فتح ملف سرقة 77 مليون دولار من ‘‘الاتصالات‘‘.. الواجهة شركة كندية والمتورطون شركاء محليون ‘‘كبار‘‘
أعادت صحيفة الأيام فتح ما سمته “أغرب ملف سرقة للمال العام”، والذي يتعلق بشركة “ريتش تيليكوم” بعد أعوام على إخفائها عمداً كما قالت، “حيث بدأت أسماء المتورطين المحليين تتكشف شيئاً فشيئاً، وبالوقت ذاته برزت مفاجآت مدوية، فالجناة أو (الحرامية الكبار بالمصطلح الشعبي) أحرار طلقاء يسرحون ويمرحون داخل البلد وخارجها، من دون أن تشار إليهم أصابع الاتهام، وبحوزتهم ملايين الدولارات المسروقة”.
وتنقل الصحيفة عن مصادر عليمة بتفاصيل القضية أن مؤسسة الاتصالات أجرت بتاريخ 5 أيار 2005 مناقصة لبيع مليار دقيقة بـ 6 سنت لصالح شركة “ريتش تيليكوم” الكندية، لكن المفاجأة بحسب الصحيفة كانت بأن من يملك الشركة هو السوري (ف.ب) والأردني أحمد العبد لله، كما أن شركة “ريتش تيليكوم” هي عبارة عن غرفة مستأجرة في كندا، يملك سجلها التجاري هذان الشخصان.
ثم صدقت المذكرة في تلك الفترة من الوزير بعد توقيع المدير العام والمدير التجاري، وما حصل فعلياً بأن شركة “ريتش تيليكوم” لم تسدد المبالغ المستحقة، حتى خلال أربعة أو خمسة الأشهر التي نفذوا فيها المذكرة بين 2005 وأول 2006.
وتؤكد المصادر أن أحمد العبد لله ليس اسماً وهمياً وإنما هو اسم حقيقي، وظهر عبر التلفزيون السوري في عام 2007. ونتيجة التحري تبين أن السوري (ف.ب) وكيل شركة “ريتش تيليكوم” صرح للصحافة في الفترة التي وقعت مذكرة التفاهم فيها، بأن سورية هي أول دولة تقنن الاتصالات عبر بروتوكول الإنترنت، وتحدّث عن المناقصة التي حصلت، وهنا بدأت الخيوط تتوضح بأن هناك مناقصة وقعت، حيث دخلت مذكرة التفاهم نطاق التنفيذ بأول تشرين الأول 2005.
تتابع الصحيفة بأن وزارة الاتصالات طلبت حينها من المؤسسة العامة للاتصالات العقد الموقّع، فقالوا بأنهم لا يملكون العقد، لكنهم أوضحوا بأن هناك مذكرة تفاهم، وعند طلب هذه المذكرة، كانت المفاجأة أيضاً بأن «المؤسسة العامة للاتصالات» لا تملك نسخة عن مذكرة التفاهم الموقعة مع شركة “ريتش تيليكوم”، إلا أن المذكرة ظهرت بعد صد ورد بين الجهات الحكومية.
وتشير مصادر متقاطعة للصحيفة أن أحمد العبد الله كان يجب أن يدفع المبلغ المترتب على الشركة وهو بحدود 77 مليون دولار ولو حُسب فوات العوائد لأصبح المبلغ أضعافاً.
وتقول المصادر إن أحمد العبد لله لم يكن نصاباً محترفاً، بل كان يرتدي بدلة بمقاسات كبيرة وعدة نصب فاشلة، لكن المفاجأة الكبرى بأن العبد لله لم يكن إلا واجهة لشركة “ريتش تيلكوم” التي يملكها السوري (ف. ب).
وتنقل الصحيفة عن “مراقبين مطلعين على الملف”: كيف استطاعت الحكومة أن تحصل على مفصل السجل التجاري لشركة (ريتش تيليكوم) بتكلفة أقل من 100 دولار، في حين لا نستطيع أن نعرف من هو العبد لله؟؟ بينما ما زالت “ريتش تيليكوم” موجودة في كندا حتى الآن وهي لا تملك نظاما أو وضع قانون فعلي؟
المصادر تؤكد ل”الأيام” بأن مطالبة الإنتربول لإلقاء القبض على أحمد العبد الله لن يحصّل الأموال بشكل مضمون، وأن الأموال لكي تعاد يجب فرض الحجز الاحتياطي وإلقاء القبض على الشركاء المحليين، وإن تأخير الدعوى لا علاقة له بالروتين مطلقاً.
وتنوه بأنه توجد لدى قاضي التحقيق قضية شركة “ريتش تيليكوم” وهي مجمدة لعدة سنوات بانتظار الاسم الثلاثي لمدير الشركة الأردني الكندي. لكن المدير العام السابق للمؤسسة العامة للاتصالات (ع.ص) والذي وقّع مذكرة التفاهم مع الشركة لم توجه له التهمة حتى اليوم، ولم يستدع ولم يوقف .وبالمحصلة لم تدفع الشركة للدولة 77,9مليون دولار ثمن شراء مليار دقيقة بسعر ٦ سنت للدقيقة وغراماتها، وبذلك خالفت الشركة العقد من دون أن تحاسب إلى اللحظة.
وتستغرب المصادر كيف أن المدير العام السابق الذي وقع العقد لم يَتخذ أي إجراء ضد الشركة، وهو باعها الدقيقة بـ ٦ سنت في الوقت الذي كانت فيه المؤسسة تتقاضى ٣٥ سنتا إلى ٥٠ سنتا، وهذا عقد أضر بالدولة، وتذكر المصادر بأن المذكرة نصّت على ألا تضر الشركة بالاتصالات الشرعية الواردة لسورية، لكن المدير العام للمؤسسة يعلم أن هذا مستحيل، فبيع الشركة الدقيقة بسعر يعادل سدس السعر الذي تتقاضاه المؤسسة العامة للاتصالات، من البديهي أن يؤدي إلى تحويل معظم الحركة الدولية النظامية إلى “ريتش تيليكوم”، وهذا تسبب فعلاً بفقدان الدولة عوائد بالمليارات إضافة ل “77 مليون دولار” التي لم تدفعها الشركة، وهي مثبتة في المؤسسة العامة للاتصالات، وهذا جرم غش الدولة ارتكبه المدير العام السابق.
وتبين المصادر وفقاً للصحيفة، بأن الشركة لم تقم بدفع الكفالات المتوجبة عليها ولم تقم بالتزاماتها، كما لم يتخذ المدير العام السابق أية خطوة باستثناء المراسلات مع الشركة وإعطائها المهلة تلو المهلة، وهذا تواطؤ واضح ورشوة اقتصادية، بحسب تعبير المصادر، يضاف إلى ذلك أن المذكرة التي تم توقيعها مع الشركة الكندية فيها فقرة تنص على إعفائها من قانون العقود رقم ٥١ بتوقيع المدير العام السابق، مع أن الإعفاء من قانون لا يتمّ إلا بإصدار قانون آخر أو بمرسوم تشريعي، وهذا جرم دستوري وقانوني يؤكد غش الدولة والتصرف بالأموال المنقولة لها، وبالتالي فإن قضاء التحقيق المالي لم يقم بأي إجراء ضد المدير العام السابق، وتركه والشريك السوري لـ”ريتش تيليكوم” حرين طليقين بلا اتهام، ومعهما مبلغ بأكثر من 77 مليون دولار، إضافة إلى عدة مليارات ضرر بلا تحصيل.