الثلاثاء , نوفمبر 26 2024

Warning: Attempt to read property "post_excerpt" on null in /home/dh_xdzg8k/shaamtimes.net/wp-content/themes/sahifa/framework/parts/post-head.php on line 73

لماذا ترفض واشنطن تزويد سوريا منظومة إس-300؟

لماذا ترفض واشنطن تزويد سوريا منظومة إس-300؟

الرد الأميركي الحاد على تسليم سوريا منظومة الصواريخ لم يتأخر، إذ أعلن مستشار الأمن القومي جون بولتون معارضة بلاده الشديدة لتزويد سوريا بنظام متطور، معتبراً الخطوة “تصعيداً خطيراً،” وناشد موسكو “إعادة النظر” بقرارها.

وفي نفس اليوم، أعلن الكرملين عن إجراء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين محادثة هاتفية مع الرئيس السوري بشار الأسد يعلمه بقرار موسكو دعم الدفاعات الجوية.

فتصنيع منظومة “إس-300” عام 1975، للدفاع عن منشآت عسكرية واقتصادية ذات طبيعة استراتيجية، كالمؤسسات الصناعية والقواعد والمراكز العسكرية، دخلت الخدمة الميدانية عام 1979، وشهدت تطويرات عدة آخرها عام 1997، حيث أطلق عليها “إس-300 بي أم أو فافوريت”، بلغ سعرها في الأسواق الدولية نحو 250 مليون دولار “للكتيبة الواحدة”.

مصادر حلف الناتو تشير إلى أن النماذج الحديثة من المنظومة “هي من أكثر الدفاعات الجوية تقدماً”، وباستطاعتها التصدي لصواريخ باليستية تتجاوز سرعتها 4500 متر في الثانية، والتعامل مع “24 طائرة أو 16 صاروخاً باليستياً حتى مسافة 250 كلم في وقت واحد، وإطلاق 48 صاروخاً.. يتم إطلاق صاروخين على كل هدف بفارق زمني لا يتجاوز 3 ثواني؛ يستغرق أعدادها للاشتباك (النشر والطي باللغة العسكرية) نحو 5 دقائق وهي في حالة الحركة وهو وقت قصير إلى حد بعيد.” (شبكة “بي بي سي،” 25 أيلول/ سبتمبر الجاري).

وتتضمن الكتيبة الواحدة من هذه المنظومة راداراً بعيد المدى لاكتشاف الاهداف المعادية، وعربة قيادة تقوم بتحليل البيانات، و6 عربات تعمل كمنصات إطلاق للصواريخ ( كل عربة تحمل ستة صواريخ) وراداراً قصير المدى يقوم بتتبع الأهداف وتوجيه الصواريخ نحوها.

وأوضحت الشبكة أن عربات “إس-300 بي أم أو فافوريت،” (سام-10 وفق تصنيفات حلف الناتو) ستمكن سوريا “صد 96 صاروخاً معادياً دفعة واحدة، وإطلاق 192 صاروخاً صلية واحدة” وهي قادرة على التحرك وتغيير مواقعها خلال دقائق لمنع العدو من تحديد مواقعها بعد إطلاق صواريخها. كما أن نظام الرادار قادر على تحديد الصواريخ المضادة للرادارات المتجهة نحوه ومن ثم إغلاقه فوراً وتشغيل نظامي التمويه وإعاقة الإشارات الإلكترونية.

سلاح التشويش الإلكتروني المعلن عنه مؤخراً هو من طراز “كراسوخا-4 Krasukha” دخل الخدمة عام 2012 “والفريد الذي لا يوجد له مثيل..” تستخدمه القوات الروسية لحماية مواقعها بالقرب من محافظة اللاذقية، باستطاعته “التشويش على أنظمة الرادار للعدو، وأعطاء معلومات غير صحيحة عن المواقع أو إبطال قدرته.” ووفق المجلة العلمية الروسية، “تكنولوجيا الراديو الالكترونية”، فإن النظام المذكور يستخدم “الميكروويف.. لزيادة قوة الإشعاع والتشويش، وتوسيع نطاق الترددات لأنظمة الهوائيات بزيادة القدرة المشعة”.

الأدبيات والتقارير العسكرية الغربية تعتبر “النظام الروسي بأنه يحول دون عمل الأقمار الاصطناعية للاستطلاع.. وقادر أيضاً على تعطيل مجال الرؤية للرادارات لاستشعار الطائرات المقاتلة”. بإمكانه أيضاً “..التشويش على نظام رادار واحد من مركبة أقمار اصطناعية وإشارة من نظام مراقبة مشترك للهجوم على الهدف “نورثروب غرومان E-8″ أو 11 أشارة من نظام رادار من طائرات الاستطلاع التكتيكي،” كطائرة “غولف ستريم جي-550” المعدلة لدى سلاح الجو “الإسرائيلي”.

من الثابت حتى الآن أن نظام كراسوخا-4، أو الجيل القديم كراسوخا-2، لم يتم تصديرهما لأي دولة أخرى، مما يعيق مساعي دول حلف الناتو و”اسرائيل” للحصول على بيانات مفصلة، لا سيما وأنه سيكون تحت إشراف وإدارة طواقم روسية في سوريا.

وأوضح موقع فايس Vice الأميركي الإلكتروني أن القوات الروسية في سوريا فعّلت نظام التشويش وعرقلت “وصول بيانات نظم الإحداثيات (جي بي إس) لطائرات الدرونز” أميركية الصنع، مما يعزز احتمالات وجود بيانات ذات طبيعة تقنية لدى منظومة حلف الناتو و”اسرائيل” عن نظام كراسوخا.

وكالات الأنباء والصحف العالمية أوضحت منذ عام 2015 أن الطيارين “الإسرائيليين” تدربوا على كيفية التعامل مع منظومة الدفاع الجوي إس-300 ، بالتدرب على طراز المنظومة التي اشترتها قبرص قبل 18 عاماً، ومقرها في جزيرة كريت، وتمّ تشغيلها أثناء المناورات الجوية المشتركة بين سلاحي الطيران “الاسرائيلي” واليوناني.

طلبت الولايات المتحدة من اليونان تشغيل إس-300 مرة واحدة على الأقل، مما سمح للطيارين “الإسرائيليين” معرفة طريقة عمل رادار التعقب في منظومة إس-300 للأهداف المعادية والتعامل معها وجمع معلومات عن الرادار المتقدم للمنظومة وكيفية التحايل عليه. ومن المسلمات العسكرية أن البيانات التي بحوزة “اسرائيل” عن رادار المنظومة تمّ إطلاع حلف الناتو والولايات المتحدة عليها بشكل خاص.

وكالة “رويترز” للأنباء أوردت عام 2015، عن الخبير الروسي لدى المعهد الملكي في لندن، إيغور سوتياغين، قوله إن توفير فرصة التعامل مع منظومة أس-300 الموجودة في جزيرة كريت اليونانية هو كل ما يمكن أن تطمح إليه “إسرائيل” لدراسة ترددات الرادار وذبذباته ومداه وحينها يمكن معرفة كيفية التعامل مع هذه المنظومة وتفادي أخطارها، حسب قوله.

في السياق نفسه، فالولايات المتحدة وحلف الناتو لديهما بعض الميزات التقنية التي ربما ستساعدها على “فك شيفرة” منظومة إس-300، والمتمثلة بنظام التحكم على متن صواريخ كروز الأميركية التي تعمل وفق بيانات “خريطة طريق” معدة سلفا تتحكم بوصول الصاروخ لهدفه، برغم عدم دقة الإصابة، والتي قد تعجز منظومة إس-300 عن التحكم به، وذلك قبل أن تتغلب التقنية الرقمية والتطورات الحديثة في نظم تحديد الإحداثيات للمواقع المستهدفة.

استمرار “اسرائيل” في محاولة اختراق الأجواء السورية سيتواصل، على الأرجح، بوتيرة أعلى ونطاق حذر أشد وبطريقة اختبارية وليس هجومية، بيدَ أن الكلفة التي يتعين عليها دفعها ستكون أكبر حجماً وإيلاماً عما سبق إذا لجأت لتنفيذ غارات كالمعتاد. وربما ستضطر لتشغيل مقاتلاتها الأميركية الحديثة، اف-22 و اف-35، لما تتميزان به من قدرات عالية على التخفي، وتعزيز غاراتها باستخدام منظومة تشويش الكترونية خاصة بها، طائرات “غولف ستريم جي-550”.

المعلومات الاستخباراتية التي قد تجمعها المقاتلات “الاسرائيلية” ستشارك الولايات المتحدة وحلف الناتو بها أو ببعضها، وقيم الولايات المتحدة بتطوير تقنية مقاتلاتها وفق نسق ما تمّ الحصول عليه.

وفي المعلومات التقنية المتوفرة أن سطح طائرة الاستطلاع أكبر بكثير من سطح المقاتلة “الاسرائيلية،” إذ أن مساحة جناح الطائرة الروسية تبلغ 14 متراً مربعاً لكل منهما، “وتوّلد إشارة أكبر على أجهزة الرادار، ويلتقط الصاروخ المضاد تلك الإشارة ويتوجه تلقائياً نحو مصدرها لتدميره”.

وحول قدرات طائرة الاستطلاع على المناورة الجوية أوضح “خوستوف” أن على متنها نظام تحذير من هجوم صاروخي، لكن من الصعب عليها القيام بمناورة سريعة والهروب بعيداً عن صاروخ يطارها.

استعراض القوة العسكرية في البحر المتوسط يشتد سخونة بين القوتين العظميين اللتان تطلقا إشارات متواصلة عن مدى جهوزيتها وتعزيز ترسانتها الحربية، جواً وبحراً.

روسيا أجرت مناورات حربية “غير مسبوقة” فوق المتوسط استخدمت فيها أسلحة وذخائر حية بعضها لأول مرة تمثل في أطلاقها صواريخ موجهة مضادة للسفن، KH-35U، حققت أهدافها في تدمير اسطول من السفن. البيانات الأولية تشير إلى أن تلك الصواريخ “عصية” على تعقب نظم الدفاع الصاروخي المعادية؛ باستطاعتها تدمير سفينة حربية زنتها 5،000 طن، من على بعد 250 كلم.

الولايات المتحدة، من جانبها أيضاً عززت من حضورها العسكري الكثيف أصلاً المنتشر في عموم المنطقة. بعد الهزائم المتتالية التي تلقتها الجماعات المسلحة في سوريا، وخسارة مؤيديها في الباكستان، وانكشاف منسوب تدهور المخطط الأميركي لتفتيت المنطقة بالصراعات الطائفية، لجأت إلى سياساتها القديمة بتشكيل “تحالفات” على غرار حلف بغداد، ظاهرها التصدي الجماعي لإيران وباطنها استخدام الأدوات العربية ضد بعضها البعض.

في هذا السياق أعلن وزير الخارجية الأميركية، مايك بومبيو، عن تشكيل “حلف استراتيجي في الشرق الأوسط”، يضم دول مجلس التعاون الخليجي بالإضافة للاردن ومصر، بعنوان التصدي لإيران. هذا على الرغم من أن مصر خرجت من “التحالف الذي تقوده السعودية” في عدوانها على اليمن عام 2016. من المرجح أن وجود مصر مرة أخرى يوفر غطاءً إقليمياً للتحرك الجديد، بينما استدراج الأ ردن للانضمام لا يشي بأي جديد.

استراتيجية الولايات المتحدة المفضلة هي “إدارة الأزمات،” وليس حلها، كما عبر عنها مراراً أركان المؤسسة الحاكمة مثل كيسنجر وزبغنيو بريجينسكي. حضور روسيا المكثف والمرئي هذه المرة يؤشر إلى تسعير الولايات المتحدة لساحات اشتباك أخرى.
الميادين