الظروف الآنفة الذكر، ومن ثم يتم تنظيم استقرار هذه الجماعات وتكليفها بمهام أخرى لاحقاً، مع الأخذ بعين الاعتبار إمكانية تسلّل عدد لا بأس به من هؤلاء إلى أوروبا التي لم تستطع حتى اللحظة مُعالجة موجات المُتسلّلين بفعاليّة.
كما أن سيناء التي تشكّل أرضاً مُلائمة لجهة الربط مع السواحل اللبنانية والسورية، وكذلك قربها من ليبيا وشواطيء أوروبا ووجودها في منطقة قريبة من قناة السويس والبحر الأحمر، سيجعل منها موقعاً هامّاً لتموضع وحركة الجماعات الإرهابية في اتجاهات مختلفة، إضافة إلى إمكانية استخدامها في خلق بؤرة متوتّرة لتوفير الأجواء لاحقاً لإتمام “صفقة القرن”.
وللتخفيف من قدرة الجماعات التي ستتمكّن من الفرار من إدلب لا بدّ للدول المعنية بما فيها دول أوروبا من أن تُسارع إلى عملية تنسيق أمني مع سوريا بشكلٍ أساسي والعراق، للحصول على قاعدة البيانات الأوسع والأشمل للجماعات الإرهابية، وهو أمر تشترط بصدده سوريا عودة العلاقات السياسية معها وليس مجرد عملية تنسيق أمني وهو حق مشروع لسوريا التي تُحارب الإرهاب عن كل العالم.
المصدر : الميادين نت