نتائج حشد الجيش في إدلب: التلويح بالقوة يوازي استخدامها
حميدي العبدالله
اتفاق خفض التصعيد في إدلب عمره أكثر من عامٍ كامل. ولو كانت تركيا راغبةً فعلاً في تنفيذ هذا الاتفاق الذي ينص في بعض فقراته على فصل مواقع الإرهابيين عن مواقع المسلحين الآخرين الذين يرغبون في تنفيذ خيار التسوية السياسية لكانت قد قامت بتنفيذ الاتفاق الموقع في إطار مسار أستانة منذ توقيعه، وقامت بعملية الفصل وأسهمت بتصفية الإرهابيين الموجودين في إدلب. لكن تركيا وبعد مرور أكثر من عام على بدء سريان اتفاق خفض التصعيد لم تحرك ساكناً، بل استغلت انشغال الجيش في مطادرة الإرهابيين في مناطق سورية أخرى وسمحت لهم أكثر من مرة بالاعتداء على مواقع الجيش السوري، بل وحتى استهداف مواقع القوات الروسية في ريف حماة، وقاعدة حميميم عبر الطائرات المسيّرة.
اليوم تركيا ممثلةً برئيسها ووزير دفاعه توقع اتفاقاً تنفيذياً يتجاوز كثيراً مما جاء في اتفاقات خفض التصعيد، ويلزمها أولاً بفصل المجموعات الإرهابية عن المجموعات التي تقبل خيار التسوية السياسية، وتسليم الأسلحة الثقيلة، وخلق منطقة عازلة بعمق 15-20 كيلومتراً تفصل بين مواقع الجيش السوري والمواقع التي تسيطر عليها الجماعات الإرهابية.
ما دفع تركيا أردوغان إلى التوقيع خطياً على اتفاق يتضمّن أكثر بكثير مما تضمّنته اتفاقات خفض التصعيد، والالتزام بجدولٍ زمني للتنفيذ موقع عليه من قبل وزير الدفاع التركي، حشود الجيش السوري في إدلب، والإصرار على تحرير المنطقة مهما بلغت الكلفة ومهما كانت التضحيات وبدعم جديّ من روسيا التي كانت طائراتها الحربية قد باشرت إلى جانب سلاح الجو السوري بتنفيذ سلسلة من الغارات التمهيدية ضدّ مواقع الإرهابيين على امتداد محافظة إدلب.
أدرك أردوغان أنه إذا لم يسارع إلى الاستجابة لما تطلبه روسيا فإنّ العملية العسكرية سوف تنفذ، وهذا يعني هروب جميع الإرهابيين وربما آلاف اللاجئين إلى تركيا، وإذا تدخل عسكرياً لعرقلة العملية العسكرية فإنّ حرباً بين سورية وتركيا ستندلع وستكون روسيا إلى جانب سورية، طالما أنّ تركيا تقوم بدعم الإرهابيين وعرقلة عملية القضاء عليهم.
عند وصول الوضع إلى هذا المفترق الحاسم، رضخ أردوغان وقبل التوقيع على اتفاق يساعد، على مراحل، بإنهاء الوضع الشاذ في إدلب، أولاً من خلال سحب المسلحين من المنطقة منزوعة السلاح، وثانياً من خلال جمع الأسلحة الثقيلة، وثالثاً، إنهاء وجود التنظيمات المصنّفة إرهابية.
بهذا المعنى فإنه لولا حشود الجيش السوري في إدلب، والاستعداد الجيّد لمعركة إدلب، والعزم على تنفيذ العملية العسكرية في أيّ لحظة، لما حصل اتفاق سوتشي الذي وقعته تركيا مع روسيا.
البناء