انعطافة حادّة في سوق التأمين السورية
يبدو أن هيئة الإشراف على التأمين حزمت أمرها، حين عممت على شركات التأمين وإعادة التأمين تنظيم مهنة الخبير الإكتواري ومراجعة سياسة التسعير التي تطبقها شركات التأمين.
تحت هذا العنوان من المؤكد، أن سوق التأمين السوري، سيشهد برأينا تحولاً جوهرياً إلى حد بعيد، خاصة أن إدخال العمل الإكتواري في صلب وتفاصيل العمل التأميني، سيؤدي إلى توطين الجانب العلمي والعملي الحقيقي والدقيق “الحسابي الرياضي والاقتصادي الاجتماعي”، الذي يعد القاعدة الرئيسة التي تبنى عليها الخدمات والمحافظ التأمينية في مختلف فروع التأمين، ولاسيما في قضية الأسعار والتسعير التأميني لتلك الخدمات والمحافظ، وبشكل ومضمون واضح، يُمكِّن جميع الأطراف من معرفة الحسابات الصحيحة لأية عملية تسعير، وبالتالي صحة السعر في كل محفظة، بعيداً عن “التخمين والتقدير الكيفي” إلى حد ما، والذي كان ينظم عملية تحديد الأسعار للمنتجات التأمينية.
هذا التوجه الجديد في توقيته، وليس الجديد في وجوده “حيث تضمّن قانون التأمين ومنذ صدوره، موضوع الخبراء الإكتورايين”، قوبل هذا الأمر بحسب المدير العام لهيئة الإشراف على التأمين المهندس سامر العش بشيء من الامتعاض عند شركات التأمين، لأن إدخال العمل الإكتواري في صلب عملها “علماً أنه لم يكن سابقاً، وحتى إنه لا يوجد في سورية أي خبير إكتوراري”، سيشكل برأيها “عبئاً” عليها، نظراً لآثاره المالية والمحاسبية والإدارية، وخلاصة التشغيلية والعائدية والربحية وغير ذلك.
العقل “المدبر”
وقبل الانتقال لتفاصيل قرار الهيئة، لا بد من التعريف بمعنى كلمة إكتواري، وما هي مهمة الخبير الإكتواري، كي نعلم الأهمية البالغة، لتواجد هذا المنصب الوظيفي المحوري الفائق الضرورة والعالي العلمية والمهنية والأجر، المفترض وجوده من زمن في شركات التأمين، لكنه لا يزال غير متوفر حتى الآن ولغاية فترة قادمة غير معروفة أو محددة، أمر استدعى من تلك الشركات اللجوء للاستعانة بخبراء من لبنان على الأقل في موضوع الأسعار والتسعير لخدماتها ومحافظها التأمينية.
فوفقاً للجمعية الدولية للإكتواريين، تعني كلمة إكتواري: المفكر متعدد المواصفات الاستراتيجية، المتمرس في النظريات والتطبيقات في علوم الرياضيات والإحصاءات والاقتصاد وحساب الاحتمالات والعلوم المالية، وقد لقب الإكتواري بالمهندس المالي ومهندس الرياضيات الاجتماعية، لأن تركيبته الفريدة التي يتحلى بها من تحليل وصفات عمل يستعملها للتوجه نحو تنوع متنام من التحديات المالية والاجتماعية في العالم كله.
والمهمة الأساس
أما مهمته فتتمثل بتطبيق المعرفة بالرياضيات والإحصاء والشؤون المالية، لتصميم أنظمة المعاشات وتنفيذها، والتأمين الاجتماعي الصحي والتأمين ضد الكوارث والأخطار، فهو يحلل الإحصاءات الملائمة والبيانات الأخرى، ويطبق المبادئ الإحصائية والرياضية لإعداد جداول الاحتمالات المتعلقة بالمخاطر والوفيات والحوادث والأمراض والعجز والبطالة والتقاعد، ويقوم بحساب أقساط التأمين ومعدلات الإسهامات المالية المطلوبة، استناداً إلى بعض العوامل مثل المصروفات الإدارية وأسعار الفائدة والعمر والجنس ومهنة العميل أو العملاء، كما ويقوم بحساب القيمة التنازلية لوثائق التأمين التي تنتهي قبل انقضاء فترة التعاقد، ويتأكد من الاستثمار السليم والربح لرأس المال وأن الاحتياطي قادر على الوفاء بالالتزامات في أي وقت، إضافة إلى أنه يحدد قاعدة عادلة لتوزيع الفائض في عمليات التأمين التي تأخذ بمبدأ المشاركة في الأرباح، ويعزز أسس وإجراءات السلامة والصحة المهنية ويوفر وسائل الحماية والوقاية. أي أنه وبصريح العبارة عقل وأذرع العمل التأميني وحساباته الكلية والجزئية.
ملزم بكل شيء
الآن نعود لقرار هيئة الإشراف على التأمين، فقد ألزم وبحسب تصريح العش لـ”البعث”، شركات التأمين المرخصة من قبل الهيئة وفي جميع أنواع التأمين، أن يقوم الخبير الإكتواري فيها والمرخص من الهيئة، بمراجعة سياسة التسعير التي تطبقها الشركة في كل فروع التأمين، وبيان الأسس والقواعد التي اعتمدتها في تحديد الأسعار لكل منتج وتقييم تلك السياسة وتقديم المقترحات بشأن تعديلها إن اقتضى الأمر.
كما ألزمتها أن يقوم الإكتواري بإعداد تقرير حول سياسة التسعير المتبعة في الشركة بشكل سنوي، وتقديمه نسخة منه للهيئة، وأن يشمل تقرير الخبير الإكتواري مراجعة وتقييم طرق التسعير لدى الشركة تحديد مدى كفاية عوامل الخطر التي يتم أخذها بعين الاعتبار عند تحديد السعر، وتحديد ودراسة مدى كفاية نسب المصاريف الإدارية والعمومية ونسب مصاريف إعادة التأمين وخدمات شركات إدارة الخدمات وغيرها من المصاريف المحملة ضمن الأسعار، وكذلك الإفصاح عن هامش الربح المحدد في الأسعار، وتقييم الآلية المتبعة في مراعاة المطالبات التاريخية عند تحديد الأسعار والإفصاح عن نسب التضخم المتوقعة مع تحديد آلية تكوين مخصص المطالبات غير المُبلَغ عنها، وأيضاً تقييم مدى وجود الضوابط اللازمة في الأدوات التسعيرية المستخدمة، ودراسة مدى كفاية أسعار كل منتج تأميني على حدة.
كما وعليه تقييم أثر سياسة التسعير التي تتبعها الشركة على المركز المالي للشركة، وتقييم مدى ملاءمة سياسة التسعير التي تتبعها الشركة للمحافظة على حقوق حملة الوثائق وتسديد التعويضات المستحقة، إضافة إلى أية بنود أخرى يراها الإكتواري ضرورية لأداء مهامه.
خلال مهل محددة
أما عما يجب على الشركات الالتزام به، فأوضح العش أن عليها تقديم تقرير الخبير الإكتواري إلى كل من الهيئة ومجلس إدارة الشركة، وأن على إدارة الشركة أن تقدم إلى الهيئة وإلى مجلس إدارة الشركة، وجهة نظرها بشأن الملاحظات والمقترحات الواردة في تقرير الخبير خلال 20 يوم عمل، اعتباراً من تاريخ تقديمه، وأن تقدم إدارة الشركة إلى الهيئة صورة عن قرار مجلس إدارة الشركة المتعلق بتقرير الخبير خلال 5 أيام عمل اعتباراً من تاريخ صدور قرار المجلس.
كما وألزمت الهيئة الشركات، التقيد بالأحكام والمتطلبات الأخرى المنصوص عليها ضمن التعليمات المالية لشركات التأمين المتعلقة بتقرير الخبير إذا تطلب الأمر ذلك، وبالمقابل يحق للمدير العام للهيئة الطلب من الشركة اتخاذ الإجراءات التصويبية التي تكفل كفاية وعدالة الأسعار وتناسبها مع الأخطار التي تمت وبما يحافظ على سلامة المركز المالي للشركة وحقوق حملة الوثائق من تعرضها للخطر.
بالمختصر..
لا شك أن دخول ” الإكتواريين” إلى قطاع التأمين السوري، سيؤسس لمرحلة جديدة، ستجبّ ما كان سائداً من حالة “رخاء تأميني” عاشته الشركات الخاصة، كما سترتب تغيراً مرحلياً في نتائج الشركات، حيث سيكون لتطبيق العمل الإكتواري أثراً مفصلياً في سوق التأمين، لكن المشكلة أننا في سورية لا نمتلك أية جهة لإعداد وتخريج مثل تلك الكفاءات النادرة الفائقة الأجر، ما يضطرنا للبحث خارجاً عنهم، وهذا ما تحضر له وتدرسه هيئة الإشراف عبر إيفاد عنصر منها ليكون نواة في هذا المجال، وإلى ذلك الحين ننظر وننتظر، ما كنا تناسيناه منذ صدور قانون التأمين..!؟.
المصدر: البعث