المستجدات الأميركية والمعادلات الروسية
رزوق الغاوي
جملة تطورات دراماتيكية طرأت في هذه الآونة على الساحتين السورية والإقليمية، وإلى حدٍ ما على العلاقات الدولية، حملت من حيث مضامينها وخلفياتها ما يُشير إلى ضلوع الولايات المتحدة الأميركية في تلك التطورات، فيما اتسع طيف تداعياتها، ليبلغ مبلغاً دراماتيكياً أرخى بظلاله على المنطقة وبعض العالم، من شواطئ اللاذقية حيث أُسقِطَت الطائرة الروسية «إل 20» بعسكرييها الأربعة عشر الذين كانوا على متنها، حتى جنوب غرب إيران حيث مجزرة الأهواز التي أسفرت عن نحو ثلاثين ضحية وعشرات الجرحى معظمهم من الأطفال والنساء.
تطوراتٌ أخرى تمثلت بالعقوبات الأميركية على كلٍ من روسيا وإيران والصين، مع ما يستتبع كل حدثٍ من تلك الأحداث من تداعيات وردود أفعال يصعبُ إلى حدٍ كبير التكهن حول ماذا سيكون نوعها ومداها وفي أية خانةٍ ستصب ولمصلحة من ستأتي.
لو مررنا سريعاً على جوانب تلك الأحداث، سنقف على خلفياتٍ وأهدافٍ تستند إلى جوهر السياسة العامة للولايات المتحدة الأميركية والمنبثقة من تلك السياسة المعادية للبلدان المستقلة والشعوب الحرة، وتوظيف تلك السياسة في خدمة الرأسمالية المتوحشة التي انكشف وجهها الحقيقي بعد وقتٍ قصير من ممارسة أساليب الكذب والمراوغة والنفاق السياسي وتلطيها في ذلك وراء ستار الدفاع عن الحريات وحقوق الإنسان.
هنا نتساءل:
بأي منطقٍ يتسبب الكيان الصهيوني بإيحاءٍ أميركيٍ في سقوط طائرة «إل20» الروسية؟ حيث تم الأمر بتخطيط خبيث يندرج في خانة العدوان الإجرامي البشع.
بأي منطقٍ نفذ إرهابيون مجزرة في مدينة الأهواز أسفرت عن عشرات الضحايا والجرحى؟ حيث تم الأمر بترتيب من قبل دوائر المخابرات الأميركية وعملائها في تلك المنطقة.
هل هناك مسوغ منطقي واحد لذهاب الإدارة الأميركية باتجاه انتهاج أسلوب العقاب الجماعي وإطلاق جملة من العقوبات جزافاً يمنة ويسرة على روسيا والصين وإيران وغيرها من الدول والشخصيات السياسية والعامة والمؤسسات العسكرية مثل وزارة الدفاع الصينية، والاقتصادية والإعلامية والإغاثية؟
ما يمكن قوله في الحالة الأميركية التي واجهناها من قبل ونواجهها الآن، أن إدارة دونالد ترامب ماضية في محاولاتها الراهنة الجديدة لتأجيج التوتر في الساحتين العربية والإقليمية وفي العلاقات الدولية، وخلط الأوراق على أكثر من صعيد سوري وعربي وإقليمي ودولي، وهذه الإدارة توشك على الانتهاء من تشكيل ناتو عربي تحت اسم «تحالف الشرق الأوسط الإستراتيجي ــ ميسا» يضم مصر والأردن ودول مجلس التعاون الخليجي، من ضمن أهدافه تنسيق عملية إدارة الصراعات من سورية وصولاً إلى اليمن، وقد جاءت تلك المحاولات بعد أن أيقنت واشنطن بأن مخططاتها العدوانية المعاصرة قد بدأت بالسقوط، بعد إخفاقها بمحاولة إسقاط الدولة السورية وتفتيت جغرافيتها، ما دفع مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون للاستدراك بالهروب إلى الأمام، على سبيل المثال لا الحصر، بإطلاق التهديد باللجوء إلى إجراءات متطرفة ضد منظومة صواريخ «إس 300» التي بدأت موسكو تزويد سورية بها، معتبراً أن تسليم المنظومة إلى سورية يعدّ تصعيداً خطيراً على حد تعبيره، في حين تؤكد موسكو أن تزويد سورية بتلك الصواريخ من شأنه حماية سورية ومنشآتها المدنية والعسكرية والاقتصادية والعلمية من أي عدوان خارجي.
في مقابل تلك المواقف الأميركية، برزت مواقف تعبر عن جدِّيَة موسكو وبكين في التصدي لها بطرق مباشرة وغير مباشرة، فإلى جانب تزويد سورية بصواريخ «إس 300» الدفاعية، تأتي صفقة تزويد روسيا للصين بمقاتلات «سو 35» ومنظومة صواريخ «إس 400»، وتلويح موسكو بالتخلي عن الاعتماد على الدولار الأميركي، واشتراك القوات الصينية مع نظيرتها الروسية في مناورات «فوستوك 2018» الضخمة التي نظمتها روسيا مؤخراً، ما يعني أن موسكو وبكين ماضيتان في وضع حدٍّ للمغامرات التي تقوم بها إدارة ترامب وللمبالغة التي تحكم ممارسات هذه الإدارة في محاولات فرض إرادتها وهيمنتها على الساحة الدولية، من خلال التدخل في الشؤون الداخلية للدول المستقلة عموماً، وللدولتين الكبيرتين روسيا والصين بشكل خاص، ما حدا بنائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف لتحذير واشنطن من مغبة تصرفاتها مؤكداً «أنه سيكون من الجيد للأميركيين أن يتذكروا مفهوم الاستقرار العالمي الذي يهزّونه من دون تفكير، عبر تصعيد التوتر في العلاقات مع روسيا»، معتبراً أن «اللعب بالنار أمر غبي لأنه يمكن أن يصبح خطيراً».
كذلك جاء الرد الصيني شديد اللهجة متناغماً ومتفقاً مع الرد الروسي، حيث دعت بكين واشنطن إلى التراجع فوراً عن قراراتها وإلا فعليها تحمّل العواقب، معتبرة أن الإدارة الأميركية انتهكت بشكل خطير المبادئ الأساسية للعلاقات الدولية.
موقف الصين المتشدد حيال العقوبات الأميركية المفروضة عليها، تبعَه موقف أوروبي تمثل بإعلان الاتحاد الأوروبي العزم على إنشاء «كيان قانوني لمواصلة التعاون الأوروبي الإيراني» بغية التملص من العقوبات الأميركية، وفي السياق أعلنت وزيرة خارجية الاتحاد فيديركا موغيريني أن الدول الأعضاء فيه بصدد إنشاء هذا الكيان القانوني لتسهيل المعاملات المالية المشروعة مع إيران، ما سيتيح للشركات الأوروبية مواصلة التجارة مع إيران وفقاً للقانون الأوروبي، مع وجود إمكانية لانضمام بلدان أخرى لهذا الكيان.
ليست غريبةً أو غير متوقعة تلك المستجدات التي تنطلق من السياسة العامة للولايات المتحدة الأميركية، المحكومة بعقلية «الأنا المتضخمة»، لكن هل سيُتركُ حبلُ الممارسات والسيناريوهات الأميركية على غاربه؟ تساؤلٌ مشروع تجيب عليه ردود فعل المعسكر المناهض للسياسة العامة الأميركية وتشعباتها عبر ردود فعل تجسدها معادلات روسية ذات خطوط حمراء يصعب على التطرف الأميركي اختراقها.
الوطن