الأسد وحقيقة الوجود الروسي ..
قد تدعو الأحداث الكثير من العقول إلى مبارزة التناقضات الظاهرة على السطح حيث لايجد القارئ التأويل لمتغيرات الوقائع وعليه تتفشى القراءات أوهاما تداهم الأفكار التي لاتشهد من الحقائق سوى مايريد العدو أن نعلمه.. فإن لم توح لك الحرب بقراءة أقاصي غيبها لن يكون بمستطاعك إرغام جحود غموضها على الإفصاح بما يعجز العدو على النطق به ولسوف تأخذ مكانا بعيدا عن المشهد الكلي حيث تفصلك مسافات المجهول وفيالق التكهنات عن كنه الحقيقة ..
لو أنك حاولت أن تلج ذات إستخباراتي صهيوني ونظرت من عينيه إلى دمشق بعيد حرب تموز سوف تدرك بأن في سورية دولة تشكل طريق زوال تل أبيب المحقق وسوف ترى جحافل النار وهي تخرج من فوهات قاسيون نحو تل أبيب فإن نظرت ماحول دمشق سوف تشهد نظرة أخرى مؤاتية لتقوية عجز اليهودي المنهزم في حرب تموز وهي كيانات الجريمة التي بمستطاعها ترويض شعوبها كما تشتهي تل أبيب فما كان من العدو الصهيوني إلا أن إستعجل الحرب لخسف دمشق مع إستثمار تجاري يهودي في الجهل العربي والإسلامي كي يخضع دمشق للزوال كما أخضعته هي لمواجهة محتومة مع الفناء في حرب تموز حيث كانت دمشق وقائدها وعلماؤها العسكريين وصواريخها المقدسة مع المقاومة اللبنانية تضع تل أبيب في المواجهة ماقبل الحرب الأخيرة لوجود الكيان الصهيوني ..
فماذا حدث في حرب تموز ؟؟لقد حررت دمشق والمقاومة شعوب المنطقة من نظرية الهزيمة التي فرضتها حكومات الإستسلام و الدجل السياسي والتي قيدت العقول العربية والإسلامية من فكرة تحرير فلسطين فكان فعل مقاومة بتعداد فرقة في جيش نظامي قادرة على تحقيق المحال وحقا قد تمت هزيمة العدو الصهيوني وكانت دمشق تنتصر وإنتصار دمشق يعني هنا هزيمة العواصم الإقليمية وليس فقط العدو الصهيوني لماذا ؟؟؟
إن إنتصار دمشق مع المقاومة يمثل حالة واقعية فكرية تتحدى العمق الإستخباراتي الوجودي للدول الموقعة لإتفاقيات الإستسلام مع كيان العدو فقد وضعت دمشق هذه الحكومات في مأزق مع الواقع الذي فرضته في المنطقة فلا حجة لسلام مع كيان هزيل مهزوم لم يستطع أن يحقق سوى نحيب جنوده في حرب الفناء الأولى (تموز) وبهذا سارعت الدول العميقة الموقعة و التي تشكل نواة السياسات المعلنة والسريةإلى محاربة دمشق والجميع يذكر جيدا تصريحات مفتي السعودية وعداء حسني مبارك المعلن ضد المقاومة ودمشق في أثنائها إلا أن قطر وتركيا كانتا تمارسان دور “العقلاء “والسيادة المستقلة عن المتغيرات لخطف دمشق من ذاتها وهذا مالم تحققاه عندئذ تم تسريع الإستهداف إذ أن دمشق لم تنحرف قيد إنملة عن المسار المقاوم الذي إعتنقته قبل أن يتشكل المحور المقاوم فكانت بهذا نقطة المركز وقلب المحور .
الجميع يدرك بأن السفارة الصهيونية وإتفاقية كامب ديفيد لم تناقش في مصر مع إندلاع أكذوبة الربيع العربي فقد سقط النظام المصري ولكن لم تسقط الدولة العميقة التي أعادت العلاقات بشكل أكثر وضوحا وقوة مع العدو الصهيوني بل وكانت العامل الأساسي في بناء غلاف الحماية للكيان الصهيوني انطلاقا من جزيرتي تيران وصنافير اللتين قدمتا مجانا إلى قبيلة سعود كما أعطيت أرض في سيناء (مشروع نيوم) لجعل إسرائيل في دائرة الأمن والآمان في مواجهة تداعيات الكيان وكل هذا العطاء هو إستماته لإيقاف تمدد الفالق بين جبروت الكيان الصهيوني العسكري المنهزم والقوة التي أوجدها الجيش السوري المقاوم والمقاومة منذ حرب تموز وحتى إنتصارات 2018 ..لو أن دمشق تسير في الطريق الخطأ مع سياسات الأسد لما حاربها العالم الصهيوني بأقذر الحروب العالمية التي لم يشهدها التاريخ من ذي قبل وحجم الحرب هو الشاهد الأعظم على قداسة الفكر الذي يقود دمشق إلى المواجهات الوجودية ولهذا كانت الحرب حرب وجود مع أسد دمشق لفكره الذي يشكل الخطر الأكبر على منظومة الفلك الأمريكي في المنطقة ..
فلا عقل متزن يصدق بأن الدول الموقعة بأنها تنحاز لدمشق فلا أحد ينحاز إلى مصير زواله فكل دولة عميقة موقعة مع تل أبيب تخشى قوة دمشق وفي مصلحتها أن تكون دمشق ضعيفة كي تبقى في مكانتها ولاتتفكك كي تنهض أخلاقيا وفكريا في مواجهة العدو الحقيقي أي كي تبقى هي الحاكمة مهما تغيرت الأنظمة لأن الإنقلاب والتغيير في الحقيقة يكمن في وعي الشعوب الذي طمس في قيعان الطائفية ..
وعليه فإن الحرب على دمشق لم تكن عادية بل معقدة تعقيدا يقيد العقل بالتمهل قبيل الإفراج عن أسراب التفكر والطواف حول العقل حتى تحقيق المشهد والإتيان بالخفايا من قبضات المجهول وعليه سوف نسأل عن ماذا أفرجت حرب تموز وكيف تلقي التركي والسعودي خاصة هذا النصر .
عندما شاهدالتركي هزيمة تل أبيب أمام عينيه لم يستحضر سوى هزيمته ونقل هذه التجربة إلى الشمال السوري المحتل فمن كان صلبا لم يخشى سطوة الناتو والصهيوني وكانت مواقفه تشكل القاعدة التي ثبتت عليها أقدام المقاومون في حرب تموز لن يستبعد إعادة التجربة لتحرير كافة الأراضي السورية فبعد هزيمة الرأس لابد للكيانات المارقة أن تشهد ما شهدته تل أبيب وهذا قدر الجبال الترابية في الزلازل .
وما كان ومازال يخشاه التركي والسعودي هو تفشي عدوى الإنتصارات فجميع العقول التي قرأت حرب تموز برؤية وجودية تأكدت بأن عودة الجولان عسكريا باتت وشيكة وعليه يتم إيجاد محور مقاوم منتصر تقوده دمشق ويكون ملاذا فكريا لمن أراد مواجهة الأمريكي في المنطقة أو أن يفرض التوازنات الجديدة لتكون بيده مفاتيح المنطقة فهذه حقوق المنتصر وعودة الجولان عسكريا تعني نفخ الروح في جسد الأرض السورية جنوبا في فلسطين كاملة وشمالا في الكيان التركي المحتل فمن يستعيد أرضه من أقوى قوة عسكرية ونووية في المنطقة هو قادر على فعل مافعله مع الكيان التركي عبر المقاومة ولهذا فإن زوال إسرائيل يعني عودة المنطقة إلى ذواتها وليس إلى المحتل وهذا ما سيؤدي إلى ضرب فالق في الإقليم يعيد تركيا إلى حجمها الطبيعي وكذلك عودة الحجاز من آل سعود إلى ذاتها ولهذا نرى بأن آل سعود سعوا جاهدين للتشهير بعلاقاتهم مع العدو الصهيوني فإن ضعف هذا الكيان يعني موت الحارس الشخصي لوجود هذه الكيانات .
ففي الحجاز يخشى السعودي من تجربة إنتصار تموز في اليمن ولهذا فهو يشن اليوم حرب جنونية لأن حربه لاتعني إنتصار طرف في اليمن بل تفسر حرب بقائه فهو اليوم لايستطيع فعل شيء سوى إستعمال القوة المفرطة ضد كل شيء في اليمن أي كل أفعاله متعمدة لإخضاع اليمن ككل لكيانات الخليج ومانراه في اليمن هو دليل على خشية هذه الكيانات من النصر السوري بعيد نصر تموز وبهذا يؤسس السوري لمحور تخضع له المتغيرات ولايخضع لها لأنه الصانع لها فمامن أمر يفسر الحرب المسعورة من قبل السعودي والتركي في محاربة دمشق إلا تحسس إنحسارهم والحقيقة تتجلى في العدد الهائل للمسلحين فهم قادرون على تدريب عشرين ألف مسلح تدريبا عالي المستوى و هو عدد قادر على تحقيق إيذاء كبير وطويل الأمد في سورية وهم من يعلمون بأن فئة قليلة هزمت جبروت إسرائيل والسؤال لماذا كل هذا العدد الهائل من المسلحين ضد دمشق؟؟
إن الأعداد الهائلة من المسلحين تفسر لنا حقيقة خوض حرب الفناء مع دمشق وهنا نجد الدلالة على إرتداد دور دمشق المزلزل على كل من شارك في حربه ضدها .وعليه توجب فكريا على العدو تبني معارضة لا أخلاقية طائفية لاتستطيع التحدث فكريا و وجوديا بل أعظم خطاباتها لايستطيع تجاوز عظام الجمجمة..
أما مجيء الروسي كان ومازال متعلقا بفناء دمشق أي عزله من المنطقة حيث يبقى الحكم للتركي (الناتو) والعدو الصهيوني فيكون شمال سوريا للتركي وأما جنوبها فللعدو الصهيوني وهذا ماشهدناه منذ بدء الحرب وحتى يومنا هذا ..ولكي نحقق المشهد الدقيق عن وجود الروسي في المنطقة علينا التعاطي مع كل الأبعاد من كافة نقاطها التي ترتكز عليها الحقائق .أي كيف لنا أن ننظر إلى الوجود الروسي وهذا الأهم حتى نحقق وضوح الرؤية .الروسي قطب ينحو إلى القطبية الإقتصادية الفاعلة قارنا ذلك مع تفوق تكوينه العسكري بسرعة فائقة إلا أن القطبية العسكرية غير كافية لوحدها ولتحقيق القطبية كقوة توازن فهي لاتدخل في حلف إلى النهاية أي لاتشترك كليا مع سياسات الحلفاء لضمان هذا التوازن ولكنها تدعم تلك السياسات إلى حين تصاعد الدوري الروسي القطبي الإقتصادي وفرضه كقوة وهذه القوة تحتاج إلى إيجاد سلام إقليمي وعالمي كي يتفاعل إقتصادها كقوة في مواجهة الغرب والصهيونية وأتباعها والمواجهة لاتكون كما نعتقد دائما ؟؟ والسؤال كيف يكون هذا ؟؟
عندما يعقد الروسي صفقات السلاح مع الأضداد وبخاصة منها الصاروخية ( الدفاع الجوي) والطائرات الحربية فهو ينفذ إنقلابا عبقريا على السياسات العسكرية التي فرضتها الهيمنة الأمريكية إذ أن السلاح الروسي أوجد الفالق بين الأمريكي والتركي لأول مرة في تاريخ تركيا مما جعل الأمريكي يصدر عقوبات بحق حلفائه ممن يريدون إمتلاك السلاح الروسي .أما إمتلاك السلاح من قبل التركي وحلفاء أمريكا يعني إعلانا عن التوازن العسكري في المنطقة وبالتالي بسط السلام في هذا الجزء من العالم كي تتقدم القطبية الروسية الإقتصادية فإن لم يتم السلام والتوازن العسكري لن يتحقق شرط قاعدة الأمان التي يرتكز عليها الإقتصاد القوي .والسؤال الذي سوف يوجهه كل منا إلى نفسه يقول : هل هذا يعني بأن دمشق باتت ضمن حلف الأمن والسلام الروسي دون الإشتباك مع العدو الصهيوني ؟؟؟
الإجابة تقول :
دمشق لم تذهب كليا مع روسيا فهذا شأن يتعارض مع مصالح دمشق وموسكو معا كما أنها لا تتبع حلف بل تدخل في إستكمال دوره وإلا كان الأجدر بدمشق الإستجابة للأقوى من حيث النفوذ أي الأمريكي وأتباعه. دمشق بقيت مركز المحور المقاوم وقبل دخول الروسي الحرب وبعدها لم تتغير مركزية دمشق في المحور ولو أنها ذهبت إلى النهاية مع الروسي في التماهي لكانت قبلت بعلاقات مع الكيان الصهيوني و ستصبح علاقاتها مع طهران وحزب الله علاقة تشبه العلاقة التركية مع باقي المحور المقاوم وهذا ما لاتقبل به روسيا لأني صعود القطبية يوجب الإختلاف في السياسات مع الأمريكي كما أنه ومن مصلحة موسكو أن تبقى سورية في مكانتها لذلك فدمشق لها مركزيتها ولا تنطوي كانطواء السجل مع أيا كان وإلا كان رضوخها للأمريكي واقعا لامحالة أو أنها رضيت بالعروض الأمريكية السعودية بإمتلاك سياسات الجوار القريب وبخاصة في كل لبنان مقابل فك التحالف مع طهران وحزب الله وهنا تكون المقاومة شرعية وليست إعتداء إذ أننا نلاحظ دائما كيف أن الروسي يدافع عن تطبيق وإحترام قرارات الأمم المتحدة وهذا مايؤكد حق المقاومة لكل محتل وبالتالي لاتدخل دمشق في زعزعة الأمان الروسي بل في تحقيق الآمان عبر دعم المقاومة وتحرير الأرض وهذه سياسة منحصرة في دمشق ولذلك نرى دائما كيف أن الروسي لا يتدخل في المواجهات الإسرائيلية السورية وكان دمشق هي من يرد وتسقط الطائرات والصواريخ الصهيونية بوجودالروسي وهي رسالة سيادة ومتابعة على نهج دمشق في المقاومة ..
في حرب تموز لم يستطع الأمريكي فعل شيء لإنقاذ الكيان الصهيوني مباشرة وكذلك مع جيوشه في العراق ضد دمشق بل كان يخطط ويعد العدة لحرب قذرة شاملة وكانت دمشق شبه وحيدة إلا أن تأثيرها الإقليمي كان فاعلا وعلى الرغم من هذا فقد فعل الروسي مالم يستطع الأمريكي أن يفعله .جاء الروسي وتدخل في الحرب على سوريا، و لم تكن حربا عادية بل كانت حربا لمسح سوريا عن الخارطة بإعتراف الأمريكان منذ بداية الحرب عن زوال دول في المنطقة و منها سورية والعراق وهذا مالم يحدث بقوة دمشق وتيقظ الروسي فما كان ومازال الأمريكي يفعله هو بديل عن حرب نووية ضد دمشق وموسكو فمن يقوم بمحو دور دمشق بل وذاتها الوجودية سوف يعزل روسية من المنطقة إلى الأبد ولهذا إن وجود الروسي ليس للدعابة بل لإسقاط مخطط الحرب ضده ..
بقلم : يامن أحمد