السماسرة ورجال الأعمال يلتهمون بيوت الغوطة بأقل الأسعار
توقع الكثيرون من أهالي الغوطة الشرقية الراغبين بالعودة إلى بلداتهم أنهم لن يجدوا جدران منازلهم قائمة، أو على الأقل لن يجدوا أيًا من أثاثها، وفي حال وجدت الجدران فالمعارك والأنفاق التي حفرتها العصابات الإرهابية المسلحة أضعفت الجملة الإنشائية للأبنية، ما يجعل العودة إلى المنازل من دون الكشف عليها خطيرة، وعلى الرغم من الخطة الإسعافية التي وضعتها الحكومة بالتزامن مع العمليات العسكرية، في آذار الماضي، إلا أن تطبيقها والبدء بجرد وإحصاء الأضرار التي سببتها الحرب تأخر أشهراً.
بنية غير جاهزة
توافد في الأشهر الماضية عدد من العائلات إلى الغوطة الشرقية، لا سيما ممن نزحوا عنها في شهر شباط الماضي، ولكن الكثير منهم لم يجدوا منازلهم صالحة للسكن، ما وضع تلك العائلات أمام عدة خيارات، بحسب ما يقول خالد، أحد أبناء بلدة سقبا لـ «الأيام»، مضيفًا أن منزله تعرض لأضرار خارجية نتيجة القذائف ما أدى إلى دمار الجدران الخارجية وجعل من الصعب العودة إليه والسكن فيه.
اضطر خالد (50 عامًا)، إلى الانتقال مع أسرته للسكن في منزل ليس له، ولا يعرف لمن تعود ملكيته، ريثما يقوم بترميم منزله الخاص ويعود إليه، وأشار إلى أنه حاول ترميم المنزل بشكل بسيط، ما كلفه مبلغًا يقارب 2 مليون ليرة سورية، مضيفاً أن الدولة لم تقدم له أي نوع من المساعدة المادية كما تدعي وتقول.
ومن ناحية ثانية تسكن عشرات العائلات في كل بلدة من بلدات الغوطة الشرقية في منازل لا يملكونها، لكن هذه العائلات اضطرت لذلك بعدما عادت ووجدت منازلها غير قابلة للسكن، في الوقت الذي لا تزال الحكومة تعمل على إعادة المدنيين الذين خرجوا باتجاه دمشق وريفها.
لجان على الورق فقط
شكلت الحكومة لجنة للعمل على كشف وجرد وإحصاء الأضرار وإعادة تأهيل المرافق والبنية التحتية فيها، إضافةً إلى الأبنية المتضررة في الغوطة الشرقية والتي بدأت بعملها، في 19 من حزيران من العام الحالي من دون معرفة ماهية عمل اللجنة أو تبعيتها، مع توقعات أن اللجنة تابعة لمجلس محافظة ريف دمشق، الذي يشرف على إعادة تأهيل مناطق الغوطة الشرقية. وأعلنت محافظة ريف دمشق أنه سيتم تأهيل البنى التحتية في المنطقة، وتأهيل المدارس وعودة الأهالي إلى مناطقهم، خلال الصيف الحالي، وبحسب ما قاله محافظ ريف دمشق علاء منير لـ «الأيام»: إن سبب اختيار الوقت في الصيف هو لأن الأهالي يستطيعون ترميم منازلهم من دون التعرض للعوامل الجوية.
450 مليار لإعادة أعمار الغوطة
يقول محافظ ريف دمشق: إن قيمة الأضرار في الغوطة الشرقية كبير جداً وهي تحتاج إلى 450 مليار ليرة سورية كتكلفة لإعادة الأعمار، في الوقت الذي تم فيه تخصيص 3 مليارات ليرة سورية فقط، لتنفيذ الخطة الإسعافية لمساعدة الأهالي في ترميم منازلهم. وأضاف المحافظ: سيتم منح ما بين 100 إلى 150 مليون ليرة سوريا لدعم البلديات، كما تم تقسيم العمل للمراكز الصحية والمشافي إلى ثلاثة أقسام؛ قسم من المراكز تم العمل على ترميمها فوراً، لكون أضرارها قليلة، وقسم تم تخصيصه من إعادة الأعمار ويتم العمل عليه، وقسم ثالث يتم تجهيز قائمة به ويضم أكثر من 30 مركزاً صحياً للبحث عن طرق لتمويله، مبيناً أن الكلفة الوسطية تصل إلى 500 مليون ليرة.
ولفت إبراهيم إلى أنه سيتم إدراج مستشفيات حرستا والنشابية والمليحة ودوما في خطة إعادة الأعمار، مشيراً إلى أن تكلفة هذه المستشفيات من دون تجهيزات طبية نحو 20 ملياراً، مبيناً أن المشكلة الرئيسية في أضرارها الكبيرة، وكلفها التي تتجاوز مليارات الليرات، فمستشفى دوما يحتاج إلى 10 مليارات، والتقديرات الأولية لمستشفى حرستا تقدر بمليار تقريبا.
الحكومة تمنعنا وتهددنا
أحد سكان مدينة حرستا، أمجد العبدلله قال لـ «الأيام»: بعدما قررنا العودة إلى منازلنا التي غبنا عنها سنوات، وبعدما قمت بالتعاقد مع ورشة بناء لإصلاح منزلي المدمر بحوالي 70%، منعتنا الحكومة من البناء، وتم تهديدنا بهدم ما سيتم تعميره بحجة أن الحكومة أصدرت قرر جمدت به حركة هذه المناطق لتنفيذ خططتها المرسومة على الورق، والتي تحتاج لدهر من العمر لتنفذ، ما فتح الباب أمام دخول سماسرة عقارات الذين يحاولون شراء البيوت من الأهالي، بأسعار زهيدة جداً، فالمنزل المهدم بشكل كامل أقل من 5 مليون ليرة سورية سواء كان طابق أو أكثر ولا يتعدى 7 مليون ليرة سورية في حال كان متهدما بشكل جزئي ليتم التعاقد مع السمسار من دون معرفة المشتري الحقيقي للعقار، ما جعل الشك يحوم حول العديد من رجال الأعمال في البلد، والذين يدفعون هؤلاء السماسرة لشراء المنازل لصالحهم، وبالتالي يتم استغلال حالة المدنيين لعدم قدرتهم على إعادة ترميم منازلهم نتيجة ضعف قدرتهم المالية.
مصدر حكومي يؤكد لـ «الأيام» وجود شركات أجنبية أعدت العدة وتنتظر الموافقة للبدء بعملية الأعمار في بعض المناطق السورية، لافتاً إلى وجود العديد من الاجتماعات التي عقدت في لبنان ودبي من قبل رجال أعمال ومستثمرين سوريين بتوجيه حكومي، من أجل جذب الشركات العالمية.
الاقتصاديون يتكلمون…
وبحسب المعلومات الواردة في التقرير الاقتصادي الصادر عن محافظة ريف دمشق والذي حصلت «الأيام» على معلوماته، فإن عدد المنازل المدمرة في ريف دمشق بشكل كامل 500 ألف منزل، و400 ألف منزل بشكل جزئي، فضلاً عن تضرر البنية الأساسية لـ 350 ألف منزل، وأضاف التقرير أن النصيب الأكبر من عمليات التدمير تركزت في المناطق غير الرسمية، التي يعيش فيها الفقراء
بين خبراء اقتصاديون، أنه لغاية تاريخه لا يوجد رقم محدد وموثوق أو معتمد رسميا أو متفق عليه، حول التكاليف المادية لعملية إعادة الإعمار في سورية، مؤكدين أن الأضرار والخسائر تتزايد كل يوم بمبالغ كبيرة طالما الأزمة مستمرة ولم تنتهِ، علماً أن التقديرات التي يتم الحديث عنها تتراوح بين 80 و220 مليار دولار.
يقول الاقتصاديون، إن التكهنات لإنجاز عملية إعادة الأعمار تحتاج إلى ما بين 5 سنوات – 15 سنة، وأنه في حال كان عمل اللجنة المكلّفة من قبل الحكومة هو الكشف عن الأضرار في الجملة الإنشائية للأبنية، فذلك يقع على عاتق لجان فنية متخصصة مشكّلة من نقابة المهندسين، لأنها الوحيدة المخوّل لها بالقانون مزاولة المهنة الهندسية لتقييم سلامة المنشأة، ويجب أن يشارك تلك اللجنة اختصاصات هندسية أخرى تقيّم بقية الأضرار التي تصيب البنية التحتية والأبنية السكنية، لذلك فمن المتوقع أن تكون اللجان المشكلة ليست لجانًا مثالية تعمل بشكل كامل على تقييم الأضرار من جميع النواحي، كما أن لجنة واحدة لا تكفي لمسح منطقة كالغوطة الشرقية، بل تحتاج المنطقة إلى عشرات اللجان.
سوف تشكل العودة غير المدروسة إلى مناطق الغوطة الشرقية أضرارًا متوقعة على الأرواح، لأنه في حال عودة المواطنين سيلجؤون لأي مكان يؤويهم، ما قد يسبب كثافة سكانية في البيوت الأقل تضررًا وفي ظروف كالتي مرّت بها الغوطة في الحرب، قد لا تتحمل الأبنية الضغوطات وما يترتب عليها
نور ملحم – الايام