“التربية” تستعد للعام الدراسي بلا مقاعد وبلا مياه أو كوادر كافية… والمسؤولون ليس معنا عصا سحرية!!
مع بداية العام الدراسي بدأت مشكلات مدارسنا ونواقصها تظهر بصورة جلية، فلم تتمكن الجهات المعنية من حلّها خلال فترة الصيف، ربما بسبب تقصير ما وربما بسبب الظروف…
النتيجة التي نشهدها اليوم هي: طلاب يستقبلون عامهم الدراسي بتجهيزات مدرسية غير كافية وصفوف مكتظة وكتب ناقصة… الملامة الأولى حمّلها المعنيون للحرب، وهم أنفسهم الذي وجهوا سابقا لمحاسبة الطالب على عدم التقيد بهندامه المدرسي الكامل لأن الحرب انتهت، فهل انتهت أمام واجبات الطالب وأهله، بينما لاتزال مستمرة أمام نواقصهم؟
تضاربت التبريرات!
تداولت مواقع التواصل الاجتماعي مؤخراً صوراً لطلاب يتلقون دروسهم وهم جالسين على الأرض في أحد الصفوف، الصورة التي أحدثت ضجة إعلامية كانت مبررة عند المعنيين، حيث قال مدير تربية ريف دمشق ماهر فرج، في تصريح لـ «لأيام»: الصورة كانت خلال عملية نقل للمقاعد بين مدرستين لتتناسب المقاعد مع حجم الطلاب حسب مرحلتهم العمرية، وهذا لم يستمر إلا لساعات، ولا تعني على الإطلاق وجود صفوف بلا مقاعد بهذا الشكل، فليس لدينا أي طالب يجلس على الأرض.
في الوقت نفسه أكد عبدالله الزوري عضو المكتب التنفيذي في محافظة القنيطرة والمسؤول عن قطاع التربية أن هناك مبالغة في الحديث عن نقص حاد في المقاعد، لافتاً إلى أنه يوجد نقص ولكنه بسيط ولا يستوجب الشكوى، وما تناقلته وسائل التواصل الاجتماعي من صور عن طلاب يجلسون على الأرض كانت في مدرسة
من مدارس المناطق المحررة حديثا من القنيطرة، ولم تكن المقاعد قد وصلت، لكنها وصلت فيما بعد، أي أن الصورة أُخذت في الوقت القصير الذي لم تكن المقاعد موجودة فيه، وهذا تهويل كبير، لأن المقاعد لم تلبث أن وصلت، مشيراً إلى أن المعلمة التي التقطت الصورة اعتذرت وأكدت أنها لم تقصد بها أبداً ما تم فهمه بشكل خاطئ.
20 ألف مقعد حاجة ريف دمشق
في الوقت نفسه لم ينكر المسؤولون في «التربية» وجود مشكلة حقيقية في توفير المقاعد، حيث قال مدير تربية ريف دمشق: بعد تحرير قرى وبلدات ريف دمشق، افتتحنا العديد من المدارس هناك من جديد، وكان التخريب قد طال مدارسنا سواء بأبنيتها أو خسارة جزء كبير من أثاثها لاسيما المقاعد التي يستخدمها أطفالنا، ونحن اليوم بحاجه لتأمين عدد كبير من المقاعد.
ويوضح: حاولنا خلال العطلة تأمين قسم منها سواء عبر التسويات بين المدارس أو تصنيع مقاعد جديدة في ثانوياتنا الصناعية، حيث زودنا خلال العطلة المدارس بما يزيد عن 2000 مقعد، وسيتم تزويدنا حتى نهاية الشهر الجاري بـ 1450 مقعدا آخر، رغم ذلك هذا لن يكون حلا كاملا حسب فرج، حيث أكد أن مدارس المحافظة تحتاج إلى 20 ألف مقعد لتغطية الحاجة الكاملة لاسيما إذا تم التخلص من نظام «الدوامين»، ويؤكد فرج أن الوزارة زودت المديريات بالمقاعد تباعاً، ذلك بالتنسيق مع بعض المنظمات الدولية.
وهنا يشير مدير التربية إلى ضرورة نشر ثقافة الحفاظ على الأثاث المدرسي بالتعاون مع الأهالي ومن ضمنه المقاعد، فثقافة الحفاظ على الممتلكات العامة ضعيفة، ودعا، عبر «الأيام»، الأهالي للتعاون مع المدارس من أجل تحقيق المدرسة المجتمعية، وتحسين جودة التعليم.
وحول نفس الموضوع يقول الزوري إن محافظة القنيطرة حصلت على موافقة وزير التربية لتزويد المدارس في القنيطرة بـ 2000 مقعد خلال عشرة أيام القادمة،
وعندما يعود الأهالي إلى منطقة ما، نسعى إلى تشغيل المدارس بأقصى سرعة وبالإمكانيات البسيطة المتوفرة، وليست مشكلة أن يجلس 3 أو 4 طلاب في مقعد واحد ريثما تصل بقية المقاعد.
الواضح أنه لا يوجد حلّ جذري قريب لتأمين العدد الكافي من المقاعد، والحلول الإسعافية في المدارس المحتاجة للمقاعد، تغطي الحد الأدنى من هذه الحاجة بينما لا تحل المشكلة.
المستودع خالٍ
علمت «الأيام» من مصادر مطلعة أن مستودع ريف دمشق للوازم المدرسية خال من أي مستلزمات، في الوقت الحالي فلا يوجد فيه أي مقاعد أو أثاث، حيث يتم مخاطبة الوزارة باحتياجاته بشكل يومي لتستجيب أحيانا قليلة، علماً أن المدارس تتقدم بطلباتها إليه بشكل يومي خاصةً بطلب المقاعد، فأقل مدرسة تطلب من 100 إلى 200 مقعد، ومجمع دوما التربوي وحده، على سبيل المثال، طلب 3 آلاف مقعد، إضافة إلى طلبات تتعلق بالمكاتب والكراسي والخزن وغيرها، وهي جميعها غير متوفرة، لأن كل ما كان موجودا في المستودع تم توزيعه على المدارس في الريف خلال فترة الصيف حتى بات اليوم خالياً.
وتعليقاً على خلو المستودع يقول مدير التربية، إن وزارة التربية ترفد المديريات بمستلزمات العملية التربوية، ونحن بدورنا خلال فترة الصيف زودنا مدارسنا باحتياجاتها لجهة الأثاث والمقاعد والمدافئ بالمتوفر من المواد في مستودعاتنا، ومن الطبيعي أن نقول إن مستودعاتنا شارفت على الانتهاء لأننا نزود المدارس بالمواد التي تصلنا تباعاً.
لا مياه في مدارس القنيطرة
مشكلة أخرى يعيشها الطلاب خاصة في المناطق المحررة حديثا في ريف دمشق والقنيطرة، حيث لا تتوفر المياه في تلك المدارس على الإطلاق حسب تأكيد العديد من الطلاب، سواء مياه الشرب أو حتى المياه في دورات المياه، وهذا أمر لا يمكن
السكوت عنه لما يسببه من أذى صحي ونفسي على الطلاب، وهنا أكّد عضو المكتب التنفيذي أن هناك توجه من مؤسسة المياه في المناطق المحررة لتجهيز الآبار وإعادة تأهيل الشبكة، وكحلّ إسعافي وجهت مديرية تربية القنيطرة مدارسها بتأمين المياه في حال لم تصل المياه عبر الشبكات، وذلك بالتعاقد مع صهاريج خاصة لإيصال المياه إلى المدارس على أن تدفع المديرية الفواتير، ذلك لأن مديرية التربية، حسب الزوري، لا تقبل أن يبقى الطلاب بلا مياه.
كوات البيع الإفرادي تتصدر
وبالنسبة لموضوع الكتاب المدرسي وتوفره فهي مشكلة لم تقتصر فقط على المحافظات المحررة، بل هي مشكلة عامة تعاني منها أغلب المحافظات، حيث تشهد كوات بيع الكتب الإفرادي ازدحاماً كبيراً، نظرا لعدم توفر الكتب في المدارس بشكل كامل، وللوقوف على السبب أوضح زهير سليمان مدير مؤسسة المطبوعات، أن كافة الكتب متوفرة في مستودعات المؤسسة الفرعية، مؤكداً أنه لو كان هناك مشكلة في إيصال الكتب إلى الطالب فهي ليست لها علاقة بمؤسسة المطبوعات أو مستودعاتها.
وعن الازدحام على كوات البيع الإفرادي أكد سليمان، أن من الواضح وجود مشكلة، فالازدحام كبير، وهذه الكوات من المفترض أن تكون مخصصة لمن أضاع كتابه، أو للطلاب الأحرار، وليس لطلاب المدارس، والازدحام عليها غير مبرر.
لافتاً إلى أن آلية إيصال الكتاب إلى الطالب تكون عبر أمناء المكتبات والمدراء، الذين من المفترض أن يؤمّنوا الكتب من المستودعات إلى طلابهم، فيجب أن يصل الكتاب إلى يد الطالب من دون أن يحتاج للذهاب إلى المستودع لشرائه بشكل مباشر.
من جانب آخر أكد مدير المؤسسة أن الخطة الطباعية نُفذت بالكامل، ووزعت الكتب على المناطق الساخنة والآمنة على حد سواء. والخطة مدروسة بالرقم وتراعي نسب النمو والتدفق الديموغرافي لذا لا مجال للخطأ، لافتاً إلى أن الكتب توزع على
المناطق الساخنة عن طريق «اليونيسيف»، والأهالي، والكوادر التعليمية الموجودة هناك.
وأوضح سليمان أن المؤسسة طبعت هذا العام 75 مليون كتاب مدرسي مع بدائلها بزيادة 10 مليون عن العام الماضي، حيث تمت إضافة العديد من العناوين على الخطة الدرسية مما تطلب طباعة 17 مليون كتاب إضافي، لافتاً إلى أن السنوات التي ترافق تطوير المناهج، تحتاج إلى وقت أطول ليتم الانتهاء من طباعة جميع الكتب، فالكتب المستقرة تُطبع باكرا وهي مطبوعة هذا العام منذ الشهر الثاني الماضي، والعام القادم ستستكمل الكتب المطورة مراحلها الثلاثة، ما يسهم باستقرار المنهاج بشكل نسبي وبالتالي طباعة الكتب بوقت مبكر.
وحول تزود المناطق المحررة بالكتاب المدرسي والمشكلات التي تعاني منها المدارس هناك، يقول ماهر فرج: «خلال العطلة الصيفية تم تزويد معظم المدارس بالكتب المدرسية موضحا، أن المدارس التي كانت ضمن الخدمة خلال العام الماضي، كان تأمين الكتاب فيها سهلا، لأن أعداد الطلاب محصورة وهناك إمكانية لإحصائها أما ما يحدث فهو أن هناك مدارس تفتتح تباعا مع عودة الأهالي إلى المناطق، وحتى يتم تأمين الكتب المدرسية لتلك المدارس، يجب إحصاء عدد الطلاب والقيام بالإجراءات اللازمة لوصول الكتب وهو ما يحتاج إلى عدة أيام.
نقص كوادر
المدارس التي تستقبل الطلاب المهجرين لها النصيب الأكبر من الازدحام والضغط، وتعاني بشكل أساسي من نقص الكوادر التعليمية والإدارية، إضافة إلى الأعداد الكبيرة للطلاب ضمن الشعبة الواحدة، تقول جهينة نصر الله نائبة مديرة إحدى مدارس جرمانا، إن أعداد الطلاب في جرمانا لاتزال كبيرة جدا رغم عودة بعض الطلاب إلى الغوطة الشرقية، إلا أنه يوجد طلاب جدد من مناطق سورية الشمالية ، وتقول على سبيل المثال في مدرستها تم إحداث 8 شعب لصف الأول الابتدائي فقط، وفي كل شعبة 62 طالبا، وهذا عدد كبير يؤثر على سير العملية التربوية، مشيرة إلى أن إعادة المدرسين المثبتين إلى قراهم وبلداتهم المحررة في الغوطة الشرقية
واستبدالهم بمكلفين ليس لديهم خبرة، أثّر أيضا على سير العملية التربوية وخاصة في ظل الضغط الهائل من حيث عدد الطلاب.
من جهة أخرى تؤكد نصرالله أن أعداد الإداريين في المدارس لا يتناسب مع أعداد الطلاب فعندما تكون معاونة مديرة، على سبيل المثال، مسؤولة عن 24 شعبة وحدها، سيكون هذا ضغط كبير يؤثر على سير العمل، إضافة إلى وجود مرشدة نفسية واحدة على سبيل المثال مسؤولة عن 52 شعبة فماذا يمكنها أن تفعل مع هذا العدد الضخم.
طلاب الفئة ب
مشكلة أخرى تشير إليها معاونة المديرة هي طلاب الفئة (ب) الذين يتسببون بضغط كبير في المدارس المكتظة أصلا، حيث يحتاج هؤلاء الطلاب إلى عناية خاصة نظرا لتفاوت أعمارهم وأوضاعهم الاجتماعية والنفسية الخاصة، فلابد أن تخصص مدارس لطلاب الفئة ب، بدلا من وجودهم في المدارس النظامية حسب رأي نصرالله.
ومن جهتها تقول رانيا محمد مدرّسة في تجمع «جديدة عرطوز الفضل» التربوي للنازحين، إن أعداد الطلاب كبير جداً في المجمع ويتراوح بين 45 – 52 طالبا في الشعبة الواحدة، وهناك طلاب الفئة الإعدادية يجلسون على الأرض لعدم وجود مقاعد.
210 مدارس خارج الخدمة في الريف
إعادة الإعمار وتأهيل البنى التحتية، تشمل المدارس بشكل أساسي، ويقول مدير تربية الريف أن هناك خطة متكاملة وجهود حكومية للاستجابة لما تحتاجه منشآتنا، وإعادة إعمارها ضمن الإمكانيات المتوفرة والحاجة المطلوبة، لافتاً إلى أن إقبال المواطنين على العودة إلى قراهم التي تحررت، تفرض إعادة تأهيل المدارس في تلك المناطق بالسرعة القصوى، مؤكداً أنه لا يوجد اليوم قرية أو بلدة عاد فيها الأهالي وبقي طالب واحد خارج المدرسة.
مؤكداً أنه في ريف دمشق 106 مدارس خارجة عن الخدمة وتحتاج إعادة إعمار بالكامل و104 مدارس أخرى متضررة بشكل جزئي تم صيانة جزء منها، ويتم العمل على إعادة تأهيلها، وتقوم المديرية حاليا بإعداد كشوف لوضع خطة صيانة كاملة.
مليار و200 مليون ل.س حاجة القنيطرة
وعن القنيطرة يقول الزوري أن هناك 72 مدرسة تحتاج إلى إعادة تأهيل، وتكلفة عملية تأهيل جميع مدارس القنيطرة تصل إلى مليار و200 مليون ليرة سورية، صرف منها 100 مليون في خطة إسعافية تم خلالها إصلاح بعض المدارس «أبواب، نوافذ، دورات مياه، سبّورات» وسيتم متابعة إعادة الإعمار والتأهيل خلال الفترة القادمة، مؤكداً أن القطاع كبير ويتم تأهيل المدارس تباعا ولا يوجد عصا سحرية لحل كل المشاكل بلحظة.
جيل المستقبل
إعادة تأهيل البنية التحية وخاصة المدارس يجب أن تكون أولوية في خطط حكومية قريبة المدى، فترك المدارس من دون تجهيزات أو كوادر مناسبة، سيؤثر من دون أدنى شك على العملية التعليمة، وبالتالي على جيل كامل سيحمل مستقبل سورية بعد سنوات.
جريدة الأيام