’داعش’ في إندونيسيا؟
محمد محمود مرتضى
من ضمن ما أسميناه سابقاً باستراتيجية الأذرع المتعددة، يلجأ تنظيم “داعش” الإرهابي الى تشكيل بنى تحية احتياطية تحسباً لسقوط معاقله الأساسية. و”داعش” في هذا الأمر يشبه الى حد كبير تنظيم “القاعدة” الذي لجأ إلى تبني نفس الفكرة، ففي الوقت الذي اعتُبِرَت فيه أفغانستان وباكستان معقلًا رئيسيًّا له، عمل التنظيم خلال سنوات على بناء مراكز احتياطيَّة تُشكل الدعم له، وقد نجح في تشكيل جناحٍ قويٍ موالٍ له في إندونيسيا.
اعتمد “داعش” في وجوده بمنطقة جنوب شرق آسيا على مبايعة بعض الجماعات الموجودة تاريخيًّا هناك، وعلى رأسها جماعتان هما: الجماعة الإسلامية في إندونيسيا، وجماعة “أبو سياف” في الفلبين.
تقود هاتان الجماعتان هجمات ضد حكومتي البلدين لدوافع انفصالية في مناطق تشهد غالبيةً مسلمةً، الا أن هاتين الجماعتين شهدتا تطورًا منذ ظهور تنظيم “داعش”، لا سيما منذ الإعلان عن خلافته المزعومة في مناطق من سوريا والعراق في العام 2014؛ فسارعت الجماعتان إلى بيعةِ زعيمهِ أبي بكر البغدادي، ما أعطى لحربهما بُعداً عالميًّا، وعزز صفوفهما بمقاتلين جددٍ.
فعلى سبيل المثال، أعلنت جماعة معركة الإعصار، التابعة لجماعة أبو سياف في الفلبين، مبايعتها لأبي بكر البغدادي، عام 2015، ثم أعقبها قيام مجموعات أخرى من الحركة بمبايعة التنظيم لاحقاً، وقد بث “داعش” عام 2016 فيديو مصورًا لتعيين “إسنيلون حابيلون” المعروف باسم أبو عبدالله الفلبيني “أميرًا” لما أسماه “ولاية الفلبين”، وظهر في الفيديو إندونيسي وماليزي وفلبيني مقيمون في مدينة الرقة، وهم يؤكدون قبول البغدادي بيعة هذه المجموعات.
أما في إندونيسيا؛ فقد أعلن زعيم ما يسمى “الجماعة الإسلاميَّة” أبو بكر باعشير مُبايعته لتنظيم “داعش” في آب أغسطس 2014، وكان باعشير قد ربطته علاقات قويَّة مع مؤسس تنظيم “القاعدة” أسامة بن لادن، حيث التقى باعشير خلال رحلة إلى باكستان عام 1988 بأسامة بن لادن.
الا أن الحركة غيرت اسمها بعد التضييقات الأمنيَّة، والضربات التي تلقتها من القوات الأمنيَّة الإندونيسية إلى “جماعة أنصار التوحيد”، وأعلنت مبايعتها لـ”داعش”.
لم تكن “الجماعة الإسلاميَّة” أو “جماعة أنصار التوحيد” الجماعتان الوحيدتان، اللتان أعلنتا مبايعتهما لـ”داعش”؛ حيث وصل عدد الجماعات التي بايعت البغدادي إلى اثنين وعشرين جماعة، منها شبكة “مجاهدي شرق إندونيسيا” التي بايعت “داعش” في يوليو 2014، وتختبئ الحركة في جبال جزيرة سولويزي، وتلقي عليها مسؤوليَّة موجة جرائم قتل لرجال الشرطة في المنطقة، وأعلن زعيم الشبكة، المعروف باسم أبو وردة سانتوسو، مبايعته أبي بكر البغدادي، وكذلك فعلت مجموعات أخرى على رأسها “منتدى نشطاء الشريعة الإسلامية” و”حركة الإصلاح الإسلامية”.
وفي 2015 أُسِّست “جماعة أنصار الدولة” التابعة لـ”داعش” عن طريق تحالف جماعات عدة منشقة، يرأسها “أمان رحمان” ويعد “أمان” مُنظراً رئيسياً لمسلحي تنظيم “داعش” في إندونيسيا؛ حيث تعتبر جاوة مركزًا رئيسيًّا لهذه الجماعة، ورغم أن عبدالرحمن يقبع وراء القضبان فقد تمكن من إعلان ولائه عبر الإنترنت لتنظيم “داعش” عام 2014.
يرتبط اسم جماعة “أنصار الدولة” بسلسلة من الهجمات في إندونيسيا؛ إضافة إلى كونه المخطط لتنفيذ تفجير انتحاري قرب العاصمة، تمكنت السلطات من إحباطه في فترة أعياد الميلاد.
لجأ “داعش” في تفجيرات الكنائس (مايو ايار 2018) إلى استخدام آليات جديدة، يُصعِّدُ بها نشاطه داخل إندونيسيا، تتمثل في اعتماده على نمط “العائلة الكاملة” في تنفيذ الهجمات الإرهابية، فمنفذو العملية عائلة مكونة من 6 أفراد، تضم الأب والأم وابنين (عمرهما 18 و16 عامًا) وطفلتين (عمرهما 12 و9 أعوام). وبدا لافتًا أن التنظيم يحاول التركيز على المدن الكبيرة، مثل مدينة سورابايا التي تعد ثاني أكبر مدن إندونيسيا، إلى جانب استهداف الأماكن الأمنية والدينية.
واذا ما نظرنا الى نشاط “داعش” في اندونيسيا فإننا يمكن أن نستنتج أن أهدافه هناك ترمي لتحقيق الأمور التالية:
1- تعويض هزائمه في سوريا والعراق، والسعي لإيجاد ساحات بديلة. وقد أكد التنظيم في بيانات سابقة سعيه إلى اختراق منطقة شرق آسيا، كما فعل سابقًا بالإعلان عن فرع “دولته” في الفلبين.
2- استغلال المقاتلين الأجانب من جنوب شرق آسيا، الذين عادوا من القتال في سوريا والعراق، وكان منهم عددٌ غير قليل من ماليزيا وإندونيسيا.
3- الاستفادة من الموقع الجغرافي لإندونيسيا؛ حيث تقع الدولة بالقرب من عدد من الدول الأخرى التي يسعى التنظيم إلى التمدد فيها؛ ومنها الفلبين وماليزيا وأستراليا.
4- تنفيذ استراتيجية “الاذرع المتعددة”؛ حيث يبنى “داعش” استراتيجيته عبر عدة مناطق جغرافية هي: بلاد الشام، وشمال أفريقيا، وشبه الجزيرة العربية، وخراسان، اضافة الى منطقة بعيدة عن قلب العالم الاسلامي والتي تضم أوروبا وآسيا، وقد اختار “داعش” إندونيسيا، كونها أكبر الدول الإسلامية من حيث السكان.
يبقى أن نجاح “داعش” أو فشله يرتبط بالسياسات التي تلتزم بها تلك الدول في مكافحة الارهاب، وعلى رأسها عدم الركون للنصائح الاميركية التي أظهرت التجربة أنها غالباً ما تؤدي الى ضرب المركز على حساب توسع الفروع وهذا ما حصل تماما في افغانستان، ويحصل اليوم في سوريا والعراق.
العهد