الجمعة , نوفمبر 22 2024

Warning: Attempt to read property "post_excerpt" on null in /home/dh_xdzg8k/shaamtimes.net/wp-content/themes/sahifa/framework/parts/post-head.php on line 73

«القاعدة» في سوريا… قبل الجولاني وبعده

«القاعدة» في سوريا… قبل الجولاني وبعده

صهيب عنجريني
لم يؤدّ انقلاب أبو محمد الجولاني على تنظيم «القاعدة» إلى خروج الأخير من المشهد السوري. وكما كان وجود «التنظيم الأم» (فكراً وتنظيماً) في سوريا أسبق من «جبهة النصرة»، فإنّ استمراره ليس مرتبطاً بشخص الجولاني ولا بجماعته.

«إخوان سوريا» و«الريادة الجهاديّة»
تُسجّل «الريادة» في العمل العسكري «الجهادي» المنظّم باسم جماعة «الإخوان المسلمين» في سوريا، وذراعها تنظيم «الطليعة المقاتلة». لقد حقّقت «التجربة الجهاديّة في سوريا» أسبقيّة على ما سواها من التجارب، بما في ذلك التجربة «الجهاديّة» في أفغانستان. ولا تقتصر الأسبقيّة المذكورة على زمن إطلاقها (1964)، بل تتعدّاها إلى طول امتدادها (امتدّت على مراحل تخلّلتها فترات عمل سري حتى عام 1982)، ودقّة تنظيمها، وانفتاحها على «الدعم الخارجي» (لتفاصيل أوسع، راجع «الأخبار» 4 نيسان 2016). وباستثناء محاولة «حركة الشبيبة المغربيّة» المحدودة في المغرب (1963، وقد تمّ تفكيك الشبكة واعتقال مؤسّسها قبل أن تسجّل نشاطاً حقيقيّاً)، فإنّ نشاط «الإخوان» العسكري في سوريا كان الشرارة «الجهاديّة» الأولى بالفعل. لاحقاً، حطّت رحال عدد كبير من مقاتلي «الطليعة المقاتلة» الفارّين من سوريا في أفغانستان، التي بدأت باستقبال «الأفغان العرب» عام 1986 (منهم أبو مصعب السوري، وأبو خالد السوري «وكيل الظواهري» في سوريا، وآخرون). في تلك الحقبة، كانت النظرة العالميّة برمّتها إلى العمل «الجهادي» مغايرةً تماماً لما هي عليه اليوم. وبفضل الدعم الأميركي العلنيّ والجهود السعوديّة الحثيثة لتجييش الشارع الإسلامي (والعربي خصوصاً)، تقاطر الشباب العرب بالآلاف إلى أفغانستان بغية «الجهاد ضدّ الشيوعيين الكفرة». وفي خضم هذا المدّ، عثر «الجهاديون» السوريون على «بوصلتهم» بعد أن خسروا معركتهم في سوريا وتفرّقوا بين دول عربية مختلفة. كان قسمٌ كبيرٌ من هؤلاء يحتفظ بحلمه في إعادة الكرّة وإحياء التجربة «الجهاديّة» في سوريا، وقد عدّوا ذهابهم إلى أفغانستان خطوةً أولى على هذا الطريق، وفقاً لما يؤكّده أبو مصعب السوري في كتابه «دعوة المقاومة العالميّة». لاحقاً لذلك، تأسّس تنظيم «القاعدة»، واجتذب عدداً من «الجهاديين» السوريين من «الأفغان العرب»، فيما آثر عدد منهم العودة إلى الإقامة في دول عربيّة مختلفة، من دون أن ينطفئ لديهم «الحلم الجهادي السوري».

الجمر
داخل سوريا، ظلّ الفكر «الإخواني» حاضراً، ومسلّحاً بالرغبة في «الثّأر»، لا سيّما أنّ أحداث الثمانينيات قد خلّفت وراءها نكبة لم تقتصر ضحاياها على المشاركين في الأعمال «الجهاديّة» فحسب. وسرعان ما أُتيحت تغذية عقيدة «الجهاد» بوصفها «فريضةً» في مناسبات عدّة، مثل الحرب الشيشانيّة، وحرب البوسنة والهرسك. كانت الأشرطة المسجّلة (الكاسيت) التي تتناول «الجهاد في البوسنة والهرسك» تُدار في كثير من الأماكن العامة (مثل سيارات الأجرة، ومحال بيع الكاسيت التي تروّج لبضاعتها عبر بثّ محتوى بعضها بصوت عال)، ومن جديد عرف عدد من السوريين طريقهم إلى «الجهاد نُصرة للمسلمين». على أنّ المرحلة الأخطر كانت مرحلة «الجهاد في العراق»، التي اجتذبت آلاف السوريين، وبغض نظر حكومي لافت. هكذا ظلّت بذرة «الجهاد» حاضرة في المجتمع السوري.

وجّه الظواهري أوامره إلى حسان عبود بوجوب دعم الجولاني

ولم تؤدّ الحملة الرسميّة ضدّ «الجهاديين» (بدءاً من عام 2005) إلا إلى إرواء هذه البذرة في انتظار اللحظة المناسبة للانتقام، لا سيما بعد أن تلاقحت الأفكار «الإخوانيّة» بـ«أدبيّات السلفيّة الجهاديّة» وبطروحات «عولمة الجهاد». لم يؤسّس «القاعدة» فرعاً له في سوريا، لكنّ خلاياه كانت حاضرة بفعل ما تقدّم. في عام 2004 أُعلن في لبنان تشكيل «كتائب عبد الله عزّام»، وقدّمت نفسها لاحقاً باسم «تنظيم القاعدة في بلاد الشام». كانت هذه سبّاقة إلى الدخول على الخط السوري، عبر رسالة وجّهها مؤسّسها صالح القرعاني في تشرين 2010 إلى «أهل الشام»، بشّر فيها بأنّ «دور أهلنا في سوريا الأسيرة في مُقبلاتِ الأيام هام جداً ورئيس في توجيه أحوال أهل السنّة في عموم بلاد الشام».

«أحرار الشام» و«القاعدة»
كانت «حركة أحرار الشام الإسلاميّة» أوّل مجموعة مسلّحة أُسّست في سوريا على ارتباط مباشر بتنظيم «القاعدة». ويقرّ مؤسّسها حسان عبود، في مقابلته الشهيرة مع قناة الجزيرة، بأنّ «كتائبَ أحرار الشام تشكلت في أيار عام 2011، ولكنها استمرّت في إعداد خلاياها سراً»، قبل أن يُعلن عن التشكيل في تشرين الثاني 2011. حين أسّس عبّود مجموعته، حرص على «أخذ البيعة لتنظيم القاعدة» من كل المنتسبين الأوائل، مع التشديد على إبقاء هذا الارتباط سريّاً. كان الجولاني واعياً منذ البدايات لما تشكله «أحرار الشام» من خطر على نفوذه في سوريا، ومزاحمة له على تمثيل «القاعدة». وهو، على الأرجح، كان مسؤولاً عن نشر شريط مصوّر يُعلن تشكيل «كتائب أحرار الشام التابعة لجبهة النصرة» في كانون الثاني 2012 (سُحب الشريط من التداول لاحقاً). كان حسّان عبّود يطمح إلى تحوّل مجموعته لاحقاً إلى ممثل فعلي لـ«القاعدة» في سوريا، وحرص على إبقاء الغلبة داخل «الحركة» للعنصر السوري لهذه الغاية. أما الجولاني فكان متسلّحاً بدعم تنظيم «الدولة الإسلاميّة» الأشد فاعليةً من «القاعدة» في سوريا، والمرتبط بها بشكل غير مباشر. كان ثمّة توافق غير معلن بين «النصرة» و«أحرار الشام» على إبقاء تنافسهما على تمثيل «القاعدة» سريّاً، واستمرّت الحال على ذلك المنوال: صلةٌ مباشرة بين «أحرار الشام» و«القاعدة»، تقابلها أخرى بين «النصرة» و«الدولة الإسلاميّة». تغيّرت الظروف بفعل الشقاق بين «داعش» و«النصرة»، وقرّر أيمن الظواهري قبول اعتماد أوراق أبو محمد الجولاني. وكما كان متوقّعاً، رفض البغدادي حكم الظواهري، واندلع الاحتراب. أدّت هذه التطورات، كما بات معروفاً، إلى انكشاف الارتباط بين «النصرة» و«القاعدة»، لكنّه استمرّ سريّاً بين الأخير و«أحرار الشام». وجّه الظواهري أوامره إلى حسان عبود بوجوب دعم الجولاني. امتثل عبّود، وقدّم أموالاً وأسلحةً وملاذات للجولاني ورجاله، فاستعادت «النصرة» توازنها. كان أحد شروط الظواهري لدعم الجولاني أن يقوم «القاعدة» بالإشراف مباشرةً على عمل «النصرة». عند هذه النقطة دخل التنظيم الأم الساحة السوريّة في صورة مباشرة، وبدأ ممثلو الظواهري «الخراسانيّون» بالإشراف على عمل رجلهم الجديد، ربيب البغدادي القديم أبو محمد الجولاني. أما «أحرار الشام»، فقد مهّد مقتل مؤسّسيها (9 أيلول 2014) لدخولها نفقاً طويلاً من التحوّلات في مهب الصراعات الإقليميّة (راجع «الأخبار» 18 أيلول 2014)، وابتعدت لاحقاً عن الارتباط التنظيمي بـ«القاعدة»، من دون أن يؤثر ذلك على الولاءات الشخصيّة لقسم من مقاتليها.

«أذرع القاعدة» اليوم
لم يؤدّ الافتراق التنظيمي بين «النصرة» و«القاعدة» إلى خروج الأخير من المشهد السوري. ظلّ الأخير محتفظاً بحضوره عبر أذرعٍ عدّة، منها كيانٌ رئيسٌ نشأ إثر الافتراق، وهو تنظيم «حرّاس الدين». وتضاف إليه أذرعٌ كانت موجودة على الأرض في صورة مجموعات وتنظيمات وكتائب، وما زالت حتى اليوم حاضرة في إدلب، ومنها «جبهة أنصار الدين»، و«كتيبة الإمام البخاري»، و«كتيبة غرباء التركستان»، و«كتائب أجناد القوقاز»، و«جند الملاحم». ويحضر إضافة إلى تلك المجموعات «الحزب الإسلامي التركستاني»، الذي لم تدفعه شراكته مع «النصرة» إلى التخلّي عن «بيعة» يدين بها لـ«القاعدة»، ومن ورائه تنظيم «طالبان».

«التحالف الدولي» لـ«نُصرة الجولاني»!

كانت أولى المهام التي نفّذها «التحالف الدولي» في سوريا تصفية «الخراسانيين» الذين أوفدهم الظواهري إلى سوريا للإشراف على عمل «جبهة النصرة» بعد انشقاقها عن «داعش». ورغم أنّ محاربة «داعش» كانت العنوان العريض لدخول «التحالف» إلى سوريا، فإنّ سعيه المفاجئ إلى تسليط الضوء على تنظيم مُتخيّل اسمه «تنظيم خراسان» قبل دخوله (التحالف) المشهد السوري بفترة وجيزة بدا لافتاً وقتها. وكما بات معروفاً، لم يكن هناك وجود لتنظيم مستقل اسمه «خراسان»، بل كانت التسمية اصطلاحاً يشيرُ إلى موفدي الظواهري. وفي حين «غفلت» طائرات التحالف عن استهداف الجولاني، فقد سجّلت في الوقت نفسه دقّة كبيرة في استهداف «الخراسانيين»، وقتلت تباعاً أبرز وجوههم: الكويتي محسن الفضلي (أبو أسماء الكويتي)، والسعودي عبد المحسن الشارخ (سنافي النصر)، وأبو يوسف التركي، وغيرهم. هذه التصفيات أتاحت للجولاني لاحقاً العودة إلى الإمساك بزمام الأمور في «النصرة»، في معزل عن «سلطة الظواهري»، وبعونٍ من دائرته الصغرى فحسب.
الأخبار