واشنطن وآخر خيارتها الميتة
محمد نادر العمري
تسعى واشنطن في معركة ربع الساعة الأخير إلى إيجاد مساحة نفوذ لها ضمن المشهد السياسي السوري، لذلك بات جلياً لجوءها إلى عرقلة تحقيق إنجاز جديد تضيفه دمشق في رصيدها بما يخص إدلب، لكسب المزيد من الوقت الذي تبحث عنه واشنطن لبناء قدرات دفاعية في الشمال الشرقي لسورية، عبر توسيع نطاق قواعدها العسكرية وإشراك قوى فاعلة في الناتو وتدريب عناصر محلية تكون مهمتها تأمين هذه القدرات ولحماية القوات الأميركية خشية تعرض جنود الأخيرة لعمليات مقاومة شعبية مدعومة من محور المقاومة على غرار ما حصل في العراق بعد احتلاله.
تحذير وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، من أن واشنطن تقوم «بمغامرة جديدة» تشجع الكرد السوريين على الانفصال، لم تأت من فراغ ومن قبيل المصادفة، فواشنطن التي سعت لتوظيف الإرهاب وإيجاد بيئة ناضجة له ضمن صندوق مفتوح في المنطقة الممتدة مابين غرب العراق وشرق سورية، بهدف استنزاف قدرات البلدين ونهب ثرواتهما واقتطاع جزء من جغرافيتهما وتهديد الخط البري الواصل لمحور المقاومة، تعود اليوم لتأكيد هذه الإستراتيجية ولكن ضمن تكتيك قديم جديد، يتضمن فرض أمر واقع عبر العودة لمشروع «كردستان الكبرى».
رغم فشل التجارب المدعومة أميركياً في السابق للانفصال والتي كان آخرها محاولة استفتاء إقليم كردستان العراق والتي أدت إلى انتحار سياسي بالنسبة لرئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني، مسعود بارزاني، إلا أن افتقار واشنطن لأدوات التأثير في الملفين العراقي والسوري، والهزائم السياسية والعسكرية التي منيت بها في الساحتين، دفعت الإدارة الحالية إلى وضع نموذج جديد لهذا المشروع يجمع مابين الساحتين العراقية والسورية وتضع كافة وزنها وثقلها كمحاولة أخيرة واتباع سياسة «خرمشة القط» الجريح، لذلك لجأت إلى إجراءات وخطوات العملية التالية:
1. الضغوط التي مارستها المخابرات الأميركية على معظم القيادات الكردية في الشمال السوري للموافقة على ربط قرارها بقادة حزب «البيجاك» أو ما يعرف بحزب الحياة الحرة الكردستاني، والذي يضم في صفوفه الكرد الإيرانيين المناوئين لطهران ومقرهم في «جبل قنديل» العراق، وبذلك تطمح واشنطن للضغط على إيران ضمن الصراع القائم من جانب ومن جانب آخر تحاول توحيد قرار القوى الكردية على مستوى الإقليم.
2. استثمار تأزم الوضع السعودي للضغط عليها لتمويل هذا المشروع وحرمان الدولة السورية والعراقية من أهم منابع النفط والطاقة والمحاصيل الإستراتيجية.
3. العرض الأميركي الأخير الذي قدم لأنقرة بعد عودة التنسيق بين الجانبين على خلفية مقتل الصحفي، جمال خاشقجي، وإطلاق سراح القس الأميركي، آندرو برونسون، حيث تضمن هذا العرض إنشاء كيان كردي سوري يمتد من التنف باتجاه الحدود السورية العراقية التركية وصولاً لجرابلس وإلصاقه بإقليم كردستان العراق، على أن لا يشكل تهديداً على الأمن القومي التركي بل يمكّن أنقرة من التخلص من عدوها التاريخي بجغرافيتها الجنوبية، عبر ترحيلهم إلى الشمال السوري والعراقي، ولذلك لم تلتزم واشنطن بتفكيك مخيم الركبان لتجنيد الشباب السوريين المتواجدين به ووضعهم ضمن خيارين لا ثالث لهما، إما قبولهم التجنيد والتدريب في قاعدة التنف براتب مغر يتجاوز 600 دولار تحت إشراف ضباط من المارينز الأميركي، أو تصفيتهم عبر داعش.
ما يؤكد العامل الثالث هو المماطلة الأميركية بتنفيذ وعودها تجاه موسكو بتفكيك مخيم الركبان الذي يتجاوز عدد اللاجئين به 50 ألف مواطن، وترحيل ما يقارب من 850 مسلحاً في المرحلة السابقة من التنف باتجاه إدلب وانضمامها للمجموعات المسلحة التابعة لتركيا، والتسويف الذي تمارسه أنقرة حول «اتفاق سوتشي».
هذا السلوك الأميركي يمكن وضعه ضمن خيارين الأول أن واشنطن بدعم إسرائيلي وتمويل سعودي وضوء أخضر تركي، ستبذل كافة إمكاناتها وجهودها بهدف فرض «كردستان الكبرى» كأمر واقع، أو أنها تريد رفع سقف مطالبها وثقلها على طاولة المباحثات السياسية والضغط على سورية وروسيا وإيران للقبول بشروطها السياسية التي عجزت عن تحقيقها عسكريا على مدى السنوات الثماني السابقة، وهذا ما يفسر استجلاب قوات محلية وعناصر استخبارات أجنبية بريطانية وفرنسية ونرويجية وإيطاليا لتعقيد المشهد هناك.
أكثر ما تخشاه واشنطن هو اتساع المقاومة الشعبية في الشمال السوري وتعرضها لخسائر مادية وبشرية تزيد من تأزم وضعها وتدفع الرأي العام الداخلي لديها للضغط والمطالبة بالانسحاب، ولاسيما أن ارتفاع وتيرة الصراع مع محور المقاومة بشكل عام، ومع إيران بشكل خاص، وصل لحد الصفيح الساخن وجميع الخيارات والسيناريوهات مطروحة لدى محور المقاومة والتي من المسلمات بأنها استعدت لكافة الاحتمالات بما في ذلك تدريب ودعم وتسليح حركات المقاومة.
الوطن
Warning: Attempt to read property "post_excerpt" on null in /home/dh_xdzg8k/shaamtimes.net/wp-content/themes/sahifa/framework/parts/post-head.php on line 73