احذروا نهاية لعبة روسيا في سورية
القضية ليست مساعدة الأسد فقط، القضية تتعلق بعرقلة مصالح الولايات المتحدة
عانت روسيا من عدد من النكسات الاستراتيجية في محاولتها لتعزيز دورها كصاحب القرار النهائي في سورية. لقد أفسدت الولايات المتحدة، مع حلفائها السوريين –وانضمت إليها تركيا مؤخراً، ولو بشكل مؤقت– خطة بوتين والأسد لخلق”وهم السلام والاستقرار في سورية”. ذلك لأنهم يمنعون عودة نصف أراضي الدولة إلى سيطرتها.
في ضوء ذلك، يجدر تحليل رد الفعل الروسي على إسقاط نظام الدفاع الجوي السوري طائرة استخبارات روسية عن طريق الخطأ بسبب الهجوم الاسرائيلي . اتهمت موسكو “إسرائيل” بتعريض حياة الطيارين الروس للخطر بشكل متهور، وتمثلت استجابتها بإرسال العديد من بطاريات الدفاع الجوي S-300 الأكثر تقدماً إلى سورية. وفي حال تم تسليمها إلى الجيش السوري، فإن روسيا ستخترق بذلك خطاً إسرائيلياً أحمر طويل الأمد بشأن ما تسميه “أسلحة تغير اللعبة” بالنسبة إما للأسد والقوات الإيرانية أو حزب الله – فرعها اللبناني.
لكن، أدلى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ببعض التعليقات الغريبة بخصوص مرتفعات الجولان التي تحتلها “إسرائيل” منذ حرب عام 1967. وفي حديثه إلى مراسلي وكالة الأنباء الروسية “تاس”، قال لافروف «إن وضع هضبة الجولان يتم تحديده من خلال قرارات مجلس الأمن الدولي». وأضاف أن أي تغيير «سيكون انتهاكاً مباشراً لهذه القرارات».
من الممكن اعتبار بيان روسيا الأخير ناتجاً عن نوبة الغضب الروسية حيال إسقاط الطائرة. لكنه قد يكون مؤشراً على تغير استراتيجي ضمن إطار محاولة روسيا لتدمير تحالفات أميركا.
كانت روسيا تُعول على انسحاب الولايات المتحدة السريع من شمال شرق سورية للاستفادة من حقول النفط والغاز الطبيعي، التي يقع 90% منها تحت مواقع السيطرة الأمريكية والكردية. كما كان يُتوقع أن تنسحب تركيا من جيب إدلب، الأمر الذي سيسمح للحكومة السورية وحلفائها بإعلان نهاية الحرب بعد هجوم أخير حاسم لقوات الدولة. في نهاية المطاف، سيسمح ذلك لبوتين بإرسال رسالة مفادها أن سورية، في ظل الأسد، مفتوحة للاستثمار مرة أخرى. وهذا من شأنه أن يفتح السبيل لمليارات الدولارات من المساعدات الدولية وتمويل إعادة الإعمار لتصب أولاً وقبل كل شيء في صالح [سورية وروسيا].
ولكن في الآونة الأخيرة، لم تتكشف الخطوة النهائية من سباق الماراثون الروسي في سورية وفقاً للخطة، على الأقل من وجهة نظر موسكو. بادئ ذي بدء، لا يبدو أن الولايات المتحدة وحلفاءها السوريين سيغادرون في أي وقت قريب، ويبدو أن تركيا تحتفظ بمواقعها في إدلب. كما قامت إدارة ترامب بتشكيل مجموعة صغيرة من دول أوروبا والشرق الأوسط للعمل من خلال الأمم المتحدة وإعادة تنشيط عملية السلام المتعثرة في جنيف. ومن بين المبادئ الرئيسة الأخرى التي اتفقوا عليها بالإجماع، هي أنه لن تكون هناك “مساعدات دولية لإعادة البناء في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة السورية، في غياب عملية سياسية ذات مصداقية تقود بشكل واضح إلى الإصلاح الدستوري وانتخابات تحت إشراف الأمم المتحدة”.
هذا يستبعد عملية أستانا التي تقودها روسيا، والتي تهدف إلى “إصلاحات على الورق”، والحفاظ على نفس هيكل السلطة، وكذلك على حكم الرئيس الأسد. علاوة على ذلك، يعتمد الجهد الروسي على مشاركة تركيا، الأمر الذي يبدو أقل احتمالاً، وذلك نتيجة للجهود الدبلوماسية الأمريكية الأخيرة. بعد حلول الذكرى الثالثة لانخراط روسيا عسكرياً في سورية، كان بوتين يأمل بأن يحتفظ بحقيبة الديون المتنامية، وبشيء في متناوله، أكثر مما هو بمتناول إيران.
بطبيعة الحال، حاولت روسيا الحيلولة دون تقليص موقعها، لكنها فشلت في التوصل إلى تلك التفاهمات خلال قمة منتصف الصيف بين الرئيسين ترامب وبوتين في هلسنكي. لذلك منذ منتصف تموز/يوليو وما تلاه، تظاهرت موسكو بعقد صفقة مع ترامب سابقاً، وكل ما بقي هو بعض التفاصيل الطفيفة. لهذه الغاية، بعد بضعة أيام من الاجتماع، بعثت روسيا برسالة عبر القنوات العسكرية كانت تقترح فيها أن تقوم الولايات المتحدة وروسيا بتشكيل مجموعة مشتركة لتمويل مشاريع تجديد البنية التحتية في سورية.
وحسب رويترز، ناقشت مذكرة الحكومة الأمريكية الاقتراح الروسي، وأشارت إلى أن العرض يتعامل تحديداً مع المناطق التي يسيطر عليها “النظام” في البلاد حيث تفتقر الحكومة السورية “للمعدات والوقود والمواد الأخرى والتمويل اللازم لإعادة بناء البلاد وجعل عودة اللاجئين مقبولة”. وهذا يفسر البرود الذي استَقبلت به واشنطن الاقتراح، لأنه يتناقض مع جهودها الخاصة مع المجموعة السورية الصغيرة [قسد]. وللأمر دلالة أكثر، هو أن المذكرة وصفت حملة الروس وكأنها تروج للمبادرة في عواصم أخرى، حيث زعموا زوراً أن الاقتراح كان أمراً واقعاً في أعقاب اجتماع ترامب-بوتين.
وبالعودة إلى بيان روسيا حول مرتفعات الجولان، لم يعلّق سوى القليل على عبارة بوتين خلال المؤتمر الصحفي لمؤتمر قمة هلسنكي، حيث قال إنه سيتخذ خطوات «نحو تحقيق سلام دائم امتثالاً لقرارات مجلس الأمن المتعلقة بذلك، على سبيل المثال القرار 338». هذه الإشارة الموجزة إلى قرار مجلس الأمن 338 التابع للأمم المتحدة، لاقت آذاناً صاغية لدى المراقبين الحذرين، لأنه قرار يعود لعام 1973 ويعيد إحياء صيغة الأرض مقابل السلام، المنصوص عليها أصلاً في القرار 242 بعد حرب 1967، التي احتلت “إسرائيل” من خلالها مرتفعات الجولان.
وبعودة طرح موضوع الجولان والجهد الروسي والسعي للاقتراب سريعاً من نهاية اللعبة في سورية، والخروج بصفقة رابحة، يصبح السؤال هو: هل يأمل بوتين أن يلعب دور صانع السلام بين سورية و”إسرائيل” على أساس مبدأ الأرض مقابل السلام؟ وبطريقة أخرى، هل ستعلن موسكو أنها لن تضمن انسحاب إيران من سورية في غياب اتفاق سلام يعيد مرتفعات الجولان إلى الدولة السورية –حتى “رئيس مافيا لا يستطيع ضمان سلامة صفقة” إذا لم يتم دفع مقابلها*؟
هناك شيء واحد مؤكد: لن يعتبر بوتين موقف روسيا الإقليمي المعزز أمراً بديهياً بعد قضاء الجزء الأكبر من هذه الألفية في محاولة استعادة مجد روسيا الغابر. بعد كل ذلك، تم تهميش موسكو بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، وأمضت روسيا فترة التسعينات على الهامش وهي تراقب عملية السلام السورية-الإسرائيلية التي تجري تحت رعاية أمريكية. ولو أن هذه الجهود نجحت [عملية السلام]، لكانت الولايات المتحدة أخرجت آخر الدول العربية من مدار روسيا.
اليوم، تتعرض روسيا لضغط أمريكي وإسرائيلي من أجل إخراج إيران من سورية، حتى عندما تعتمد على وكلائها لحماية القيادة السورية. أصبحت علاقة بوتين الطويلة مع الزعيم السوري بمثابة التزام استراتيجي، حيث أن منع التمويل الدولي لإعادة إعمار سورية من شأنه أن يثري الأوليغارشية في روسيا**.
من وجهة نظر بوتين، فإن الحل الشامل لمشاكله سيكون من خلال قيادة روسيا لعملية سلام سورية-إسرائيلية. إن مثل هذا الجهد سيؤدي في الوقت نفسه إلى تدمير التحالفات الأمريكية الإقليمية، وتثبيت وضع الأسد كلياً كقائد لسورية، وتعزيز موقع روسيا الإقليمي. والأفضل من ذلك، أن العملية نفسها ستحقق هذه الأهداف، بغض النظر عن نتائجها السياسية.
وبحسب القول المأثور القديم، الذي صاغه وزير الخارجية الأمريكي السابق هنري كيسنجر منذ عقود «لا يمكنك شن الحرب بدون مصر، ولا يمكنك صنع السلام بدون سورية». تسعى روسيا إلى توضيح أن أي حل سلمي في سورية يجب أن يحمي، إن لم يكن يعزز، موقفها. لقد أثبت التاريخ أنه مستعد لتحقيق ما لا يمكن ضمانه –مثل إبعاد إيران من سورية من أجل دفع العملية إلى الأمام.
*إشارة إلى أن “إسرائيل” يجب أن تتخلى عن مرتفعات الجولان السورية مقابل السلام. ولا يمكنها الحصول على سلام دون تنازل.
**في غياب التمويل الدولي لإعادة الإعمار في سورية، قد تقوم الأقلية الثرية الروسية بذلك.
المصدر : (مداد ) – مركز دمشق للابحاث والدراسات
Warning: Attempt to read property "post_excerpt" on null in /home/dh_xdzg8k/shaamtimes.net/wp-content/themes/sahifa/framework/parts/post-head.php on line 73