نقاط على حروف حرب تشرين التحريرية
عبير بسام
يوم السادس من تشرين الأول/أكتوبر 1973 يجب أن لا يغيب عن الذاكرة، ليس في مصر وسوريا وحدهما، بل في ذاكرة كل عربي.
الحرب التي أثبتت أن التعاضد العربي وأن عقد النوايا من أجل تحرير الأرض العربية يمكنه أن يأتي بنصر مؤزر. وأن فصل الجبهتين المصرية والسورية كان لمصلحة إسرائيل. وأن التبخيس من الأهمية العسكرية لإنجازات “حرب تشرين” لن يقلل في الحقائق والوقائع والنتائج وحتى التخاذل المصري على الجبهة المصرية لن يقلل من أهمية الإنجاز العسكري والسياسي السوري منفرداً على الجبهة السورية.
هناك العديد من المثقفين والسياسيين العرب الذين يحاولون التقليل من أهمية الحرب ونتائجها، وذلك على الأقل من خلال الأحاديث الخاصة، التي تصور الحرب على أنها هزيمة بشكل من الأشكال ويقلل من نتائجها على صعيد الميدان أو النتائج المعنوية التي ترافقت مع انتصار حرب تشرين على الصعيدين العربي والإسرائيلي. غير أن كتابات الإسرائيليين تظهر هول المفاجأة التي تعرضوا لها. وأن النتائج التي حصدها كل من المصري والسوري، أمام جيش تجهيزاته القتالية توازي التجهيزات الأميركية واستعادة كل من سيناء ـ وإن من خلال معاهدة السلام وللأسف ـ أو استعادة القنيطرة ليسا بالأمر البسيط، بل هو إنجاز عظيم.
ولذا فمن المهم الالتفات إلى ميزات “حرب تشرين”، التي تجعلها تختلف عن أية حرب عربية قبلها أو بعدها مع الإسرائيلي. فقد كانت الحرب الأولى التي تشن بقرار وتخطيط عربي، والتي استعادت بموجبها الدول العربية أراضي محتلة بدلاً عن خسارة المزيد من الأراضي كما جرى في الحروب السابقة، والتي شاركت بها عدد من الدول العربية، ومنها الأردن والمغرب والعراق والكويت وتونس والجزائر وليبيا والسودان على الجبهتين السورية والمصرية. وقد اندفع للمشاركة في حرب تشرين طيارون باكستانيون، الأمر الذي يدل على ارتفاع المعنويات ليس فقط في الجانب العربي، بل حتى على المستوى الإسلامي والداعم لقضية فلسطين.
عنصر المفاجأة كان من ميزات حرب السادس من تشرين، والذي كان من العوامل الهامة في إحراز الضربات الموجعة والتي أدت إلى استعادة محافظة القنيطرة، وببسالة الجيش السوري، الذي استطاع تجاوز خط “آلون” وهو خط الدفاع الذي أقامه الإسرائيلي في الجولان بطول 70 كم، والذي يشابه في تحصيناته خط “بارليف” على الجبهة المصرية. كما قام الجيش السوري بإنزال مروحي استعاد فيه مرصد جبل الشيخ وقام بتحرير الجبل، الذي كان شاهدًا على معارك شرسة بالسلاح الأبيض. تتابع الهجوم السوري في الجولان المحتل غير أن صدور القرار الأممي 338 في 22 تشرين الأول/ أكتوبر بوقف إطلاق النار وقبول مصر له أصاب السوريين بالصدمة واضطرها إلى تنفيذ خطة الهجوم المضاد، واستمرت سوريا بالقتال على جبهة الجولان. وكانت منذ 13 تشرين الأول/ أكتوبر 1974 قد بدأت حرب استنزاف من جديد، لتستمر 80 يوماً، حتى توقيع اتفاقية فصل القوات السورية والإسرائيلية في 31 أيار/ مايو 1974، وانسحاب إسرائيل من القنيطرة وأجزاء من الأراضي المحتلة.
ولولا المفاجأة بتوقف الجيش المصري عن القتال لكان الجيش السوري قد وصل إلى بحيرة طبرية، تمامًا كما وضعت الخطة الأساس، والتي تمت هندستها منذ العام 1970، أي في زمن الرئيس جمال عبد الناصر وكانت تدعى آنذاك الخطة 200، وتطورت الخطة والتي اتخذت شكلها النهائي في كانون الثاني/ يناير من العام 1973 والتي خططت للهجومين المتزامنين من الجبهتين السورية والمصرية، أي قبل تسعة أشهر من انطلاق شرارة الحرب، وهذا من العوامل التي أرعبت الإسرائيليين وهي بالتالي دلت على ضعف العمل الاستخباراتي العسكري لديهم، وعلى تماسك ودقة المؤسستين السورية والمصرية، وحتى العمل العربي الموحد.
لقد لجأ العرب إلى المفهوم السائد، ألا وهو: إن الحرب خدعة. فعلى الرغم مما كشفته الوثائق الإسرائيلية بأن رئيس “الموساد” آنذاك “تسيفي زامير” كان قد اجتمع بالعميل المصري أشرف مروان في 5 تشرين الأول/ اكتوبر، أي قبل يوم من بداية “حرب تشرين” إلا أن “غولدا مائير” تقول في مذكراتها التي حملت عنوان “حياتي”: ” ليت الأمر اقتصر على أننا لم نتلق إنذارًا فى الوقت المناسب، بل إننا كنا نحارب على جبهتين فى وقتٍ واحد، ونقاتل أعداءً كانوا يعدون أنفسهم للهجوم علينا من سنين”، وقد رأت في ذلك كارثة ساحقة وكابوسًا عاشته بنفسها وسيظل باقيًا معها طوال الحياة.
قال آرئيل شارون، الذي كان قائد الفرقة 142 المدرعة خلال “حرب تشرين”، في كتابه “المحارب”، بعد 24 ساعة من بداية الحرب اتجهنا جنوبًا إلى الصحراء وكانت هناك حالة من الفوضى ونظر إليّ أحد الضباط بذهول وقال لي: “إن هذا أمرًا لا يصدق يا سيدي إننا لا نستطيع إيقافهم .. لا نستطيع إيقافهم”، ثم يضيف شارون أنه في يوم واحد: “قُتل نحو 300 مجند وأصيب 1000، قضينا ليلة من أسوأ الليالي في حياتنا”. هذا مع العلم أن هناك بعد الوثائقيات التي تحاول أن تتحدث عن قتال مستميت من قبل الإسرائيليين، والذي يتحدث عن هجوم الدبابات الليلي في ساعة الصفر في حين أن حرب تشرين ابتدأت في الساعة الثانية عشرة ظهرًا، والذي يظهر المحاولات الإسرائيلية البائسة من أجل رفع معنوياتهم.
جاءت “حرب تشرين” في يوم “سبت الأسبات” الذي تحتفل فيه اسرائيل بعيد الغفران. وهو في الأيام العشرة الأوائل من شهر تشرين الأول/أكتوبر، وهو مناسبة دينية هامة بالنسبة للإسرائيليين المتدينين الذين يصومون فيه ولا يقومون بأي عمل مهما يكون بسيطًا. اختيار هذا اليوم يعبر عن مدى الدقة التي توخّاها العمل العربي المشترك في ذلك اليوم والذي درس أصغر التفاصيل. و”يوم الغفران” هو اليوم الذي يقرّر مصير كل اسرائيلي خلال سنته القادمة، فعلى المستوى المعنوي تقرر يومها أن لا سلام ولا أمان لـ”إسرائيل” في منطقتنا العربية. وعلى مرّ السنين لا يستطيع الإسرائيليون قضاء هذا اليوم دون التفكر بهول مفاجأة الحرب، التي أرقت مضجع غولدا مائير حتى مماتها. وباعتراف قادتها، منذ العام 1973 أُضفي على عيد يوم الغفران جوّ من الحزن [إلى نهاية اسرائيل] بسبب ذكريات الحرب.
االعهد
Notice: Trying to get property 'post_excerpt' of non-object in /home/shaamtimes/shaamtimes.net/wp-content/themes/sahifa/framework/parts/post-head.php on line 73