«شيفرة» الجمهورية العربية السورية ومفاتيح المؤامرة!
رفعت البدوي
مع بدء تنفيذ المؤامرة الكونية على سورية، وتحويلها إلى حرب قذرة لم تشهد منطقتنا العربية في تاريخها مثيلاً لها، ساد نوع من الضبابية وعدم وضوح في الرؤى لما ستؤول إليه الأمور، ليس بالنسبة إلى سورية وحسب إنما للمنطقة العربية برمتها.
فهناك دول عربية وغربية وأنظمة وأحزاب وشخصيات، قطعت الشك باليقين بأن النظام في سورية لا يملك مقومات الصمود لمواجهة تلك المؤامرة الكونية المتسترة تحت عناوين شتى، وأن النظام أضحى قريباً من التفكك والتحلل، الأمر الذي يمكّن تنظيم «الإخوان المسلمين» من السيطرة على الحكم في سورية، مستفيداً من صعود دور تنظيم «الإخوان المسلمين» في المنطقة وفق خطة مدروسة، بدءاً من مصر وتونس وليبيا وتركيا، وبذلك تختفي حينها آخر قلعة من قلاع الصمود بوجه العدو الإسرائيلي، وتتحلل معها كل أشكال المقاومة ضد العدو الإسرائيلي، وضد مصالح الإدارة العميقة في أميركا، لتبدأ سورية والمنطقة مرحلة جديدة من نهب الثروات العربية، والاستسلام والخنوع لمصالح الغرب المناهض للحقوق العربية الذي يريد تدمير آمال ومصالح وتقدم الأجيال العربية.
لكن قيادة الجمهورية العربية السورية كان لها كلام آخر، كلام نابع من الإيمان بإرث وجذور الرئيس الراحل حافظ الأسد، الذي استمسك بها الرئيس بشار الأسد، جاعلاً من سورية تمتلك رموز «الشيفرة» العصية على التفكك، بل القادرة على تحطيم جرافة المؤامرة التي أرادت اقتلاع سورية العروبة من جذورها.
مع اقتراب اكتمال العام السابع من عمر المؤامرة على سورية، نرى الكثير من مراكز التحليل والدراسات المكونة من دوائر خفية ومطابخ وغرف سوداء تجمعت فيها كل صنوف أجهزة الاستخبارات العالمية وكتبة التقارير من كل أصقاع الدنيا بالإضافة للآلة الإعلامية الضخمة المفبركة للأخبار، الذين شاركوا في وضع إستراتيجية المؤامرة على سورية، وقفوا جميعاً بعد تلك السنين عاجزين عن فك شيفرة الصمود السوري الأسطوري.
ورغم المآسي التي حلت، فإن الجمهورية العربية السورية لم تتوقف يوماً عن تطوير الخطاب السياسي والدبلوماسي التثقيفي الهادف إلى تعزيز مفهوم التمسك بالمبادئ والسيادة بما يتناسب وتعزيز أدوات الصمود السوري، وصولاً إلى خطاب قيادي يمتلك الرؤية الواضحة لمآل المستقبل السوري.
من راقب مضمون خطاب القيادة السورية مع بدايات الأزمة، ومضمون الخطاب الحالي لها، خصوصاً مع اقتراب الإعلان عن هزيمة المشروع التآمري وفشل أهدافه بعد تلك السنوات العجاف، يكتشف أن القيادة السورية انتصرت لإرادة الشعب في الحفاظ على سيادة الدولة وعلى حرية القرار فيها، بما يضمن سلامة وحماية جذور الجمهورية العربية السورية الضاربة بالأرض، ووحدة أرضها ومكوناتها من أي جرافات أو مؤامرات تم توظيفها للنيل من الهوية الوطنية.
ولفهم طبيعة المرحلة لا يسعنا إلا العودة إلى مضمون خطاب الرئيس الأسد، في افتتاح مؤتمر وزارة الخارجية والمغتربين في 2 آب الماضي بدمشق، حيث بدأ الرئيس الأسد شارحاً كيفية إدارة الأمور في الغرب، مفصلاً نظرية شمولية الغرب الذي ينضوي تحته دول وأدوات، وأن مفهوم «الغرب» في معناه يمكن إطلاقه على دول لا دخل لها بالغرب، إلا أنها تأتمر بإمرة الغرب لتنفيذ مشروعه وأجندته ضد دول ذات سيادة تناهض المشروع الغربي الإسرائيلي المراد لمنطقتنا العربية، مثل سورية التي قاومت وما تزال تعمل على إفشال أهداف المشروع الغربي، مضيفاً: إن الغرب عبارة عن مجموعة مصالح لشركات نفط وغاز وتصنيع أسلحة لا يهمها احترام الإنسانية، متجاوزة القرارات والقوانين الدولية في سبيل ضرب كل من يناهض الاملاءات الغربية، ولو أدى ذلك لإزهاق أرواح الملايين من البشر، وهذا ما يحصل في سورية وفي منطقتنا العربية.
الرئيس الأسد وصّف في خطابه الفرق بين النظام والإدارة، وأعطى مثالاً على ذلك النظام الأميركي حيث الكلمة الفصل هي للإدارة العميقة الآنفة الذكر، فتعطي لإدارة الرئيس الأميركي هامشاً للتحرك ضمن إطار مصلحة الإدارة العميقة، أما إدارة الرئيس فتعطي بدورها هامشاً ضيقاً للحلفاء، مضيفاً إن النظام في أميركا لا يريد تطبيق مبدأ الشراكة بل يسعى إلى مبدأ «السلبطة» والهيمنة على الحلفاء.
وفي النظام العالمي، أظهر الرئيس الأسد حقيقة الصراع بين دول تريد احترام الإنسانية وتلتزم بالقرارات الدولية، وبين النظام الأميركي الغربي الذي يريد الإطاحة بكل المعايير بهدف السيطرة والهيمنة على الاقتصاد والسياسة في العالم، من دون أي حساب أو احترام للشعوب وسيادة الدول والحكومات.
لم يتطرق الرئيس الأسد إلى البحث عن الدور العربي في المعادلة الدولية، معللاً ذلك بأن الوزن العربي في تلك المعادلة يساوي صفراً ولا وجود له.
في السياسة والاقتصاد، أعلن الرئيس الأسد نيته التوجه شرقاً، حيث لا توجد إملاءات وهناك تبادل رؤى مشتركة، إضافة إلى احترام كامل للسيادة السورية ولهويتها العربية ولوحدة أرضها ولقرارها الحر، ولرؤية الجمهورية العربية السورية المنطلقة من الحرص عل مصالحها الضامنة لمقومات صمودها في مواجهة ما يخطط لسورية ولمنطقتنا العربية.
تعمّدت العودة إلى مضمون خطاب الرئيس الأسد في مؤتمر وزارة الخارجية والمغتربين، نظراً لما تضمنه من رؤية قيادية إستراتيجية واضحة تقودنا نحو مستقبل واعد، إضافة إلى إمكانية سورية هائلة في فك شيفرات عدة، على حين يقف الغرب والعملاء، من عرب وغير عرب، عاجزين عن فك رموز الشيفرة السورية، وسبب الجهل في معرفة رموز الشيفرة السورية، هو الجهل في كيفية امتلاك العملاء مبدأ السيادة والكرامة والهوية الوطنية، وعدم الإمكانية في امتلاك القرار الحر، وتفضيلهم البقاء في خانة الأدوات المرتهنة.
مؤخراً طرحت ما سمي اللجنة المصغرة بشأن مستقبل سورية، المؤلفة من أميركا وفرنسا وبريطانيا إضافة إلى السعودية والأردن، تصوراً بشأن مستقبل الحكم في سورية رافعين راية قرار الأمم المتحدة رقم 2254 الذي أقر في جنيف.
فبعد تأكدهم من إخفاق أهداف المؤامرة على سورية واقترابها من إسدال الستار على آخر فصولها، طرحت اللجنة المصغرة شروطاً وعناوين لطمأنة خصوم دمشق بوجوب حصول إصلاحات سورية دستورية، وانتخابات بإشراف الأمم المتحدة. كما أقرت الوثيقة بوضع تصوّر لإجراء إصلاحات دستورية، انطلاقا من تعديل صلاحيات الرئيس وذلك «لتحقيق توازن أكبر بين السلطات، وضمان استقلال مؤسسات الحكومة المركزيّة». وهنا نلحظ التركيز على دور رئيس الوزراء وتحديد أدوار الحكومة بعيداً عن موافقة الرئيس، أي إن الهدف التآمري هو تغيير وإلغاء جوهر النظام الرئاسي الذي تعتمده دمشق، وإعادة تموضع للخريطة السياسية في النظام التي قد يتبعها توزيع طوائفي، ما يسمح بتكرار تجربة لبنان والعراق الفاشلة في نظامهما الطائفي المذهبي.
نقول كلمة حق للتاريخ، لقد ثبت أن دستور النظام في الجمهورية العربية السورية هو أفضل دستور بين أنظمة المنطقة برمتها، لأنه دستور جامع لا يعترف بالطائفية ولا بالمذهبية، وهو أقرب ما يكون إلى العلمانية، ضامن لكل مكونات الشعب السوري، عماده مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص بين كل أبناء سورية، والدستور السوري لفظ كل المحاصصات الدينية أو الطائفية في الدولة، وهذا الأمر منح سورية وشعبها وجيشها حصانة منيعة، وجعل من سورية محصنة بشيفرة السيادة والكرامة الوطنية، ولن يكون بمقدور أي كان فك رموز شيفرة نظام ودستور الجمهورية العربية السورية أو اختراقه أو تعديله بما لا يتناسب والحفاظ على الإرث والتمسك بالجذور السورية العربية الأصيلة.
إن ما عجز الغرب وحلفاؤه، من عرب وإسرائيل، عن تحقيقه عندما كانت سورية في ضعفها ترزح تحت وطأة المؤامرة، لن يكون مسموحاً تحقيقه مع سورية القوية التي تفخر بدستورها.
الوطن