“إردوغان” بين مِطرقة “بوتين” وسندان المجموعات الإرهابيّة
غسان الاستانبولي
جميعنا لاحظَ أن الرئيس التركي خرج مُمتعِضاً من القرار الروسي خلال القمّة الثلاثية الّتي عُقِدَت في طهران، وقد بادر بإرسال أعدادٍ كبيرةٍ من جنوده إلى الحدود السورية، وكان لافتاً ما صرّحه بأنّ هذه القوات هي جزء من الحلف الأطلسي، في إشارةٍ واضحةٍ إلى روسيا بأنّه سيقوم بالانقلاب على كلّ التفاهمات السابقة، والعودة إلى الحضن الأميركي إن لم تتم تلبية طلبه وتأجيل العملية العسكرية في إدلب.
كان واضحاً أنّ معركة تحرير محافظة إدلب ستأخذ وقتاً أطول ممّا كان مُتوقّعاً، كونها باتت المعركة الأكثر مفصليّة في الحرب السورية، ولأنّ الدولة السورية ستخطو الخطوة الأكبر والأهمّ في إنجاز النصر النهائي عندما تحسم هذه المعركة كما هو متوقَّع. بينما يسعى الطرف الآخر إلى وقف النجاحات العسكرية السورية عند هذا الحد، لعلّه ينال بعض المكاسب هنا أو هناك، ولذلك وقبل خوض هذه المعركة كان على سوريا ومن معها أن يقوموا بترتيب كل التفاصيل، وأن يتوقَّعوا كل الاحتمالات الّتي قد ترافق عمليّة التحرير هذه، وذلك بغضّ النظر عن مسألة الوقت، مع أنها مسألة ضرورية بالنسبة للقيادة السورية، ولكنّ الأهمّ هو إنجاز هذه المعركة ولو تأخّرت قليلاً، والشيء الآخر المُهمّ هو أن يتمّ هذا الإنجاز بأقل الخسائر البشرية والمادية، وهذا ما يُوفّره الاتفاق الأخير بين الرئيسين الروسي والتركي خلال القمّة التي عُقِدَت بينهما في مدينة “سوتشي” الروسية.
اتفاق” سوتشي” يُرضي الطموح السوري
إن ما تم تسريبه عن هذا الاتفاق والذي كان بموافقة سوريا، يصبّ بشكلٍ كبيرٍ في صالح الدولة السورية، ولا سيما أنه سيتكفَّل بتحرير مناطق واسعة ومهمّة من دون أيّة خسائر، حتى ولو تمّ تنفيذ هذا التحرير على مراحل، تبدأ مرحلته الأولى بفتح طريق حلب دمشق، وطريق حلب اللّاذقية وتنتهي بتسليم هذه المناطق للدولة السورية. وقد يكون ما لم يُعلَن عنه من بنود هذا الاتّفاق أهم بكثير مما تمّ الإعلان عنه، ولعلّ الأهم هو أن تتدحرج مناطق العزل التي سيتمّ تسليمها لاحقاً للدولة السورية لتشمل مدينة إدلب وصولاً إلى الحدود التركية.
المأزق التركي
جميعنا لاحظَ أن الرئيس التركي خرج مُمتعِضاً من القرار الروسي خلال القمّة الثلاثية الّتي عُقِدَت في طهران، وقد بادر بإرسال أعدادٍ كبيرةٍ من جنوده إلى الحدود السورية، وكان لافتاً ما صرّحه بأنّ هذه القوات هي جزء من الحلف الأطلسي، في إشارةٍ واضحةٍ إلى روسيا بأنّه سيقوم بالانقلاب على كلّ التفاهمات السابقة، والعودة إلى الحضن الأميركي إن لم تتم تلبية طلبه وتأجيل العملية العسكرية في إدلب. يأتي ذلك برغم القناعة التركية بأن ورقة إدلب قد سقطت من يدها، وقد أضحى كل مُناها هو إبعاد الخطر الكردي عن حدودها، وتشكيل حاجزٍ بشريٍ على الحدود السورية التركية قوامه عناصر الفصائل التي تعمل بإمرتها، والتي ستقوم بمنحهم الجنسية التركية لاحقاً… هذا مُنتهى الطموح التركي حتّى ولو صرَّح المسؤولون الأتراك بتصريحاتٍ لا قيمة لها، كأن يقولوا بأنهم ذاهبون لتحرير شرق الفرات من التواجد الكردي وأنّ ما حصل في مدينة عفرين سيحصل في غيرها.
السيناريوهات التركية المُحتَملة
بعد تمرّد معظم المجموعات المسلّحة على قرار أردوغان، بات خياره الوحيد هو دفع المسلّحين الخاضعين تحت إمرته للقضاء على المتمرّدين، بدعمٍ ناري ولوجستي تركي، ولكن من الصعب أن يُكتَب النجاح لهذا السيناريو بسبب كثرة عدد المتمرّدين وراديكاليتهم، ولاسيما أنّ معظمهم من الأجانب الذين أتوا لينتصروا أو يموتوا، هذا بالإضافة إلى انضمام عناصر من داعش مؤخّراً إلى صفوفهم.
هنا ستكون تركيا مُضطرّة إلى دفع جيشها نحو المعركة، ما يترتّب عليه خسائر كبيرة لا مفرّ منها إلّا من خلال التنسيق مع الجيش السوري لحسم المعركة، بحيث تكون هذه الخطوة مُقدّمة لبدء العملية السياسية من تسويات ومصالحات لمدينة إدلب وبقيّة المناطق. ولمَن يقول بأنّ هذا الكلام هو نوعٌ من الأمنيات، نقول له بأنّ عمليّة تحرير الجنوب السوري مازالت ماثلة في الأذهان.
أما إذا أراد أردوغان التنصّل من الاتّفاق فإنّ القيادة العسكرية السورية قد دفعت بأعدادٍ كبيرةٍ من جنودها إلى شمال وغرب مدينة حلب (تل رفعت – نبل – الزهراء) في خطوةٍ استباقيةٍ تحمل ثلاثة أهداف، الأوّل هو تحصين مدينة حلب، والثاني هو تشكيل قاعدة انطلاق لمحور هجوم مُرتَقب، والثالث هو تهديد الوجود العسكري التركي في إدلب من خلال إمكانيّة الالتفاف وإغلاق الحدود، وتطويق عناصر الجيش التركي ومجموعاته الموجودة في إدلب.
وبطبيعة الحال، فمن الطبيعي أن تكون القيادتان السورية والروسية قد وضعتا في الحسبان احتمال عودة الرئيس التركي لممارسة بهلوانيّاته ، وإن حصل ذلك فإنّ الحشد العسكري السوري مع الحلفاء والأصدقاء أعدّوا ما يلزم لإنجاز معركة إدلب بل وما بعدها. ومن المؤكّد أن الردّ الروسي على إسرائيل بعد إسقاط طائرة الاستطلاع الروسية، سيكون حاضراً في ذهن أردوغان ليتنبّه أنّ زمن البهلوانيّات قد انتهى، وأنّ الحرب على سوريا يجب أن تنتهي.
الميادين