السبت , نوفمبر 23 2024

Warning: Attempt to read property "post_excerpt" on null in /home/dh_xdzg8k/shaamtimes.net/wp-content/themes/sahifa/framework/parts/post-head.php on line 73

هل أجهضت تركيا معركة تحرير إدلب؟

هل أجهضت تركيا معركة تحرير إدلب؟

عمر معربوني

لا يمكن لأحد أن يُنكر أنّ الأتراك جمّدوا في الحد الأدنى انطلاق المعركة وباشروا بمناورات سياسية في اتجاهات مختلفة، تبدأ بابتزاز روسيا وإيران وتصل حدود ابتزاز الأوروبيين ضمن حملة ترهيب من نتائج المعركة التي ستكون نتائجها كارثيّة على أوروبا بحسب التصريحات التركية، وهو أمر يُلاقي صدى كبيراً في أوروبا بالنظر إلى ما يمكن أن تمثّله هجرة عشوائية كبيرة نحو أوروبا بغضّ نظر تركي إن لم نقل بتنظيم تركي.

أكثر من أيّ طرف آخر من أطراف الهجمةِ على سوريا يدرك الأتراك أهمية تحقيق انتصارات عسكرية على الجماعات الإرهابية وانعكاس هذه الانتصارات على الجانب الجيوسياسي، وذلك بالنظر والرجوع إلى نتائج تحرير الأحياء الشرقية في مدينة حلب حيث كانت تركيا فعلياً هي الخاسِر الأكبر، وحيث تم جرها حينها إلى أستانة بعد أقل من شهرٍ من تحرير الأحياء الشرقية، ففي أواخر شهر كانون الأول/ديسمبر من عام 2016 كانت المجموعة الأخيرة من الجماعات الإرهابية تغادر حلب، لنكون في أواخر شهر كانون الثاني/يناير من عام 2017 أمام لحظة تحوُّل سياسي هامّة، هي مشاركة تركيا كدولة ضامِنة مع روسيا وإيران لاتفاقية كان أهم ما فيها من بنودٍ هو تكليف تركيا بمهمة فصل الجماعات الإرهابية عن تلك المُسمّاة بـ “المُعتدلة”، ومع مرور 17 شهراً على اللقاء الأول في أستانة لم يتحقّق هذا التكليف أبداً ولن يتحقّق برأيي طالما أنّ الأتراك يرون في هذه الجماعات الأدوات التي تحقّق لهم مصالحهم التي لم تتحقَّق، وهي مصالح مُتعدِّدة تبدأ بالحُلم التركي التاريخي بفرض السيطرة على الشمال السوري في شقّيه الشرقي والغربي، بما فيه مدن حلب وإدلب والحسكة وهو أمر تسعى تركيا إلى تحقيقه عبر عمليات مناورة وخِداع مستمرّة، وتحاول عبر روسيا وإيران الحصول عليه، وهو أمر لا تمتلكه روسيا ولا إيران لارتباطه بسيادة الدولة السورية ووحدة أراضيها، وهو كلام جاء على لسان أردوغان في القمة الثلاثية الأخيرة في سياق كلامه، لكنه يبقى كلاماً في الشكل لا يعبر عن حقيقة الرغبة التركيةِ بضمِّ أراضي الشمال السوري بالتدريج عبر الحصول على وصاية مؤقتة على “المنطقة العازِلة”، بحجّة التهديدات المُرتبطة بالأمن القومي التركي، ومن ثم العمل على رعايةِ تحرّكاتٍ تطالب مُستقبلاً بضمّ هذه المناطق إلى تركيا.

وعلى الرغم من معارضة روسيا وإيران لرغبة تركيا تأجيل معركة إدلب وفي حين أن كلاً من الرئيسين الروسي والإيراني أشارا وطالبا بوضوح ضرورة خروج القوات الأميركية وإنهاء احتلالها لأجزاء من الأراضي السورية، لم يُسمِّ أيّ منهما الوجود العسكري التركي في الأراضي السورية احتلالاً، وهو أمر مفهوم ضمن اللياقات الدبلوماسية بين دول تُعتبر ضامِنة وشريكة لاتفاقات ترعى تطبيقها ترتبط بلقاءات أستانة العديدة، حيث تتملَّص تركيا منذ اللقاء الأول في أواخر كانون الثاني/يناير من عام 2017 من الوفاء بتعهّداتها المُرتبطة بفصل الجماعات الإرهابية، لا بل تسعى أكثر من أيّ وقت مضى للاستفادة من مناورة الوقت لإعادة تنظيم هذه الجماعات، والاستثمار فيها حتى اللحظة الأخيرة لتحقيق الأهداف التركية أو جزء منها في الحد الأدنى.

لا يمكن لأحد أن يُنكر أنّ الأتراك جمّدوا في الحد الأدنى انطلاق المعركة وباشروا بمناورات سياسية في اتجاهات مختلفة، تبدأ بابتزاز روسيا وإيران وتصل حدود ابتزاز الأوروبيين ضمن حملة ترهيب من نتائج المعركة التي ستكون نتائجها كارثيّة على أوروبا بحسب التصريحات التركية، وهو أمر يُلاقي صدى كبيراً في أوروبا بالنظر إلى ما يمكن أن تمثّله هجرة عشوائية كبيرة نحو أوروبا بغضّ نظر تركي إن لم نقل بتنظيم تركي.

بالتوازي مع المناورات التركية لا تزال الولايات المتحدة الأميركية تُصدِر التهديدات بشكلٍ يومي في حال أقدم الجيش العربي السوري مع حلفائه على استخدام أسلحة كيميائية خلال معركة إدلب ضمن سياق مستمر لا تتردّد فرنسا وبريطانيا عن مواكبته بتصريحاتٍ مُشابِهة.

وبالعودة إلى الأهداف الأميركية والغربية والتركية تبدو المناورات التركية والتهديدات الأميركية – الغربية في طرحها للسقف الأعلى نوعاً من استدراج العروض للدخول في مساومات مع روسيا بشكلٍ أساسي، للحصول على الثمن المعقول في ظلِّ ظروف ميدانية لا تزال كل من أميركا وتركيا قادرتين من وجهة نظرهما على تعقيد الوقائع فيها من خلال احتلال الأرض والسيطرة على قرار الجماعات الإرهابية، بما يرتبط بتركيا وبالانفصاليين الكرد بما يرتبط بأميركا أيضاً، فقبل القمّة الثلاثية بيومٍ واحدٍ أقدمت قوّة من “الأسايش” على ارتكاب مجزرة ب 14 عنصراً من الأمن العسكري السوري في إشارة أميركية واضحة إلى قدرة أميركا على تحريك هذه القوى الانفصالية والعودة إلى نغمةِ الاقليمِ الكردي، بعد أن قطعت المباحثات بين مجلس سوريا الديمقراطية والدولة السورية شوطاً لا بأس به في الاتجاهِ الإيجابي.

وفي حين أن تركيا واصلت دعم وتجهيز ما يُسمَّى بـ “الجيش الوطني” ودفع وحداته إلى جبهات القتال مع الجيش العربي السوري، وتزويده بالذخائر والمعدّات، وهو في كل الأحوال أمر لم تتوقَّف تركيا يوماً عن فعله ويُنبىء بالكثير من التعقيدات، وتأمل تركيا من خلاله استدراج الجيش العربي السوري إلى معركةِ استنزافٍ طويلةٍ، لم تقم تركيا كذلك بأيّ إجراءٍ بمواجهةِ “جبهة النصرة” التي صنّفتها تركيا منذ فترةٍ قصيرةٍ باسمها الآخر “هيئة تحرير الشام” كمنظّمةٍ إرهابيةٍ، ولا تزال القوات التركية تتحرّك ضمن سيطرة “جبهة النصرة” من دون أن يحصل أيّ احتكاك، وهو أمر يطرح تساؤلات كبيرة حول جدّية تركيا في تصنيف النصرة”.

ويبقى الأمر المفصلي هو القرار الواضح لدى الدولة السورية التي تعرف قيادتها حق المعرفة طبيعة التناغُم الأميركي – التركي، والإغراء الذي تم تقديمه في الكواليس لأردوغان بتقاسُم السيطرة على المنطقة العازِلة في الشمال السوري، وكذلك في الجنوب السوري لجهة إقامة مناطق عازِلة تحت الوصاية التركية في الشمال، وخالية من أيّ تواجد عسكري فاعِل على الحدود السورية – الأردنية ومع الجولان السوري المحتل.

مقابل هذه الطروحات تمتلك الدولة السورية ما يكفي من قوى ووسائط وخطط لتبديد أحلام أردوغان وذرّها في الهواء، وتحويل الاستقرار الذي تنعم به القوات الأميركية حالياً إلى جحيمٍ من خلال إطلاق المقاومة الشعبية بمواجهة أميركا وتركيا، فالتجربة أثبتت قدرة الدولة السورية وحلفائها على تحويل التهديد إلى فرصةٍ من خلال العمل المُنسَّق على الجبهتين العسكرية والدبلوماسية.

أخيراً: إن إعطاء تركيا فرصة أخيرة لا يعني أن المعركةَ ضدّ الجماعات الإرهابية في الشمال الغربي لسوريا قد توقّفت، فكما تقوم تركيا باستخدام مناورة الوقت التي لن تُجديها نفعاً، تواصل الدولة السورية استعدادتها لخوض المعركة والانتصار فيها وهي رغبة روسية وإيرانية تدرك أميركا بشكلٍ خاصٍ عدم إمكانية فض التحالف الثلاثي السوري – الروسي – الإيراني، بالنظر إلى التجربة الطويلة بين عناصر الحلف وحاجة الدول الثلاث إلى حسمِ المعركةِ كمحطّةٍ أخيرةٍ من محطاتِ الصراع العسكري لتحقيق الهزيمة للإرهاب، مع إدراك الدول الثلاث إن حسم المعركة عسكرياً لن يُنهي الصراع بالكامل ولكنه سيكون تحولاً استراتيجياً سيغير من الخارطة السياسية للعالم وليس للاقليم وسوريا فقط.
الميادين