لماذا اختارت ” إسرائيل ” أسلوباً جديداً في العدوان على سوريا؟
غسان الاستانبولي
مع كلّ اعتداءٍ إسرائيلي على السيادةِ السورية، ينقسم السوريون إلى عدّةِ أقسامٍ، فمنهم مَن يسير خلف عاطفته مُطالباً بالردّ مهما تكن النتائج، ومنهم مَن يلبس قِناع الوطنية وخاصّة على مواقع التواصل الاجتماعي، ليؤلِّب الجمهور المؤيِّد للحكومة السورية ويخلق فجوة بينهما، ولكنّ السواد الأعظم من هذا الجمهور ينظر إلى الموضوع نظرة عقلانية، تاركين لقيادتهم التي تجذّرت ثقتهم بها اتّخاذ القرار الذي تراه مُناسباً، مع قناعتهم الكاملة بأنّ الردّ قادم لا محالة بغضّ النظر عن الزمان والمكان والأسلوب.
إن الاعتداء الإسرائيلي الأخير على السيادة السورية (4 أيلول/ سبتمبر 2018) والذي نفَّذه الطيران الإسرائيلي على ريفيّ حماه وطرطوس، ليس الأوّل ولن يكون الأخير، ولكنّه يختلف عمّا سبقه من حيث محور الطيران وخطّ الرمي والأهداف التي أرادت إسرائيل تحقيقها من هذا العدوان.
محور الطيران وخطّ الرمي والأهداف المُنتقاة:
بعد التواجد الروسي في سوريا، كانت هذه هي المرّة الأولى التي يسلك فيها الطيران الإسرائيلي محور الطيران هذا، ليحلّق فوق البحر الأبيض المتوسّط غربيّ العاصمة اللبنانية، ويلتفّ شرقاً لينفّذ اعتداءه من فوق سلسلة جبال لبنان الشرقية العالية، الّتي أمّنت له غطاءً حجبه عن الرادارات السورية. المُلفت هنا أنّ الطيران الإسرائيلي كان بإمكانه أن ينفّذ عدوانه على نفس المناطق من المحور الجنوبي الغربي أو الجنوبي الشرقي، كما كان يحدث في المرّات السابقة، ولكنّ إسرائيل اختارت هذه المرّة أن يكون مسار الصواريخ قريباً من أماكن تواجد القوّات الروسية في طرطوس وحميميم. بمعنى آخر، كان بإمكان إسرائيل ولكي توصِل رسالة مُعيّنة، أن تنفّذ عدوانها على مناطق بعيدة عن تواجد القوّات الروسية.
الأهداف المرجوَّة من هذا العدوان:
بات من المعروف أنّ كلّ عدوان إسرائيلي على سوريا يكون بالتنسيق، وربما بأمرٍ من الولايات المتحدة الأميركية، وبالتالي فإنّ وصول طائرات إسرائيلية إلى سلسلة جبال لبنان الشرقية وإطلاقها عدّة صواريخ باتجاه الشمال والشمال الشرقي، أي باتجاه منطقة طرطوس، سيوحي للرادارات الروسية للوهلة الأولى بأن هذه الصواريخ ربما تستهدف مطار حميميم، أو القاعدة الروسية في طرطوس، ما يجرّ الروس إلى مواجهةٍ محدودةٍ مع إسرائيل، تكشف روسيا من خلالها آلية عمل منظومة “S400” أمام الخبراء الأميركيين، في الوقت الذي يخطّط فيه الأميركيون لعدوانٍ على سوريا. وفي نفس الوقت تكون أميركا قد استطاعت أمام الإعلام العالمي، أن تقلّل من القدرات العسكرية الروسية، ومن هذا الحشد العسكري الكبير الذي أتى ليُحارب حلفاً كاملاً، عندما تتحدّث عن “اشتباك” دار بين روسيا وإسرائيل.
من وجهة نظر أخرى، فإنّ التكتيك الجديد للطيران الإسرائيلي في التخفّي وراء الجبال، واختيار خط رمي يؤمّن لصواريخه مساراً قصيراً نسبياً نحو أهدافها، سوف يحرم الدفاعات الجوية السورية من الزمن اللازم للتعامُل معها بواسطة منظومة “S200” أو “بانتسير”، وسيرغم عندها الجيش السوري على كشف دفاعاته الجوية الحديثة التي ماتزال مجهولة من حيث التموضع والنوعية. وهنا يُحسَب للجيش السوري تمكّنه من إسقاط معظم الصواريخ الإسرائيلية بالمُضّادات التقليدية.
لماذا لم يردّ الروس ولا السوريون على هذا العدوان؟
بالنسبة إلى الروس فإسرائيل ليست عدوّاً، ومعركتهم ليست معها طالما أن قواعدهم العسكرية لم تتعرَّض لخطر. وردّهم سيكون في مكانٍ آخر، بالإضافة إلى تزويد الجيش السوري بما يلزم من أسلحةٍ ومعلوماتٍ للتصدّي لمثل هذه الاعتداءات. أمّا الجيش السوري فيعتبر نفسه ضمن محور يقابله محور آخر رأسه في واشنطن وذيله في إدلب. والضربة التي ستكون في إدلب سيمتدّ أثرها إلى كامل مفاصل المحور المُعادي وصولاً إلى واشنطن. وهنا لن تسمح القيادة السورية لهذا المحور بأن يؤخّر معركة تحرير إدلب من خلال تهديدٍ بعدوانٍ أميركي هنا، أو باعتداءٍ إسرائيلي هناك.
الميادين