الشرق السوري: هل تنفجر «الفخاخ الأميركية» في أيلول؟
جاء الاعتداء الذي طاول دورية أمنيّة سورية على يد عناصر «الأسايش» قبل يومين، بمثابة شرخٍ عميق أصاب «ثقة هشّة» لا تزال في طور التشكّل بين دمشق وبين «الإدارة الذاتية» بمختلف «هيئاتها». وعلى رغم المعطيات التي توحي بحرص الطرفين على احتواء الوضع في الحسكة، فإنّ عوامل التأزيم ما زالت حاضرة بما يتجاوز حادثة القامشلي، إلى مجمل تفاصيل ملف الشرق السوري. ويُشكل منتصف أيلول اختباراً حقيقياً لحظوظ «التفاهمات السلميّة»، ومؤشّراً على المسارات المستقبليّة المحتملة.
تختبر العلاقة بين دمشق و«الإدارة الذاتية» مرحلةً بالغة الحساسية. ولا يرتبط الأمر بأحداث القامشلي الأخيرة فحسب، بل يصحّ القول إنّ تلك الأحداث كانت أحد منعكسات التوتر بين الطرفين. وعلى رغم أن شهر تموز الماضي كان قد شهد أجواء إيجابية عقب أول جولة محادثات مُعلنة عُقدت في العاصمة السورية، فإنّ تلك الأجواء سرعان ما تبدّدت لتحلّ محلّها معطيات مفخخة كثيرة تجعل انفجار الوضع في الشرق السوري أمراً وارداً. وتُفيد معلومات «الأخبار» بأنّ «مسار التفاهمات مُني بضربة قاسية على خلفية تباطؤ الإدارة الذاتية في تنفيذ بعض الاتفاقات الأولية البسيطة». وكان من المفترض بتلك الاتفاقات «أن تؤسّس لتكريس الثقة بين الطرفين، بما يسمح بالبناء عليها في مرحلة تالية». وتتمحور الاتفاقات المذكورة حول جوانب خدمية واقتصادية، مثل إدارة السدود المائية ومحطات توليد الكهرباء وبعض المنشآت النفطية والغازية.
تربط مصادر كردية بين محادثات «أستانا» و«تصعيد النظام لهجته في شأن الانتخابات»
وعلى رغم أنّ جزءاً من الالتزامات كان قد نُفّذ، لا سيما ما يتعلق برفع العلم السوري في بعض الساحات، وإزالة بعض الرموز والشعارات «الجهويّة»، فإنّ الشق المتعلق بالمنشآت الغازية والنفطية لا يزال معلّقاً حتى الآن. أكثر من ذلك، تشير معلومات غير رسمية إلى أن «تدفق النفط من حقول الحسكة إلى بقية المحافظات قد توقف قبل أسبوع، بذرائع مختلفة». ومع الأهمية الخاصة لهذا التفصيل على أبواب فصل الشتاء، يظلّ التفصيل الأهم هو الموقف المتصلّب الذي أظهرته «الإدارة الذاتية» في شأن انتخابات «الإدارة المحلية» التي يُفترض إجراؤها في مختلف المحافظات السورية منتصف الشهر الجاري. وتؤكد مصادر سورية لـ«الأخبار» أن الموقف الأولي لوفد «الإدارة الذاتية» (في محادثات تموز) كان قد صبّ في خانة عدم عرقلة إجراء الانتخابات، من دون أن يعني ذلك المشاركة فيها بالضرورة. و«خلُصت جولة المحادثات الأولى إلى أن انتخابات الإدارة المحلية ستقام في مناطق سيطرة الدولة السورية في الحد الأدنى، مع وعد من وفد الإدارة الذاتية بالبحث في احتمالات توسيع نطاقها»، وفقاً لتأكيدات المصادر عينها. لكنّ «الرئيسة المشتركة لمجلس سوريا الديموقراطية» إلهام أحمد نفت حدوث أي اتفاقات من هذا النوع. أحمد، التي كانت عنصراً أساسياً في وفد «الإدارة الذاتية» إلى دمشق، أكدت لـ«الأخبار» عدم وجود «أي اتفاق على وضع الصناديق في مناطق شمال وشرق سوريا». ويعزو مصدر سوري بارز هذه المجريات إلى «قرار أميركي». يؤكد المصدر لـ«الأخبار» أنّ «هناك إصراراً أميركياً على عرقلة أي تقدّم حقيقي على هذا الصعيد، وعلى دفع الأمور نحو الانفجار في شرق سوريا». وتتقاطع آراء مصادر سورية أمنية وسياسية على أنّ «دمشق راهنت في الشهور الأخيرة على بعض العقلاء» في «الإدارة الذاتية». يقول أحد المصادر إنّ «الرهان كان معقوداً على فهم العقلاء أن المصلحة الوطنيّة ومصلحة أهلنا في الحسكة من مختلف المكوّنات تقتضي الكف عن السير في ركاب واشنطن». ويحرص المصدر على الإشارة إلى أن «ذلك الرهان ما زال معقوداً، لكنّ أسهمه انخفضت إلى أقصى درجة». وكانت «الإدارة الذاتية» قد أرسلت «إشارات سلبية» في ما يتعلّق بانتخابات الإدارة المحلية، عبر قيام «الأسايش» باعتقال عدد من المرشحين أواخر الشهر الماضي. وجاء ذلك بعد أسبوعين من «تعهّد قيادي بارز في وحدات حماية الشعب لمسؤولين سوريين بعدم التعرّض للمرشحين أو الناخبين»، وفقاً لمعلومات «الأخبار». ووضعت دمشق في خانة «الإشارات السلبية» قيام «الإدارة الذاتية» بإغلاق عدد من المدارس الخاصة بذريعة «عدم حصولها على التراخيص اللازمة»، وقيامها بتدريس مناهج لا توافق عليها «هيئة التربية والتعليم في إقليم الجزيرة» في إشارة إلى المناهج السورية الرسمية. وترى مصادر حكومية سورية أن «هذا السلوك يناقض كلّ الادعاءات بعدم وجود نوايا انفصالية، لأن مسألة المناهج التربوية أشد حساسية حتى من بعض المسائل العسكرية». كذلك؛ لعب تشكيل «المجلس العام للإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا» دوراً في تعزيز نظرة دمشق إلى «سلوكيات الإدارة الذاتية الراهنة» بوصفها «خطوات انقلابية على ما تم التوصل إليه في محادثات تموز». في المقابل، يسود في الكواليس الكردية السورية خطابٌ مضاد يحمّل دمشق مسؤولية التوترات الأخيرة. وتربط مصادر كردية بين محادثات «أستانا» في جولتها الأخيرة التي عُقدت قبل أيام في ظهران، وبين «تصعيد النظام لهجته في شأن الانتخابات».
وتشير تلك المصادر إلى أنّ «المسؤولين البعثيين الذين عقدوا اجتماعات في الحسكة للحديث عن الانتخابات استخدموا خطاباً مبنياً على التهديد والوعيد، وهذا يُناقض كل مبادئ الحوارات والتفاهمات». في ظل كل هذه الاحتقانات، جاءت حادثة القامشلي الأخيرة يوم السبت لتُنذر بمُضاعفات خطيرة. وتطوّرت ملاسنة بين مسلحين تابعين لـ«الأسايش» وبين دورية أمنية سورية كانت في «مهمة اعتيادية»، إلى إطلاق عناصر«الأسايش» النار على عناصر الدورية، الذين قاموا بدورهم بالردّ على النيران. وفيما هيمن جوّ من الترقّب على معظم مناطق الحسكة، علمت «الأخبار» أنّ «جهوداً كبيرة تُبذل لاحتواء الوضع والحؤول دون التصعيد». وشهد نهار أمس اجتماعات مطوّلة للبحث عن صيغة لـ«نزع فتيل التوتر». وبدا لافتاً أنّ معظم مسؤولي «الإدارة الذاتية» قد امتنعوا عن الخوض في مُجريات الأحداث وتطوّراتها المحتملة. وفضّل أربعةٌ من هؤلاء تحدثت إليهم «الأخبار» عدم الإدلاء بأي تصريحات، وعدم الإشارة إلى أسمائهم أيضاً. فيما اكتفى «الرئيس المشترك لمجلس سوريا الديموقراطية» رياض درار بالقول إنّ «المجلس على وشك إصدار بيانٍ حول الأمر» (صدر مساء أمس). أمّا «الرئيس المشترك لحركة المجتمع الديموقراطي» غريب حسّو، فاعتذر بسبب «انشغاله في اجتماعٍ مفتوح، بدأ منذ ساعات (عصر أمس)، وقد يستمر حتى مساء غد (اليوم)»!. وحدها إلهام أحمد ردّت على أسئلة «الأخبار» باقتضاب، وأعربت عن اعتقادها بأنّ «التصعيد غير وارد في الوقت الحالي، بخاصة أنه لا يخدم كلا الطرفين». ورأت أحمد أنّ حادثة القامشلي «ستؤثر سلباً في المحادثات مع دمشق بطبيعة الحال، ستؤثر سلباً لكننا سنسعى للاستمرار في ذلك الاتجاه». وجاء كلام أحمد منسجماً مع روح البيان الذي أصدره «مسد» تعليقاً على الوضع الراهن.
الأخبار – صهيب عنجريني