إدلب آخر معارك الغرب في سورية وبداية أزماته
محمد نادر العمري
يبدو أن شكل الصراع في سورية بدأ يسير باتجاه تصعيدي أكثر في الآونة الأخيرة، نتيجة وصول هذه الحرب إلى الربع الأخير من توقيتها، وهذا تجلى مؤخراً مع التحضيرات العسكرية للجيش السوري تمهيداً لتحرير مدينة إدلب وما رافق ذلك من حمى اللقاءات الدبلوماسية والتصعيد الإعلامي والسياسي بالتهديد بالقوة واللجوء لاستخدامها في المرحلة المقبلة لمنع انهيار أجندات الدول الغربية في سورية، فضلاً عن الكباش الدبلوماسي الذي حصل على مستويين:
– الأول: على الصعيد الدولي والعالمي داخل أروقة مجلس الأمن كتعبير عن تعقيد طبيعة الصراع القائم في سورية وتأثيره في طبيعة النظام الدولي وموازين القوة والنفوذ، «فالإصرار الأميركي بمنع الجيش السوري من تحرير إدلب» وفق ما صرحت به مندوبة واشنطن في مجلس الأمن نيكي هالي، وعودة واشنطن لمحاولة فرض الوصاية على سورية عبر الأمم المتحدة والتدخل في شؤونها الداخلية في تحديد الأصدقاء والأعداء والتمهيد لتجريدها من السلاح كلياً وفق ما تضمنته ما سمي «المبادئ العامة» للمجموعة المصغرة حول سورية هي خير دليل على طبيعة هذا الصراع النفوذي.
– الثاني: على النطاق الإقليمي والمتمثل بالخلاف الناشب بين قادة الدول الضامنة لمحادثات أستانا، التي لم تستطع العبارات الدبلوماسية احتواء الخلاف الذي نشب بين الرئيسين الروسي والتركي كتعبير عن صراع التجاذب في المصالح والاستقطاب للرؤى المتصارعة للنظام الإقليمي ومستقبله من حيث الإدارة والأدوار والعلاقة.
هذا الصراع الدائر اليوم الذي يتم من خلاله توظيف شعارات من الدول الغربية مثل الكارثة الإنسانية الكبرى التي قد تشهدها إدلب، وتضخيم عدد المواطنين فيها لنحو 3 ملايين شخص، هي ليست سوى ذرائع تخفي في طياتها حقيقة مفادها أن الدول المتدخلة في الصراع على سورية تسعى للحفاظ على نفوذها ودورها وتأثيرها في المشهد السياسي والاقتصادي مستقبلاً، لمرحلة ما بعد إدلب.
فأوروبا العاجزة عن خلق مسار سياسي مستقل عن التبعية الأميركية رغم السلوك العنجهي لرئيس الولايات المتحدة الأميركية دونالد ترامب تجاه دول القارة العجوز، تريد إيجاد حاضنة جغرافية لتوطين الإرهابيين في الشمال السوري، لتتفادى بذلك خطر عودة هؤلاء إلى بلادهم وتعريض أمنها القومي للخطر من جانب، ومن جانب آخر فإن أوروبا تبحث عن دور اقتصادي لها وبخاصة فرنسا وألمانيا وبريطانيا في المنظومة الإقليمية للشرق الأوسط انطلاقاً من الجغرافية السورية، أما الجانب الثالث فإن أوروبا وبخاصة ألمانيا التي زجت بنفسها للمرة الأولى منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، في واجهة الصراع مع روسيا فيما يتعلق بالملف السوري بعد تصريح وزير دفاعها باحتمال مشاركة قواتها بالعدوان على سورية تحت ذريعة الكيميائي، لتعبر بذلك عن خشيتها من عودة سياسة التهديد الابتزازي لأردوغان واستخدام ملف اللاجئين بما يخدم نفوذها ومصالحها.
أما واشنطن التي وصلت إليها رسالة الرئيس الإيراني حسن روحاني أثناء اجتماع طهران بين زعماء الدول الضامنة الأسبوع الفائت، بأن الوجهة القادمة للجيش السوري هي منطقة الشمال الشرقي بعد إدلب، سارعت إلى التهديد باللجوء للقوة والتلويح بالملفين الإنساني والكيميائي في محاولتها لعرقلة التقدم الميداني لدمشق وحلفائها، فضلاً عن تخطيطها لاستهداف الشريط الحدودي السوري العراقي بعد المناورات التي أجرتها قوات التحالف للمجموعات المسلحة مؤخراً في قاعدة التنف، والسعي لخلق مناخ فتنوي في الشمال السوري واستقطاب عناصر من البشمركة الكردية العراقية إلى الشمال السوري لتعكير قنوات الحوار التي حدثت مؤخراً بين القوى الكردية مع الحكومة السورية بوساطة إيرانية ودعم روسي.
السياسة الأميركية باستخدام العصا رافقها التلويح بالجزرة في المقابل عندما دعت إلى إحياء مسار العملية السياسية في جنيف بعد أن سارعت بشكل منفرد وفق ما ترمي له إعلان فشل أستانا، في سعي واضح لفرض إملاءات وأهداف سياسية عجزت أدواتها في تحقيقها ميدانياً، وهذا بدا واضحاً في ورقة المبادئ العامة التي قدمتها المجموعة المصغرة حول سورية إلى المبعوث الدولي «ستيفان دي ميستورا»، والتي هي نسخة أكثر وضوحاً للتصورات الأميركية في وثيقة جنيف1 وأكثر تفصيلاً من ورقة «اللاورقة» التي سربت بشكل مقصود قبيل انعقاد مؤتمر سوتشي في نهاية كانون الثاني من عام 2018.
أما تركيا التي حاولت منذ بداية الحرب على سورية أن تكون هي الرابح الأكبر والمستفيد الأكثر نتيجة تأثيرها في المجموعات المسلحة وامتلاكها لورقة الجغرافية الحدودية، هي اليوم أمام تحد وجودي مصيري ضمن ثلاثة مسارات أو سيناريوهات:
* إما مراجعة سياستها والتنسيق مجدداً مع الأطلسي ودوله الأوروبية التي بدأت تغازل أنقرة نظراً لتأثيرها في المجموعات كافة في الشمال السوري، وباعتبار تركيا امتداداً لجغرافية أمنها القومي.
* السيناريو الثاني يتمثل في استمرار أنقرة في التوجه شرقاً والتوصل لصياغة تفاهمات إقليمية مع موسكو وطهران بالإضافة للصين للتخلص من العقوبات الأميركية وإيجاد فضاء اقتصادي وحيوي لأنقرة بعد تعرض اقتصادها لانتكاسة.
* أما السيناريو الثالث وهو من السيناريوهات المرجحة نتيجة التهور التركي، فيكمن في أن تشهد تركيا عزلة ومقاطعة إقليمية ودولية إن أصرت على سياسة الابتزاز في علاقتها مع الجميع وارتداد الإرهاب عليها.
إدلب التي توصف بأنها آخر المعارك العسكرية ضد وكلاء المشروعات الغربية ستحمل معها ارتدادات جيوسياسية مؤثرة حسب طبيعة الصراع أو التفاهمات بين الأطراف المتصارعة حول إدلب.
الوطن