قصة عجيبة لبريطاني.. هرب من زوجته في لندن فوجد نفسه طبيباً لداعش في سوريا!
قصة غريبة بالفعل تلك التي يرويها طبيب بريطاني من أصول باكستانية، ساقه مصيره إلى سوريا والعمل لدى تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش) بعد خطفه من محافظة حدودية مع تركيا، كما تقول صحيفة Telegraph البريطانية.
وبطل هذه الرواية هو واحد من أعضاء تنظيم داعش الأجانب المشتبه فيهم والذين أُسروا في شمالي سوريا، ولكن بمجرد أن تلتقيه يتضح لك أنَّ محمد ثاقب رضا ليس عضواً عادياً في الخلافة الجهادية.
مسلم ليبرالي!
وبحسب الصحيفة البريطانية، فمحمد، الذي يمتلك معرفة واسعة ويتحدث لغة إنكليزية فصيحة لكن دون لكنة، يجتهد في تقديم نفسه كمسلم ليبرالي، وأنَّه لا يخشى أن يصافح امرأة بيده وينظر إليها بعينيه، خلافاً للعديد من الأعضاء الأكثر تعصباً المشتبه في انتمائهم إلى تنظيم داعش والذين احتجزتهم قوات سوريا الديمقراطية.
ويبدو أنَّ هذا الفعل -إذا كان هذا هو ما يفعله حقاً- ليس مصطنعاً بالنسبة لرضا، وهو طبيب باكستاني المولد كان يعمل سابقاً في هيئة الخدمات الصحية الوطنية بالمملكة المتحدة، وهو من بين مجموعة من مواطني المملكة المحتجزين في سوريا والمتهمين بانتمائهم إلى تنظيم داعش.
لكن بخلاف البريطانيِّين الآخرين الذين اعتُقلوا في سوريا، والذين يعترفون بالانضمام الطوعي إلى التنظيم الجهادي، فلدى رضا قصة مختلفة يرويها، فهو يدعي أنَّه كان ضحية مؤامرة خطف متقنة، أدت به عن غير قصد ليكون بمركز الخلافة.
وقال لصحيفة The Telegraph البريطانية، خلال مقابلة استمرت ساعتين الخميس 1نوفمبر/تشرين الثاني 2018، وهو جالس تحت ضوء الفلورسنت شديد السطوع داخل زنزانة بشمالي سوريا: «ربما ستصدقونني، وربما لا».
مع مقاومة الحكومة البريطانية عودة المواطنين البريطانيين الذين سافروا إلى سوريا، لا يتضح ما إذا كان رضا سيخضع للمحاكمة أمام هيئة محلفين بريطانية أم لا. ولكن إذا خضع للمحاكمة، فسيكون دفاعه جاهزاً لذلك ببراعة.
قال رضا: «كوني طبيباً، فقد تأثرت كثيراً بما كان يحدث في سوريا، لكنني لم أرغب مطلقاً في الذهاب إلى هناك. بصراحة، لم أكن شجاعاً بما فيه الكفاية».
قصة غريبة
يروي رضا، البالغ من العمر 40 عاماً، قصة معقدة تبدأ بمغادرته المملكة المتحدة إلى تركيا في صيف عام 2016، هرباً من زواجه المحطم، ومؤخِّر بقيمة 200 ألف جنيه إسترليني (259 ألف دولار)، كان سيدفعه لعائلة زوجته في حالة الطلاق.
يزعم رضا، الذي انتقل إلى مدينة ليستر عام 2008، أنَّه سافر إلى إسطنبول لشراء عقار. وبينما كان بالخارج لتناول العشاء ذات ليلة في مطعم بالمدينة، يقول إنَّ رجلاً اقترب منه وتحدث إليه والذي اتضح بعد ذلك أنَّه من يجند أشخاصاً بـ»داعش».
وتابع رضا، الذي لم يتوقف عن النظر إلى كاميراتنا: «بدأنا الحديث واكتشفني، وقال: عجباً، أنا أوظَّف الأطباء في تركيا! وأخبرني بأنَّ خدماتي يمكن أن تُستخدم في مستشفى، وأنَّ هناك أطباء أجانب آخرين، وأنَّ تركيا ليس لديها مشكلة في دخولنا إلى سوريا».
وقال إنَّه لم يدرك أنَّ الرجل كان يعمل مع تنظيم داعش، مضيفاً: «ظننت أنَّ الأمر سيبدو جيداً في سيرتي الذاتية، لقد أقنعني بمزايا هذه الفرصة».
وقال إنَّه عبَر الحدود بمساعدة هذا الشخص، وكان ينتظر العمل في منشأة طبية تحت سيطرة الحكومة التركية في بلدة جرابلس الحدودية.
في ذلك الوقت، عندما كانت خلافة داعش المعلنة ذاتياً في أوجها، من المرجح أنَّ عبور مواطنٍ بريطانيٍّ الحدود المتوترة بين تركيا وسوريا قد أثار الشكوك.
وعند تلك النقطة، قال إنَّه نُقل إلى محافظة إدلب المجاورة، حيث احتُجز 3 أشهر قبل إرساله إلى حماة في وسط سوريا ثم إلى الرقة. وادعى أنَّ الجهاديين أرغموه على حضور دروس للدراسات الإسلامية في الرقة، قلب خلافة التنظيم.
وقال إنَّه علم لأول مرة بتنظيم داعش عام 2013، لكنَّه وصف «نسختهم من الإسلام» بأنَّها «مريضة». وادعى أنَّه حاول الهرب، ولكن التنظيم أمسك به وسجنه. وقال إنَّه تعرض للضرب، لكن أُطلِق سراحه في نهاية المطاف، بحسب الصحيفة البريطانية.
وأضاف أنَّه شاهد «داعش» وهو يُعذِّب المدنيين وأنَّ ذلك كان يثير اشمئزازه، إذ قال: «رأيت يداً تُقطع وأردت التقيؤ. وشاهدت رؤوساً لمقاتلي قوات سوريا الديمقراطية (تُقطَع). وكجراح كنت أشعر بالاشمئزاز».
وادعى أنَّه لم يعالج أي مرضى خلال أكثر من 18 شهراً قضاها في الأراضي التي كان يسيطر عليها تنظيم داعش، على الرغم من خبرته كطبيب بمستشفيات هيئة الخدمات الصحية الوطنية بالمملكة المتحدة، ونفى مشاركته في أي قتال.
وفي نهاية المطاف، أَسَرَهُ مقاتلو قوات سوريا الديمقراطية خلال معركة الرقة في يناير/كانون الثاني.
وقال: «ماذا يمكنني أن أقول؟ أنا شخص ساذج. لم أظن قط أنني سأقع في هذا الموقف. كان ينبغي لي ألا أصدق الأشخاص الذين أخذوني إلى سوريا «.
تفاصيل مقلقة عنه أيضاً
وبحسب الصحيفة البريطانية، لقد روى القصة بشكل مقنع، لكن تصوير رضا نفسه كمسلم متفتح الذهن، خُدع وزُج به إلى هذا الكابوس، يتضمن بعض التفاصيل المقلقة وربما المتناقضة.
في وقتٍ سابق من هذا الأسبوع، وجدت صحيفة The Telegraph سجلات للمجلس الطبي العام، أظهرت أنَّ رضا قد بُرِّئ من سوء سلوك في عام 2015، بعد اتهامه بمحاولة فضح مثلية زميل مسلم له إلى عائلته.
وقال رضا رداً على هذه التقارير: «كان صديقاً جيداً. كنت على خلاف معه، لكن ليس لأنَّه كان مثلي الجنس. مهنتي هي ديني».
كما يرسم زملاء وجيران سابقون صورة أقل إطراءً للطبيب. ويزعمون أنَّه أُبلغ عنه إلى السلطات الطبية، لمحاولته تحويل زملائه في هيئة الخدمات الصحية الوطنية التي كان يعمل بها إلى متشددين.
يقول جيرانه في مدينة ليستر إنَّه أصبح محافظاً على نحو متزايد في السنوات التي سبقت مغادرته المملكة المتحدة، وكان يُرَبِّي لحية طويلة ويذهب للمسجد بشكل متكرر.
وذُكر أنَّه كان يخبر جيرانه بأنَّه نضج بشكل أصبح مستاءً فيه من الحياة بالمملكة المتحدة، وكان يفكر في الانتقال إلى دول الخليج.
كل ذلك لم يُثنِ رضا عن موقفه، إذ قال: «كنت في سوريا مع داعش ضد إرادتي»، مقارناً نفسه بجون كانتلي، المصور البريطاني الذي اختطفه تنظيم داعش خلال مهمة له عام 2012 ولا يزال مصيره مجهولاً.
تحتجز قوات سوريا الديمقراطية 6 مقاتلين بريطانيين من تنظيم داعش بمركز اعتقال في مكان غير معروف بشمالي سوريا. يشكل مستقبلهم معضلة سياسية. وتقول قوات سوريا الديمقراطية، التي تحتجز ما يقرب من 1500 من الأجانب المشتبه في انتمائهم إلى تنظيم داعش، إنَّها لن تحاكمهم في سوريا ولن تحجزهم لأجَل غير مسمى.
معضلة توطين بقايا «داعش» في بريطانيا
ترفض المملكة المتحدة إعادة توطين البريطانيين المشتبه في انتمائهم إلى تنظيم داعش على أراضيها، ومن ضمنهم اثنان من جهاديي خلية «البيتلز»، متحججة بأنَّ لديها مخاوف أمنية. لكن قصة رضا توضح التحديات القانونية والاستدلالية التي يمكن أن تجعل من الصعب تأمين محاكمتهم.
في الشهر الماضي (اكتوبر/تشرين الأول 2018)، كُشِف أنَّ مكتب الادعاء الملكي قد حذر وزير الداخلية من أنَّه حتى القضية المرفوعة ضد أعضاء ما يسمى خلية «البيتلز» الإرهابية من المستبعد أن تنجح.
واجه كل من الشافعي الشيخ وألكسندر كوتي، اللذين شبّا في غربي لندن، اتهامات بالانتماء إلى واحدة من أكثر فرق الإعدام الملعونة في تنظيم داعش، فضلاً عن كونهم مسؤولين عن اختطاف 27 شخصاً وقتل 5 رهائن غربيين على الأقل.
لكن على الرغم من الكم الهائل من الأدلة، وضمنها إفادات الشهود من الرهائن الذين احتجزهم التنظيم، فسيكون من الصعب تقديمهم إلى العدالة بالمملكة المتحدة في ضوء التشريع البريطاني.
في عام 2014، جُرِّد الاثنان من جنسيتهما البريطانية، ولكن رغم ذلك كان من المتوقع أيضاً أن تكون هناك مشاكل في استخدام أدلة جُمعت من ساحة معركة أجنبية.
وتسعى الحكومة البريطانية إلى التعامل مع المشاكل المتعلقة بملاحقة المقاتلين الأجانب، عن طريق إدخال صلاحيات إضافية في مشروع قانون مكافحة الإرهاب الجديد.
وقال رضا مشيراً إلى المحادثات التي درات بينه وبين الشخص الذي جنَّده: «أنا هنا منذ 10 أشهر، ليس لديهم أي دليل ضدي. ستُثبت رسائلي على تطبيق WhatApp أنني بريء».
وقال إنَّه تعرض للاستجواب من قِبل مسؤولي الاستخبارات الأميركية، وليس البريطانيين. وعلى حد علمه، لم تُلغ جنسيته البريطانية.
سواء أكانت السلطات البريطانية تصدق قصته أم لا، يروي رضا قصته بثقة طبيب مدرَّب وممثل سابق يدّعي أنَّه عاد إلى باكستان.
وقال في اعتراف منه بتناقض قصته: «ربما تبدو أجزاء من قصتي غير منطقية، لكنني لا أستطيع تغييرها كي تبدو أكثر منطقية».
وأضاف: «أدركت الآن أنَّ لدي حياة قد يرغب الملايين والملايين من الناس في أن يحيوها. أحب بريطانيا، وبريطانيا هي وطني. أحترم القانون البريطاني، وهناك توجد عدالة. بالسجن، أفكر في طرق ليستر، وفي صالة الألعاب الرياضية، وعملي جرّاحاً. لقد استمررت في العمل مع جميع زملائي، وأعطيت فقط للمملكة المتحدة، ولم آخذ شيئاً في المقابل».
ناشد رضا السلطات البريطانية إعادة توطينه ليواجه العدالة في المملكة المتحدة.
وقال: «بريطانيا ستفقد طبيباً جيداً. لم أكن أعرف مطلقاً أنَّ بريطانيا قد تتخلى عني في يوم من الأيام. لكن الجميع يستحقون فرصة ثانية».
عربي بوست