القرار 2254 ورفض عرقنة سوريا
عبير سالم
عندما نتحدث عن القرار 2254 وعن النزاع الدولي، فإننا نتحدث عن الرؤية التي تتعلق بما يراه الغرب متناسباً مع مصالحه المرجوة من تطبيق القرارات الدولية في الدول التي تتحول بقدرة قادر إلى دول ينتشر فيها نزاع القوى المختلفة أسواء كانت محلية أم خارجية، تماماً كالذي حدث في سورية، ومن قبلها بخمسة عشر عاماً في العراق. إن نظرة إلى الوراء ومن خلال قراءة جدية للتاريخ القريب يمكنها أن تجعلنا نفهم المستقبل. والقرار 2254 المتعلق بإعادة تركيب وتوزيع السلطة في سوريا يذكرنا بالقرار 1483 في 11 ايار/ مايو 2003 والقرار 1511 في نفس العام، والمتعلقين بالعراق، والتي شرّعت الأمم المتحدة فيهما احتلال العراق، وإعادة تركيبه على طريقة بول بريمر، والذي بموجبه تحول العراق إلى ساحة للصراع وللعمليات الإرهابية التي حصدت عشرات آلاف الأرواح حتى اليوم، خصوصاً بعد تفكيك منظومتيه الأمنية والعسكرية.
بالطبع، رفضت الحكومة السورية القبول بالقرار 2254، الذي هو تكريس لمقررات جنيف المتتالية وخاصة ذلك الذي صدر في العام 2012، والذي يطالب بحكومة انتقالية تضع يدها على جميع مؤسسات الدولة السورية الحكومية والعسكرية. والتي يفترض أن تضع دستوراً جديداً يمكن الحكومة الإنتقالية من الوصول إلى جميع الملفات الأمنية والإجراءات الأمنية في الجمهورية العربية السورية.
على المقلب الآخر حاولت روسيا تدوير زوايا القرار من خلال محاولاتها جمع المعارضة مع الدولة السورية في استانه في أوائل هذا العام من أجل إقامة حكومة مشتركة. وطبعاً هذا الإجتماع عارضته جميع القوى التي دعمت المعارضة المسلحة في الداخل، والتي عادت فيه المعارضة الخارجية إلى نغمة عزل الرئيس بشار الأسد من السلطة وتسليمها الحكومة المؤقتة، وبالطبع لم ولن توافق الدولة والقيادة السياسية في سوريا بتسليم جميع الملفات والقيادات الأمنية من جيش وأمن داخلي وخارجي وملفات استخبارية إلى أيدي الأغرار الجدد القادمين مع الأجندة الأميركية، لأن ذلك سيعرض الأمن القومي للدولة السورية للخطر وسيجعلها مكشوفة تماماً أمام الكيان الاسرائيلي ومن وراءه.
الملف الأمني الثاني، الذي سيكون معرضاً للخطر، هو ملف المقاومة ليس في لبنان فقط، بل في فلسطين والعراق أيضاً. اذ أن الدور الذي لعبته سوريا في دعم المقاومة في العراق ولبنان وفلسطين ليس خافياً على أحد ولكن كيف لعبت الدور وما هي الحيثيات، هو ما يسعى وراءه الأميركيون ومن خلفهم الإسرائيليون. وأما الملف الثالث وهو لا يقل أهمية عن الملفين السابقين، هو ملف السلاح الروسي المستخدم. لقد عرف التاريخ الكثير من العملاء خلال الحرب الباردة، التي شهدها العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى سقوط الإتحاد السوفياتي، الذين تم استقطابهم من قبل معسكري حلف وارسو والحلف الأطلسي والذين نقلوا معهم المعلومات العسكرية التي تعد عصب صناعة تسليح الجيش. وروسيا اليوم لن تسلم منظوماتها الدفاعية المتطورة التي نقلتها إلى سوريا إلى حكومة انتقالية تهيمن عليها كل من أمريكا وأخواتها. في الحقيقة، هذه هي الملفات الأهم التي يحاول الأميركيون ومن معهم اختراقها من خلال تنفيذ القرار 2254.
هناك مثل قديم في دمشق يقول: ” من لم يمت، كان شاهداً على من ماتوا”. أي بمعنى أنه ليس من الضروري أن تخوض التجربة نفسها التي مر بها الآخرون لتعرف النتائج. وتجربة العراق مع الإحتلال الأميركي ما تزال حاضرة في الضمير السوري، على المستويين القيادي والشعبي. وبالتالي فقرارت مجلس الأمن التي هندسها الأميركيون من أجل تفتيت المنظومة الأمنية والعسكرية في العراق، مايزال يحصدها هذا البلد حتى اليوم. والإنفلات الأمني الذي يعاني منه العراق، أحد أسبابه هو عدم قدرة الحكومات المتلاحقة والمتضاربة المصالح التأسيس لنظام أمني يحمي الدولة، وهو نظام تعمل به جميع الدول، ويتمثل بمؤسسات: الأمن القومي والأمن الدولي والمخابرات بأنواعها العسكرية والجوية والمدنية والأمن والشرطة والجيش وما يتفرع عنهما. هذه المؤسسات في الغالب تحافظ على ملفاتها السرية والتي لا يطلع عليها إلا قلة مختارة في الدولة. كما أن عمل هذه المؤسسات يكون همه الأول حفظ النظام وسلامة الدولة بغض النظر عن القيادة السياسية الحاكمة. وبالتالي فتعريض العراق لإنكشاف هذه المؤسسات وخصوصاً بعد حل الجيش والقوى الأمنية، هو ما أدخل العراق في آتون حالة أمنية مضعضعة. ومن يطلع على قرارات الأمم المتحدة التي صدرت من أجل إعادة تركيب السلطة في العراق، سيرى أنها تلتقي مع القرار 2254 في معظم البنود مع تغيير اسم الدولة من العراق إلى سوريا.
القراءة في القرارين الأممين المتعلقين بالعراق تكشف ما يعرض في القرار 2254، وبالتالي أسباب رفض القرار من الجانب السوري وخصوصاً فيما يتعلق بالحكومة الإنتقالية والذي يعني في مفاصل عديدة منه حل الدولة ومؤسساتها، والذي سيضع سوريا، كدولة مؤسسات، على طريق الفوضى الخلاقة والإقتتال الطائفي، بخاصة أنه في القرارات الأممية المتعلقة بكل من العراق وسوريا، يتم التفصيل في الحديث عن المجموعات الطائفية والعرقية والدينية التي تشكل نسيج البلدين من أجل اللعب على هذا الوتر فيما بعد.
فالعراق الذي كان يعد بلداً ذو نظام علماني، لم تكن السلطة المطلقة، التي تمتع بها صدام حسين، لها علاقة بكونه سنياً أو شيعياً أو حتى صابئياً، ولكن القوة التي استمدها عندما تخرج من السفارة الأميركية في العام 1968 ليستلم الحكم في العراق، وهي التي دربته على سحق الشعب العراقي، ليخرج العراق من قهر صدام في العام 2003 إلى الاحتلال وصراع لا نهائي على السلطة فيه وهو يعيش اليوم في كل لحظة خطر التقسيم. الأمر ذاته ينطبق على قرار جنيف1 الذي يطالب القرار 2254 بتطبيقه، والذي طالب بمراعاة مصلحة جميع الأعراق والطوائف، ليلمح أن سوريا هي بلد لا يمنح الدستور والقانون فيها الحقوق لجميع أفراده بالتساوي أمام القانون. وهذا سيؤدي إلى التأسيس لنزاعات داخلية وسيحول الحرب على سوريا من حرب الدول المتصارعة عليها، إلى حرب أهلية وفوضى داخلية لا أحد يعلم تاريخ الخروج منها، ومن ثم يتم تسليم سوريا لقبضة الجماعات التكفيرية، التي ستنفذ المصالح الأميركية والغربية، المستفيد الوحيد من فوضى الدول التي تستهدفها.
العهد