حي القنوات بدمشق.. هل تعلمون حكاية هذا الحي الدمشقي العريق ؟
اعتبر الكثيرون حي القنواات من أكبر أحياء وناطق دمشق القديمة خارج السور ,فيما يصنفه آخرون بأنه الأغنى بالمباني التاريخية , وخاصة القصور والبيوت التقليدية الكبيرة والأغنى بسبيل المياه العامة , التي دخلت بطرزها المعمارية الجميلة الذاكرة الشعبية الدمشقية قبل أن تسجله الجهات المعنية ضمن المباني التاريخية والأثرية ,وينظر آخرون اليه على أنه المنطقة الأكبر والأجمل والأغنى في دمشق , والتي تربط ما بين مناطق خارج السور وما بين داخله.
إنه حي القنوات الذي أخذ اسمه منذ ألاف السنين في العهد الروماني حيث كانت المنطقة تزمر بقنوات المياه الصناعية التي مدت من فروع نهر بردى لتأمين مياه الشرب لسكان دمشق وما زالت آثارها باقية ي المنطقة .
أخذ حي القنوات اسمه منأحد فروع نهر بردى الذي يتفرع من ناحية الشادروان , حيث يخترق هذا النهر الحي وتسيل مياهه ضمن قناة رومانية محمولة على قناطر حجرية لكي تتم من خلاله سقاية المدينة القديمة , ولا تزال هذه القناطر ظاهرة للعيان وخاصة عند مسجد العجلوني .
وجاءت أهمية المنطقة عبر التاريخ من كونها خزان مياه دمشق .فكثرت فيها السبل ,وسكنها الدمشقيون بعد أن ضاقت بهم حارات وأزقة دمشق القديمة داخل السور فبنوا فيها البيوت الواسعة التي مازال بعضها قائما ً ومسجلا ً أثريا ً.
احياء وتسجيل المنطقة عمرانيا
شهدت هذه البيوت أول أشكال حنفيات المياه داخلها وفي أزقتها والتي اخذت شكلا ً تراثيا ً جميلا ً اعتمدته فيما بعد عين الفيجة التي تأسسست في مبناها قرب منطقة القنوات في أوائل القرن العشرين المنصرم .
ولأهمية المنطقة وللمحافظة عليها كمعلم تاريخي تراثي دمشقي فإن محافظة دمشق ومديرية الآثار العامة تعملان حاليا ص على تنفيذ دراسة خاصة لمشروع تأهيل منطقة القنوات ,بما فيها المواقع المسجلة أثريا ً حيث سيؤدي المشروع بعد تنفيذه إلى إحياء وتأهيل كامل المنطقة معماريا ً وعمرانيا ً بشكل يلبي احتياجات السكان المقيمين فيها من حيث تأمين الخدمات المتكاملة لهم .
ومنطقة القنوات تتميز بكبر مساحتها وتعدد حاراتها , التي تأخذ طابعا ً معماريا ً جميلا ً يعتمد الأقواس التزيينية والأرضيات المرصوفة بحجر اللبون الأزرق والأسود ونذلك حال أسواقها التي تتميز بشكل معماري تراثي يختلف عن الأسواق القديمة المسقوفة من حيث أنها مفتوحة ولكنها بنفس الوقت تشابه تلك الأسواق القريبة منها خاصة سوق الحمدية ومدحت باشا من حيث تنوع ما تعرضه محاتها .
كما اشتهرت بأنها سوق الثريات الرئيسي بدمشق . حيث توجد فيها أهم محلات بيع الثريات المصنعة يدويا ً أو تلك المستوردة من الخارج .
أرقى مناطق دمشق خارج السور
تعتبر القنوات في القرن التاسع عشر وأوائل العشرين من أرقى مناطق دمشق خارج السور وتنقسم لمنطقتين جنوبية وتدعى قنوات جادة وشمالية قنوات شابكلية , وهي تمتد من شارع النصر والذي شق بجوارها قبل قرن من الزمن شمالا ً وحتى منطقة باب سريجة جنوبا ً ولذلك فهي تجاور العديد من الأماكن الهامة كمحظة الحجاز وباب الجابية وشارع خالد ابن الوليد الذي افتتح بجوارها قبل 75 عاما ً . وهناك حارة الشرربيشات أيضا ً التي تتبعها .
ميزة المنطقة أنها مازالت تضم العديد من المباتي التاريخية التي تعود للعصور الأيوبية والمملوكية والعثمانية . ومنها جامع العجلوني ,الذي بني قبل 300 عام ,وهناك جامع التعديل وجامع زاوية الهنود وجامع الشابكلية ,ومن أهم القصور والبيوت القديمة فيها هناك بيت الزعيم الوطني فخري البارودي , الذي كان في أواخر القرن التاسع عشر سكنا ً للوالي العثماني ومن ثم تحول لملتقى أدبي وسياسي وثقافي في النصف الأول من القرن العشرين عندما سكنه البارودي .
كما عرفت المنطقة بوجود أسر دمشقية قديمة وعريقة قدمت العلماء والكتاب ومنهم عائلات العجلوني وأبو الشامات الذين يوجد مسجد وسبيل مياه تاريخي باسمهم في القنوات وهناك عائلة الشوربجي التي لديها بيت قديم تاريخي واسع ومبنى على الطراز الشامي اتقليدي , وهناك بيت اليافي وهو جميل جداً ,وهناك أيضا ً ثلاثة منازل دمشقية كبيرة ترمم في حاليا ً .
واشتهرت القنوات بأنها أول منطقة دمشقية عرفت المطابع منذ بدايات القرن العشرين وكانت أول مطبعة للناشر وجيه بيضون وحملت اسم مطبعة ابن زيدون .
يعيد المؤرخون والباحثون المهتمون ومنهم الدكتورة سراب أتاسي والمهندس عبد الله حجار تاريخ تأسيس منطقة القنوات الى العهد المملوكي , ومن الأبنية الشاهدة على الفترة المملوكية المدرسة الشاذبكية والتي تحولت لجامع فيما بعد , والواقعة في الطرف الغربي من القنوات , وبعد ذلك توسع هذا الحي في العهد العثماني بشكل كبير بعدما توجهت إليه كبرى العائلات الدمشقية والتركية نظرا ً لقربه من المباني الحكومية الهامة في المدينة .