الإثنين , ديسمبر 23 2024
شام تايمز

Notice: Trying to get property 'post_excerpt' of non-object in /home/shaamtimes/shaamtimes.net/wp-content/themes/sahifa/framework/parts/post-head.php on line 73

اقتصاد ما بعد الحرب لا تبنيه أموال التجارة والخدمات

شام تايمز

اقتصاد ما بعد الحرب لا تبنيه أموال التجارة والخدمات

شام تايمز

تنقسم القطاعات الاقتصادية بشكل عام إلى أربعة أنواع أساسية هي: قطاع الاقتصاد الحقيقي، وقطاع الاقتصاد المالي، وقطاع الاقتصاد الخدمي، وقطاع الاقتصاد التجاري، ولكي يبقى الاقتصاد في حالة توازن لابد من تحقيق التوازن بين تلك القطاعات كلها، إذ يجب ألا يطغى النشاط في قطاع ما على باقي نشاطات القطاعات الأخرى، ويقول المنطق الاقتصادي بأن قطاع الاقتصاد الحقيقي هو القطاع الأساس في التطور الاقتصادي وفي خلق القيم المضافة الحقيقية، فهو يشمل الصناعة التقليدية والمعرفية، والزراعة، والبنية التحتية، والبناء، أي أنه القاعدة والركيزة التي يقوم عليها أي اقتصاد ويعد نقطة التطور له. وبمعنى آخر، فهو القطاع الذي ينتج القيم المضافة الحقيقية.

شام تايمز

وإذا ما أخذنا النتائج الاقتصادية والاجتماعية للحروب بعين الاعتبار، وما تخلّفه من دمار واسع في البنية الاقتصادية، فإنه يمكننا القول إن إعادة بناء القطاع الحقيقي هو الأولوية التي لا بديل عنها أبداً، من أجل إعادة إنتاج ما دمرته الحرب، وإعادة تحفيز النمو الاقتصادي والتنمية الوطنية الشاملة، ويأتي التركيز غالباً في مرحلة ما بعد الحرب على قطاعي الصناعة والزراعة بالدرجة الأولى، ومن ثم دعم قطاعي البنية التحتية والبناء، وعندما تتطور وتنمو هذه القطاعات فإن باقي القطاعات الخدمية ستلحقها تلقائياً.

دمّرت الحرب في سورية البنية الصناعية والبنية التحتية بمختلف أنواعها، وأصبح الاقتصاد السوري بحاجة ماسة إلى إعادة بناء تلك البنية، ومع أفول الحرب وبدء ظهور ملامح التعافي الاقتصادي كان لا بد من رؤوس الأموال الخاصة أن تعيد التركيز على القطاع الحقيقي، وتحديداً قطاع الصناعة، إلا أن الذي حدث هو العكس تماماً، فقد اتجهت رؤوس الأموال الخاصة في معظمها إلى الاستثمارات في القطاعات الخدمية والتجارية بأنواعها المختلفة، كالاستثمار في التجارة الخارجية استيراداً وتصديراً، أو التجارة الداخلية، أو الاستثمار في المولات الضخمة والمطاعم الفاخرة، أو الاستثمار في تجارة السيارات ومشروعات النقل، وغيرها من قطاعات الاقتصاد الخدمي، كما وظف قسم آخر منها في عمليات التهريب والاقتصاد غير المنظم أيضاً.

يبدو من السهل على المستثمرين السوريين الجدد ، أي حديثي الثروة، والسابقين منهم، إعادة ضخ أموالهم في قطاع الخدمات بدلاً من استثمارها في الصناعة والإنتاج، فدورة رأس المال في قطاع الخدمات أسرع، والربح أكبر، والمخاطرة أقل، ومع ظهور فئة من أثرياء الحرب الجدد بثرواتهم مشبوهة المصدر، فقد زادت تلك الظاهرة بشكل كبير، فهؤلاء الأثرياء لا خبرة ولا تاريخ استثماري لهم، وكل ما يريدونه هو تضخيم ثرواتهم الاقتصادية بأسرع طرق ممكنة، وأسرع الطرق الممكنة في ظروف ما بعد الحرب هو قطاع اقتصاد الخدمات، لا قطاع الإنتاج الذي يتطلب خبرة وصبراً في الاستثمار، الأمر الذي يفتقده حديثو الثروة تحديداً.

لقد قلبت الحرب موازين الثروة الاجتماعية في سورية، فالكثير من الصناعيين ورجال الأعمال العريقين في هذا الاقتصاد إما أنهم قد أفلسوا نهائياً، وخسروا ثرواتهم كلها بسبب خسائرهم لمنشآتهم الصناعية بما فيها، وإما أنهم غادروا بثرواتهم خارج الاقتصاد ولم يعودوا، وربما لن يعودوا. في الوقت الذي أفرزت فيه الحرب أثرياء جدد يفتقدون تماماً إلى ثقافة الاستثمار وتنمية الثروة بالإنتاج لا بالريع والعائدات السريعة فقط، أو أنهم يعملون فقط على تكديس الثروة المجمعة لديهم في المصارف من دون إعادة تدويرها، وقد دخل قسم كبير من هؤلاء الأثرياء الجدد في حالة محمومة من الإنفاق التفاخري الاجتماعي، لتحقيق الذات الاقتصادية والفردية، ولإثبات أنهم أثرياء المجتمع وقادته الاقتصاديون، لكنها في حقيقة الأمر هم من المساهمون الجدد في تخريب التنمية الحقيقية وإفسادها، فالثروة التي يبنيها الخراب لن تبني اقتصاداً.

الاقتصاد السوري في أمس الحاجة للاستثمار في قطاع الاقتصاد الحقيقي كي ينهض، وتحديداً الصناعي منه، وهو في أمس الحاجة إلى إعادة إحياء العقل الاستثماري التنموي، سواء عند القطاع الخاص أو عند القطاع العام أيضاً، ولكن بطرق ابتكارية متجددة، فذلك العقل هو الوحيد القادر على انتشال سورية من دوامتها الاقتصادية القادمة، وهو الوحيد القادر على خلق تنمية وطنية شاملة، فلا تنمية مستقبلية من دون تصنيع حقيقي، وبنية تحتية وإنشائية حقيقية، وكل ما تبقى بعد ذلك هو تحصيل حاصل.

إن تحويل كتلة مالية ضخمة من ثروة الاقتصاد المنتجة وإعادة تدويرها في قطاع التجارة والخدمات، هو زيادة لوزن قطاع الخدمات على حساب قطاع الاقتصاد الحقيقي، وهو تضخيم لهذا القطاع، وهذه الحالة لا تحدث إلا حين يكون الاقتصاد الحقيقي قد أشبع تماماً في الاستثمارات، ولم تعد هناك فرص استثمارية جديدة أمام رأس المال الخاص كي يستثمر بها، وبالتالي فإنه يتوجه إلى إعادة تدوير أمواله في قطاعات الخدمات والاستثمارات المالية لا الإنتاجية، أما أن يكون القطاع الحقيقي شرهاً جداً للاستثمارات وله القدرة على امتصاص الكثير منها، ولا تتوجه إليه تلك الاستثمارات فهنا مكمن الخلل الأساسي، والذي سيقود إلى تعميق الأزمات الاقتصادية أكثر في المستقبل، لا بل إنه سيخلق خللاً تنموياً عميقاً جداً.

وتلعب السياسة الاقتصادية الحكومية الدور الأكبر في عملية إعادة إحياء ذلك العقل التنموي، فمصلحة الحكومة لا تقل أهمية عن مصلحة المستثمرين والمواطنين في إعادة ضخ الاستثمارات في القطاع الحقيقي، إذ أن ذلك القطاع يتيح لها عقد شراكات وتحالفات بطرق مختلفة مع القطاع الخاص ذاته، مثلما يتيح لها تحقيق عائدات اقتصادية مستمرة، وثبات في البنية الاقتصادية العامة، واستقرار في النمو الاقتصادي، وقدرة أفضل على توزيع الدخل القومي، وذلك بالطبع ما لا يحققه لها الاستثمار في قطاع الخدمات إلا بشكل مؤقت، وبالتالي فأمام الحكومة فرصة تنموية جديدة مثلما يقع على مسؤوليتها إدارة تلك الفرصة.

السوريون اليوم بعد الحرب بحاجة إلى اقتصاد متين، وتلك المتانة لا تؤسس لها المولات والفنادق والمطاعم والتجارة الخارجية والداخلية وتجارة السيارات وتجميعها والتهريب عبر الحدود، فتلك المتانة لا يؤسس لها إلا قطاع إنتاجي/صناعي متين.

أيهم أسد- الأيام السورية

شام تايمز
شام تايمز