السبت , نوفمبر 23 2024

Warning: Attempt to read property "post_excerpt" on null in /home/dh_xdzg8k/shaamtimes.net/wp-content/themes/sahifa/framework/parts/post-head.php on line 73

عطوان: من كان تحت الحصار دمشق أم عمان؟ ومن هو الخاسر الاكبر بفتح "معبر نصيب"؟

عطوان: من كان تحت الحصار دمشق أم عمان؟ ومن هو الخاسر الاكبر بفتح “معبر نصيب”؟
كنا دائما نطالب بفك الحصار العربي عن سوريا، وفتح الحدود على مصرعيها معها، لأن الشعب السوري قدم للأمة العربية الكثير الكثير، وخاض جيشه العربي كل حروبها، ورحب بكل اللاجئين العرب إليه دون تمنن، وعاملها معاملة المواطن السوري في التعليم والطبابة والوظائف، وما زال.
ندرك جيدا أن هناك أصوات في سوريا تشعر بالمرارة تجاه العرب والعروبة الذين خذلوا بلادهم، وشارك بعضهم في المؤامرة ضدها، وهي مرارة مبررة ومفهومة، ولكن ما يطمئن أن الحكومة السورية ما زالت تتمسك بالمواقف العربية القومية نفسها وتتسامى مع كل الجراح، وتقدم النموذج في كظم الغيظ، والتمسك بالقيم والأخلاق العربية الأصيلة.
تظل سوريا كبيرة، والحاضنة لكل الطموحات الوطنية الشريفة لأمتنا، مثلما يظل الشعب السوري الذي أفشل المؤامرة، وحافظ على وحدته الوطنية والترابية “المتفضل” على هذه الأمة بكرمه وأخلاقه العربية الأصيلة.
السلطات السورية لم تغير مطلقا من إجراءات دخول المواطنين الأردنيين الى أراضيها رغم تحفظاتها الكبيرة على مواقف الأردن أثناء الأزمة، وبات المواطن الأردني يعبر الحدود دون أي قيود أو تأشيرة دخول، رغم أن الجانب الآخر، أي الأردني، ما زال يضع قيودا على دخول السوريين تحت عنوان الاحتياطات الأمنية.
الأردن ولبنان المستفيد الأكبر من فتح الحدود الأردنية السورية، أما الكيان الصهيوني فهو أبرز الخاسرين في الجهة الأخرى، فهذه الخطوة ستدر على الخزينة الأردنية حوالي 400 مليون دولار سنويا، وستخلق آلاف الوظائف للسائقين الأردنيين وشاحناتهم، والأهم من ذلك أن الأردنيين سيوفرون عشرات الملايين من الدولارات سواء بسبب الخدمات السياحية السورية الجيدة والرخيصة، بالمقارنة مع الوجهات السياحية الأردنية الأخرى مثل تركيا ومصر ولبنان، ومن ثم انخفاض أسعار المواد الغذائية واللحوم السورية، وما بات يطلق عليه حاليا بسياحة “لتبضع”.
خمس آلاف شاحنة أردنية باتت جاهزة للعمل، ومن المتوقع أن تعود حركة المعبر إلى صورتها الطبيعية، أي أن تتجه هذه الشاحنات إلى لبنان، لنقل بضائع وصادرات لبنانية إلى دول مجلس التعاون في الخليج الفارسي، وتجارة الترانزيت هذه ستعود بالملايين حتما إلى الخزينة السورية كعوائد للرسوم الجمركية.
لم نبالغ إذا قلنا أن الكيان الصهيوني الذي كان من أبرز المعارضين لعودة فتح المعبر المذكور، ودعم بعض الفصائل التي كانت تسيطر عليه حتى اللحظة الأخيرة، تلقى لطمة قوية، سياسيا واقتصاديا، سياسيا لأنه لا يريد التعافي لسوريا، ويعارض أي رفع للحصار عنها، واقتصاديا لأن إغلاق المعبر أدى إلى مرور الكثير من البضائع التركية والغربية إلى الأردن، وربما دول مجلس التعاون في الخليج الفارسي، عبر ميناء حيفا، وفتح الحدود السورية الأردنية وعودتها إلى وضعها الطبيعي سيحرم هذا الميناء من دخل يومي كبير، لأن مرور البضائع عبر سورية أقل كلفة، ولأن مرور معظم التجار يعارضون أي صورة للتطبيع الاقتصادي مع دولة الاحتلال، مثلما قال لي أحد التجار الأردنيين.
تعيش المحافظات الأردنية الشمالية، وخاصة الرمثا وإربد حالة احتفالية غير مسبوقة بسبب إعادة فتح معبر نصيب الحدودي مع سوريا، فقد تبادل المواطنون التهاني، وأطلقوا النار في الهواء تعبيرا عن هذه الخطوة التي تعني الانسجام مع مشاعرهم القومية والسياسية القوية تجاه الجار السوري أولا، وانتعاش حتمي للأوضاع الاقتصادية بعد سبع سنوات عجاف من القطيعة.
الأردنيون بدأوا يتدفقون بالآلاف بسياراتهم إلى سوريا يوميا، ويعودون مبهورين بحالة الازدهار والاستقرار الأمني التي تتمتع به العاصمة السورية، والانخفاض الكبير في الأسعار، حتى أن أحد المواطنين الأردنيين قال “والله بعد زيارتي لدمشق ومعايشتي لأهلها، وتفقدي لمحلاتها التجارية، وازدحام المطاعم وتقديمها لخدماتها حتى الثالثة صباحا، وانخفاض أسعار السلع لأقل من النصف بالمقارنة مع نظيراتها الأردنية، بت أسأل من هي العاصمة المحاصرة دمشق أم عمان؟”.
سوريا تتعافى بسرعة، وستكون في القاطرة الرئيسية في تعافي أمتنا، والتصدي للكثير من المؤامرات الأخرى التي تستهدفها، فهذا قدرها، ولا نعتقد أنها ستتهرب منه.. والأيام بيننا.
عبد الباري عطوان / رأي اليوم