اللعب في الوقت الضائع!
د. بسام أبو عبد الله
تحاول الأطراف التي شاركت في الحرب الفاشية على سورية من فترة إلى أخرى التذاكي علينا من خلال اللعب على الألفاظ، أو إطلاق التصريحات التي تعكس بشكل أو بآخر مرارة الهزيمة، ومحاولات تسويغها بإلقاء المسؤولية على بعضهم بعضاً تارة وعلى الآخرين تارة أخرى، أو القول إنه لولا روسيا لسقط النظام السياسي في سورية، ولولا إيران لانتهى الوضع منذ زمن طويل، وهكذا دواليك.
كانت آخر التصريحات ما اعترف به وزير الخارجية الفرنسي لودريان من أن «الرئيس (بشار) الأسد فاز في الحرب عسكرياً، ولكنه لم يربح السلام»! وهذه النغمة كررها وزير الخارجية القطري السابق حمد بن جاسم، عندما اعترف أيضاً: «إن الرئيس الأسد انتصر في الحرب، وإدلب ستسقط»، حسب مصطلحه، ولكن الرئيس الأسد حسب زعمه «خسر شعبه وبلده»!
لاحظوا هنا محاولات التذاكي من هذه الأطراف باستخدام عبارات هدفها التخفيف عن أنفسهم، والرأي العام من حجم الهزيمة المدوية للمشروع الإخونجي الوهابي الذي دعموه، بهدف القول: إن صنع الاستقرار والسلام في سورية يمكن تعطيله من قبلهم، ما لم تتحقق مصالحهم، وإن بإمكانهم تمديد هذه الحرب لوقت أطول بهدف الاستنزاف من ناحية، ومحاولة فرض شروط أفضل على طاولة التفاوض.
من ناحية أخرى تبرز هذه المحاولات من خلال العدوان الإسرائيلي الأخير على اللاذقية، والسبب في سقوط الطائرة الروسية و«استشهاد» طاقمها الـ14، والعمل على تحميل دمشق المسؤولية بطريقة غبية، على الرغم من أن التحليل العلمي العسكري يظهر أن الطائرات الإسرائيلية احتمت بالطائرة الروسية، وهو ما تسبب في إسقاطها، الأمر الذي سيكون له تبعات كبيرة وواضحة خلال المرحلة القادمة، وهو ما بدا واضحاً من تصريحات الجانب الروسي، التي حمّلت إسرائيل كامل المسؤولية، وتوعدتها بالرد المناسب، الأمر الذي وضع المسؤولين الإسرائيليين أمام مشكلة في العلاقة مع موسكو سيكون لها ارتداداتها الواضحة، ومنها تغيير قواعد الاشتباك في الأجواء السورية مستقبلاً.
واضح تماماً أن أطراف محور الحرب يحاولون اللعب في الوقت الضائع بهدف تسجيل نقاط من ناحية لن تفيدهم على طاولة التفاوض، ولن تبدل من الواقع الميداني الذي تغير جذرياً لمصلحة الدولة السورية وحلفائها، ومن ثم يحاولون التأثير في ملامح النصر السوري، وتنغيص الرأي العام السوري هو من أجل أولئك الذين يشعرون بنشوة الدعم الأميركي، ولكنهم سيجدون أنفسهم في زمن ليس بالبعيد على قارعة الطريق، كما هو حال كل «المعارضات» التي رهنت نفسها لمشاريع خارجية، فاستثمرت واستغلت ثم رُميت في المزبلة.
الصورة الآن تبدو أنها محاولات لعرقلة إعلان النصر الكبير، والتذاكي والابتزاز السياسي، فالأمر ليس هيّناً على قوى محور الحرب على سورية، بعد أكثر من سبع سنوات من التخطيط والعمل والحرب بالوكالة والحرب المباشرة، لأن تداعيات انتصار سورية ستكون مدوية ليس في الإقليم فقط، إنما على الصعيد العالمي، وأهمها تباشير ولادة نظام عالمي جديد تبرز من خلاله قوى جديدة تسعى لتحقيق التوازن مع محاولات الهيمنة الأميركية التي اعتبرها الكاتب الأميركي فريد زكريا في كتابه «عالم ما بعد أميركا» الذي صدر عام 2009 منتهية، وعلى أميركا أن تقبل بذلك وخاصة أن واشنطن فقدت شرعيتها السياسية والعسكرية بعد غزو العراق عام 2003، وشرعيتها المالية، كمركز رأسمالي عالمي، بعد الأزمة المالية عام 2008، ويبدو واضحاً أن الحرب في سورية هي محاولة إضافية لإعادة فرض الهيمنة مرة أخرى، الأمر الذي سيكون له تداعيات كبيرة.
عدم التشكيك في الحليف الروسي الذي يبذل جهوداً مضنية لإنهاء الوجود الإرهابي في سورية، هو مصلحة سورية، وروسية وأيضاً إيرانية، ومصلحة لكل شعوب المنطقة.
إن اتفاق إدلب الأخير الذي تم التوقيع عليه بين وزيري الدفاع الروسي والتركي في قمة سوتشي الأخيرة أزعج أطرافاً عديدة، وخاصة أنه سينزع منهم ورقة الإرهاب، وورقة التجارة بالبعد الإنساني، وسيوصلنا إلى أهدافنا باستعادة إدلب من دون إراقة دماء أبطال جيشنا ومن دون تخريب بُنانا التحتية، وسيكون مطلوباً من التركي إخراج الإرهابيين الذين أدخلهم عبر حدوده، وإعادتهم إلى بلدانهم، أو قتلهم لمن يرفض الاتفاق، أما حملة السلاح من السوريين، فأمامهم نماذج من التسويات التي تمت في غير مناطق سورية، وآخرها في الجنوب السوري.
لا يوجد ما يقلق في اتفاق إدلب الأخير لأنه واضح تماماً أن موسكو ضامن للاتفاق، إضافة إلى أن الكلام التركي عن حظر «مشروع كردي» يقابله كلام عن حظر «المشروع المتأسلم» الذي دعمته تركيا، وهو ما يعني أن على التركي أن يدفع سلفة في إدلب للبدء بإعادة جسور الثقة، والتعاون مستقبلاً لمواجهة مخاطر المشاريع الانفصالية التي تستهدف الجميع، ولهذا فإنها الرسالة الأساسية التي يجب أن تصل إلى من يعنيه الأمر.
إن اكتمال انتصارنا سيكون حتماً من خلال قدرتنا على تجاوز المصاعب والأخطاء والثغرات، التي تسلل من خلالها أعداؤنا، وتعزيز نقاط القوة والمنعة والوحدة الوطنية، ومن يقصر في هذا الأمر أو يتهاون فهو من حيث يقصد أو لا يقصد مشارك في خطط أعداء وطنه وشعبه، وخائن لدماء وتضحيات الجيش العربي السوري، ومن خلفه الشعب الصامد الصبور، الشعب السوري، أما أولئك المتذاكون في الداخل، والخارج فهم يلعبون في الوقت الضائع.
الوطن