الإتجار بالبشر… سورية لم تعد بلد عبور فقط!
تجلس سما كما تحب أن تسمي نفسها في أحد شوارع بيروت، تحتضن رضيعةً لا يتجاوز عمرها خمسة أشهر فيما تركض فتاة لا يتعدى عمرها السنتين حولها، تستجدي سما وابنتها المارة بضع ليرات تجمعها في نهاية اليوم.
بعد يومين من العودة إلى المكان ذاته تختفي سما. انتظرت معدّة التحقيق يومين آخرين على أمل أن تعود سما لكن من دون أمل. فتاة جديدة احتلت ذات المكان، لكن الفتاة الجديدة تبدو أصغر عمراً من سما.
لا ترد الفتاة الجديدة على أسئلة حول اسمها وكم عمرها، لكن ملامحها تشي بسنوات لم تتجاوز 16، تحمل هذه الفتاة بدورها طفلاً صغيراً لم يتجاوز عمره الشهرين.
متسولات رغماً عنهن!
في اليوم الثاني من تواجدها في نفس المكان، تقبل الفتاة بالحديث. وصلت مريم إلى لبنان قبل سنة عن طريق الجبل على أمل للزواج من ابن عمها الذي يعمل بالزراعة في منطقة البقاع، ويهاجران معا إلى ألمانيا. بعد ثلاثة أشهر حملت مريم بطفلها الأول فطردهما صاحب العمل الذي كان زوجها يعمل لديه، كونه لا يملك أوراق إقامة نظامية داخل لبنان، فاضطرا للعمل في أكثر من مكان، لكن أصحاب العمل كانوا يطردونهما بعد شهر أو شهرين إلى أن استقر بهما الحال لدى رجل يعيش على أطراف مدينة بيروت وعد بأن يؤمن عملا لمريم كخادمة في أحد المنازل ويعمل الزوج كناطور. لكن الوعد لم يتحقق وانتهى الأمر بتشغيل مريم بالتسول مع عدد من الفتيات، كل يومين يتغير المكان الذي يضع فيه صاحب العمل الفتيات كي يتسولن.
لا تحفظ مريم الشوارع جيدا، لكن ثمّة امرأة تراقب الفتيات من بعيد، وهي أيضا تتسول لكنها تراقب الفتيات.
تقول مريم هناك نساء سوريات ولبنانيات يعملن لدى هذا الرجل، في اليوم التالي لم تعد مريم إلى المكان، وكان من الصعب البحث عنها في شوارع بيروت الكثيرة والمزدحمة.
دعارة أم اتجار؟؟
تنشر قوى الأمن العام اللبناني بشكل دوري أخباراً عن عملياتها في مكافحة الدعارة والإتجار بالبشر، وغالبا ما تتضمن هذه النشرات جنسيات الأشخاص الذين تم إلقاء القبض عليهم ومعظمهم يكونون من جنسيات أجنبية، إضافة إلى عدد من الجنسيات العربية من ضمنها سوريون.
في العام 2016 أعلنت قوى الأمن اللبناني أنها قامت بتفكيك أكبر شبكة للدعارة في لبنان بعد بدء الحرب السورية، وكانت معظم الفتيات سوريات، حيث أطلقت قوى الأمن سراح 75 سيدة سورية بعد تفكيك الشبكة.
إحدى الناشطات السوريات فضلت عدم ذكر اسمها قالت لـ «الأيام» إن السوريات كن محظوظات في تلك العملية، حيث كان الفريق الذي قام بعمليات التحقيق يتشكل من ضباط خضعوا لتدريبات عن الإتجار بالبشر، وإلا لكان تم تصنيف الفتيات على أنهن عاملات في الدعارة وتم اعتبارهن مجرمات.
وتضيف: في حادثة 2016 تم استغلال الفتيات واستجرارهن وفق عقود عمل وهمية، وبعد تجميعهن في المكان الذي كان من المفترض وفق عقود العمل أن يكون فندقا محترما، وكل فتاة كان من المفترض أن تعمل في وظيفة معينة ومحددة في العقد، لكن بعد قدوم الفتيات تم احتجازهن في المكان الذي تحول لأشهر إلى سجن لم يخرجن منه إلا عندما قمن بعملية هروب جماعية.
وتضيف الناشطة التي التقت عدداً من الناجيات في إحدى الجمعيات اللبنانية المتخصصة بحماية النساء، أن الفتيات اللواتي تم تشغليهن بالدعارة كن يتعرضن للضرب من قبل المشغّلين، وكان المشغلون يقومون بسلبهن كل المال، ولم يكن يحدد لهن ساعات محددة للعمل أو عدد الزبائن، إضافة إلى عدم وجود رعاية طبية، وحرمانهن من التواصل مع ذويهم.
تتابع: في إحدى المرات حملت إحداهن، فتم اصطحابها من قبل أحد المشغّلين ومعه سيدة كانت تحمل مفاتيح غرف الفتيات إلى خارج مكان عملهن، من أجل إجهاض الفتاة بعد أن حملت نتيجة عدم تناولها لدواء منع الحمل الذي كانوا يقومون بإجبار الفتيات على تناوله، لكن الحبوب كانت تتسبب للفتاة بألم في الرأس وهي صغيرة، ولم تكن تعرف أن عدم تناوله سيؤدي إلى حملها.
وتقول الناشطة: حفظت الفتيات مكان الباب الخلفي الذي كانت تحرسه سجانتهن، وقررن جمع القليل من المال الذي يتركه الزبون كإكرامية، وهو المال الذي تعرضن للضرب بسبب إخفائه عن المشغلين، حيث كانوا يطالبوهن بالإكرامية رغم حصولهم على الأجر كاملاً.
وبعد أن تمكنت الفتيات من جمع مبلغ من المال، رسمن خطة الهروب، وبالفعل ادّعت إحداهن المرض وعندما أتت السجانة قمن بضربها وأخذن المفاتيح منها وخرجن إلى الشارع بعد أكثر من ستة أشهر من الاحتجاز، ولم يكنّ يعرفن في أي منطقة هنّ، وكان أول أمر يقمن به هو التوجه إلى مخفر الشرطة والادعاء على الرجل الذي قام باحتجازهن وتم بالفعل إلقاء القبض على الشبكة.
حاولت «الأيام» اللقاء بالناجيات من هذه الواقعة، لكن الجهات القائمة على حماية هؤلاء الفتيات فضلت عدم خروجهن للإعلام لحمايتهن، حيث تقوم إحدى الجمعيات اللبنانية بوضع الفتيات بمن فيهن السوريات في مراكز للحماية. وتخضع هذه المراكز لحراسة مشددة وعادة ما تكون في أماكن لا يتم الكشف عنها من أجل ضمان حمايتهن.
ويتم علاج الفتيات وتقديم الدعم النفسي، إلى جانب تقديم مهارات عمل تساعد، الفتيات اللواتي يرغبن في الخروج من جديد إلى الحياة، في إيجاد عمل يضمن لهن حياة جيدة.
سورية… قانون للإتجار بالبشر
تقول مديرة مشروع مكافحة الإتجار بالأشخاص، عضو اللجنة الوطنية لمكافحة الإتجار بالبشر مها العلي إن قانون مكافحة الإتجار بالأشخاص، صدر بالمرسوم التشريعي رقم 3 لعام 2010، وبالتالي فقد تجاوز في نفاذه 8 سنوات، موضحةً في حديث لـ «الأيام» أن القانون المذكور من حيث الشكل والنصوص القانونية موائم للاتفاقيات الدولية لمكافحة الرقيق والإتجار بالأشخاص والجريمة المنظمة.
وتضيف العلي: كان صدور القانون بسبب الضرورات المتعلقة بالتعاون الدولي في مكافحة هذه الجريمة، حيث أن سورية في عام 2010 لم تكن أرضاً خصبة لهذا النوع من الجرائم ولكنها كانت دولة عبور. وتتابع العلي: اليوم وخلال فترة الأزمة وبعد انتهائها أصبحت الحاجة ملحة إلى هذا القانون وإلى تعديله لمواجهة التطورات في انتشار هذه الجريمة، وإن إصدار سورية لهذا القانون قبل الأزمة ساعد إلى حد ما في مواجهة الإتجار بالأشخاص على صعيد وجود الوسائل القانونية لمحاربة هذه الجريمة، حتى وإن كانت الوسائل المادية على الأرض غير كافية.
بين مرحلتين…
وعن المراحل التي يمر بها المشروع تقول العلي: إن تجربة مكافحة هذه الجريمة كانت تجربة جيدة وقد شاركت بها، حيث تم تشكيل فريق عمل وبيئة عمل جيدة، تم من خلالها مساعدة ضحايا الإتجار بالأشخاص وتمكين الجهات ذات الصلة من مفاهيم الإتجار بالأشخاص، وكان ذلك على مرحلتين:
-المرحلة الأولى قبل الأزمة؛ وبدأت في عام 2004 ورشات عمل للتوعية بمفاهيم الإتجار بالأشخاص ومن ثم التحضير للقانون وصدوره عام 2010 وتم في نهاية عام 2008 افتتاح مأوى لمساعدة ضحايا الإتجار في دمشق وفي منتصف 2009 مأوى في حلب، وتم إغلاقهما في منتصف 2011 وذلك بسبب الأحداث في سورية، حيث كان معظم الضحايا من العمالة الأجنبية المستقدمة، ومن النساء العراقيات، وتم تسفيرهن بناء على طلبهن، بالإضافة إلى تشكيل اللجنة الوطنية لمكافحة الإتجار بالأشخاص وإدارة مكافحة الإتجار بالأشخاص التابعة لوزارة الداخلية.
-المرحلة الثانية، خلال الأزمة؛ وكانت من خلال مشروع مكافحة الإتجار بالأشخاص، الذي تم فيه التوعية والتعريف بقانون الإتجار بالأشخاص من خلال دورات تدريبية لقضاة وضباط وصف ضباط من الشرطة، وموظفين وعاملين في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، والجمعيات الأهلية، وعاملين في وزارة الأوقاف وفي وزارة الإعلام، وكافة جهات الدولة المعنية. كما تم افتتاح مأوى لضحايا التجنيد من الأطفال في نهاية عام 2013 حتى نهاية 2015، حيث توقف المشروع بسبب ضعف التمويل رغم أن الوقت الذي توقف فيه المشروع هو أحوج وقت إليه.
اعتراف… بحاجة إلى تفعيل
وعن الآليات التي يجب أن يتم العمل بها من أجل تفعيل جيد للقانون خاصة بعد أن اعترف معاون وزير الداخلية اللواء حسان معروف في حديث سابق بزيادة في جرائم الإتجار بالبشر في سورية، تقول العلي إن أهم الآليات لمكافحة هذه الجريمة تتجلى بقانون محكم قابل للتطبيق يتضمن عقوبات رادعة لمرتكبي هذه الجريمة، بالإضافة إلى حماية حقيقية للضحايا. كما أنه من أهم الآليات حملات التوعية العامة، بمعنى ومفهوم هذه الجريمة وتفريقها عن غيرها، وخاصة لوجود المزايا القانونية التي يمنحها القانون لضحايا هذه الجريمة برعايتهم وعدم معاملتهم كمجرمين، وأيضاً العمل التعاوني بين الحكومة والقضاء، وسلطات إنفاذ القانون، وجمعيات المجتمع الأهلي في العمل على مكافحة هذه الجريمة، والإبلاغ عنها، ورعاية الضحايا، وكذلك التوعية بمخاطرها وبضرورة الإبلاغ.
تختم العلي حديثها بالحاجة إلى قانون لمكافحة الإتجار بالأشخاص وتفعيله في الوقت الراهن، وهذه الجريمة أكبر ما تكون حالياً، حيث من المعروف أنه أثناء الحروب والأزمات وبعدها، يكثر الأشخاص البعيدون عن مجتمعاتهم وأهلهم، وبالتالي هم ضعفاء وهم الضحايا المحتملون. كما تضعف رقابة الدولة على الأرض وكذلك فإن الحالة الاقتصادية للأفراد تكون ضعيفة جداً، فيصبحون جاهزين لاستغلالهم في أعضائهم أو في عمالتهم أو في الاستعباد الجنسي…
بين سورية… والعالم
يقول بيان صادر عن وزارة الداخلية إنّ عدد حالات الإتجار بالبشر المضبوطة في عام 2016، بلغت نحو 1500 حالة معظمها لشبكات تعمل خارج سورية، وتتواصل مع سوريّين في الداخل، وتشير «الداخلية» في بيانها إلى أنّ نسبة الضحايا من النساء بلغت 65% من إجمالي الحالات التي تمّ ضبطها.
ونشطت في سورية خلال سنوات الحرب الأعمال غير الأخلاقية، بما فيها شبكات الدعارة التي تعمل بشكل متخف سواء في أماكن المسّاج والتدليك، أو غيرها من الخدمات التي يتم استدراج الفتيات والفتيان للعمل تحت غطائها بأعمال غير أخلاقية، لكن العديد من المحامين والناشطين الحقوقيين يؤكدون، أن العمل القضائي في سورية يلزمه التدريب للكوادر الشرطية والقضائية للتفريق بين قانون العقوبات العام وقانون الإتجار بالأشخاص، حيث يتحول المتهم أو المتهمة من مجرم إلى ضحية، يتوجب تقديم العلاج والرعاية لها، وتجنب وقوعها مرة ثانية في ذات الخطأ.
يذكر تقرير صادر عن الأمم المتحدة لمكافحة الإتجار بالبشر لعام 2015 بعض النسب بحسب الغرض المراد به التجارة، فقد كان الاستغلال الجنسي للنساء بنسبة 79%، و14% للعمل القسري وسرقة الأعضاء.
في حين يتعرض 83% من الضحايا الرجال، للعمل القسري، ممثلا في التنظيف والبناء والخدمات الغذائية والمطاعم والعمل المنزلي وإنتاج النسيج، و8% للاستغلال الجنسي، و1% لسرقة الأعضاء فضلًا عن التجنيد غير القانوني للأطفال.
كما يمكن اعتبار بعض الأشخاص ضحايا للجريمة بغض النظر عما إذا كانوا قد ولدوا في حالة من العبودية، أو تم استغلالهم في بلدانهم، أو نُقلوا إلى الوضع الاستغلالي، أو وافقوا سابقًا على العمل لصالح متّجر بالأشخاص، أو شاركوا في ارتكاب جريمة كنتيجة مباشرة للإتجار بهم.
وبحسب التقرير، يشكل الإتجار بالأشخاص، وبخاصة النساء والأطفال، انتهاكاً جسيماً لحقوق الإنسان. وهو أيضاً جريمة مربحة تدرّ ما يعادل 150.2 مليار دولار من الأرباح غير المشروعة.
تنويعات من زمن المحنة.. والبادي أكرم
على قناة «العربي» لزعيمها الإخواني عزمي بشارة، يستضيف مروان خوري بكل الحفاوة العربية في برنامجه «طرب مع مروان» الفنانة أمل عرفة، وفي المقابل وعلى قناة «لنا» السورية؛ تستضيف أمل عرفة في برنامجها «في أمل» الفنان مروان خوري بجود شامي عتيق… «حكلي لحكلك».
خمسة بواحد
في مسلسل «سايكو» المنتج منذ أكثر من موسمين دراميين، والذي يُعرض هذه الأيام على قناة «لنا»؛ تستحوذ فيه أمل عرفة على خمس شخصيات دفعة واحدة، وسيقف الناقد الفني أو المتابع طويلاً ليكتشف سر هذه الضرورة الدرامية «خمسة في واحد»، ليس هذا فحسب، بل إنّ أمل عرفة هي المنتج، وكاتبة السيناريو، ومغنية الشارة… «يا محلا التواضع».
عدوانية غنائية
من إذاعة محلية يصدح صوت مُغنية بمنتهى العذوبة والرقة: «واللي بيفكّر يجرحك، بارتاح منّو بقتلو»، تقلب المؤشر لمحطة أخرى يطلع لك المطرب محمد إسكندر بكامل فروسيته: «واللي بيرميكِ بوردة، براسو بخرتش فَردي»، في محنة بحثك لاستماع راقٍ وبعيداً عن الهاون والمتفجرات؛ سيبدو الزمن وقد توقف في جبال تورا بورا أو شيكاغو الغنائيتين، وستبقى تتساءل مطولاً كيف تستقيم الموسيقا والأغنية مع كل هذه العدوانية ومع ذلك «صف الفشك ضيعته»، لكن «باقي تلاتة بجيبي».
من يتذكره؟!
حتى وصلت الأغنية ليس في سورية وحسب، بل وفي مختلف مناطق العالم العربي، إلى هذه الحالة من السينمائية والمسرحية، كان على أكثر من جيل أن يُمّهد لها بالكثير من المغامرة، بدأ ذلك منذ انخراط المطرب بالتمثيل، حتى بدا الأمر وكأن لا فيلم من دون مطرب، وراقصة، وممثلة تركض أمام المطرب في بستان أو على الشواطئ. ثم انتقل المطرب من تمثال جامد أمام الميكرفون لأن يزرع خشبة المسرح حركة وحضوراً… بهذه المناسبة من يتذكر موفق بهجت؟ الذي اعتبر خلال ثمانينات القرن الماضي رائد الأغنية الشبابية، الذي كان يُشعل المسرح بهجةً وحضوراً.
نسرين علاء الدين/ الأيام