إدلب بانتظار سيناريوهات مفتوحة: انتظار الموت أصعب من حدوثه!
ابتعدت إدلب قليلا عن صدارة المشهد الميداني والإعلامي، مع فرض أحداث محلية وإقليمية نفسها بقوة، لتبقى المحافظة -المحكومة باتفاق سوتشي لخفض التصعيد وإنشاء منطقة منزوعة السلاح- أسيرة انتظار ممضّ ومواجهات شبه يومية بين الجماعات المسلحة.
قتل وخطف وسرقة وفلتان أمني، كل هذا بات من اليوميات، كما يؤكد مقربون ومطلعون على الأوضاع، ليس هذا فحسب بل ينتهك الإرهابيون اتفاق خفض التصعيد ويعمدون إلى استهداف مناطق الجيش القريبة، والبلدات والقرى المحيطة كما حصل في محيط بلدة أبو الظهور شرق إدلب، ومحيط بلدتي جورين ومعان في ريف حماة الشمالي، ما اضطر الجيش للرد على مصادر النيران.
وسط هذه الأجواء لو أردنا أن نجري جلسة «عصف ذهني» لاستكشاف السيناريوهات المحتملة لإدلب، قد نجد أن مروحة التوقعات والآراء تتراوح بين استمرار الوضع القائم والمساكنة الحالية، طالما بقي الضامنان أي روسيا وتركيا متفاهمان، وذلك إلى حين تحقيق اختراق سياسي والبدء في الحل حيث ستعمد تركيا إلى فرض وجود جماعاتها، وبين مناوشات محدودة بين الجيش والإرهابيين من دون أن تنزلق الأمور إلى مواجهة واسعة، وصولا إلى شتاء ساخن وقضم الجيش للمحافظة تدريجيا وعلى مراحل، وكل هذه الاحتمالات، لم تنبع من فراغ، ويجد أصحابها أسبابا موجبة لها… لكن أوساطا معارضة تذهب أبعد من هذا وتربط مستقبل المحافظة بما يجري شرق الفرات وتقول إن الأتراك سوف يكونوا جزءاً من التفاهم الأمريكي – الروسي، بمعنى سوف يطرحون مصير شرق الفرات أيضاً، وأن تحصل تركيا على ما تريد في سورية، وبالتحديد إجهاض أي مشروع كردي انفصالي، وحل مشكلة اللاجئين لديها.
مسعد: قضم تدريجي
الوضع في إدلب معقد وصعب لكن ليس ميؤوسا منه، وإذا عدنا بالذاكرة إلى الوراء قليلا سوف نتذكر أن الجيش بمعاونة الحلفاء تمكن من تطهير مناطق مشابهة، سواء بالمعارك أو بالمصالحات والاتفاقيات، وإدلب هي البؤرة الأخيرة للإرهاب، ولن تكون عصيةً أو استثناءً عما قبلها.
ويضيف رئيس هيئة العمل الوطني السوري، ورئيس وفد معارضة الداخل إلى جنيف، بأن الاستعدادات لمعركة إدلب جارية في ظل تحذيرات المنظمات الدولية والدول الغربية على أنها قد تؤدي إلى أكبر مجزرة في هذا القرن، على الرغم من أن الحرب السورية قد شهدت العديد من مثل هذه التحذيرات لمنع الجيش من التقدم، وعادت النغمة مع الكيماوي، أمام هذا الواقع يمكننا القول: إن المعركة مقبلة، لكنها ستكون بالتقسيط المريح لأسباب إنسانية، وعسكرية، وسياسية أيضا، حيث سيجري قضم إدلب على عدة مراحل.
ويلفت مسعد إلى ما تقوم به تركيا في الشمال ويقول: خمسون كيلومترا هي المسافة من حلب إلى اعزاز، تشهد تتريك تفاصيلها، كطلب ما يسمى «المجلس المحلي» مؤخرا من السكان استبدال بطاقاتهم الشخصية السورية، ببطاقات شخصية جديدة مكتوبة باللغتين العربية والتركية، كما تشجع تركيا على تنظم مسيرات في بعض المناطق تطالب ببقاء الأتراك، وأخرى تطالب بالانضمام إلى تركيا، وثالثة بأخذ وضع مشابه للوضع الكردي من ناحية الإدارة الذاتية.
يضيف مسعد: «المنطقة أسيرة ضغوطات مختلفة من قبل الأطراف النافذة، لكن تبقى لمعادلة الجيش والشعب من ناحية، والوحدة الوطنية التي تشدد عليها معارضة الداخل، رغم محاولات تغييب هذه المعارضة، دور كبير باستعادة السيادة والوحدة الوطنية والتعديل الدستوري وحكومة وحدة وطنية وانتخابات مفتوحة تتصدى لإعادة الأعمار».
الجفا: الجيش سيفرض جبهات جديدة
بدوره يقول الباحث العسكري الدكتور كمال الجفا: «مر شهر على عدم التزام تركيا بما تعهدت به أمام الجانب الروسي، لتطبيق اتفاق منطقة خفض التصعيد المنزوعة السلاح في إدلب ومحيطها».
وأعاد الجفا سبب هذا التهرب التركي، إلى جملة من التطورات الدولية والإقليمية، أنتجت تصلبا في الموقف، بل تصاعدا في سقف المطالب، بإضافة ملفات لم يتم التطرق إليها سابقا في الاجتماع الثنائي…
واعتبر الجفا أن اغتيال الخاشقجي وزيادة الضغوطات على إيران، والتقارب التركي – الأمريكي، وتصاعد الخلافات مع السعودية، وفشل الاتفاق التركي الأمريكي حول منبج، وزيادة القاعدة الشعبية للمعارضين لهذا الاتفاق في إدلب، هذا كله أدى إلى مزيد من الضغوطات على روسيا وسورية ومزيد من الصبر والتحمل للتصرفات التركية غير المتزنة في محاولة لامتصاص العنجهية والغرور الذي أصاب أردوغان مؤخرا…
كما أن زيادة وتيرة الاعتداءات من قبل «النصرة» وحلفائها على القوات السورية، وتركيز الجهد التركي، على تجهيز قوات درع الفرات في الشمال، لفتح معارك جانبية تخدم التطلعات التوسعية العسكرية كما توقع الكثيرون…
ويوضح الجفا: «إن سيناريو عفرين سيتكرر، وسيتم فتح جبهات شمال شرق سورية، وسيتم تفريغ قوات درع الفرات، لمساندة تركيا في إنهاء الحلم الكردي في شمال شرق سورية، وستقوم سورية وحلفاؤها بفتح جبهات ريف حلب وحماه الغربي والشمالي لتخط هذه القوات حدود منطقة ثانية، لها محاذيرها ستوضع على طاولة المفاوضات من جديد، كما حدث في بداية العام الماضي عندما تم تطهير منطقة شرق السكة في جنوب غرب مدينة حلب».
وختم بالقول: سيقوم الجيش والحلفاء في شمال شرق سورية بفتح عدة جبهات قتالية واسعة، أولها في شمال محافظة اللاذقية، وشمال وغرب مدينة حلب مع محيط محردة، وشمال حماه مما يتيح تطبيق هذه المرحلة بالقوة.
وضع شاذ
إدلب تعيش وضعا شاذا واستثنائيا، ولن يبقى على ما هو عليه، وإن طال الوقت قليلا، نظرا لحساسية وتعقيدات الوضع في إدلب… لكن المحافظة ستتحرر لا محالة، كما أكد مندوب سورية لدى الأمم المتحدة، بشار الجعفري، مؤخرا من على منبر مجلس الأمن الدولي حيث قال: «إن سورية عازمة على استعادة إدلب في الوقت الذي تراه مناسبا شاء من شاء، ولن تسمح بتحويل المدينة لمعقل للإرهابيين.
الوضع صعب ومعقد، والمنطقة كلها تعيش انتظارا، وتدرك أن ما هو قائم لن يكون نهاية المطاف، فالجيش الذي نجح بالقوة أو بالمصالحات في فرض سيطرته، لن يترك المحافظة نهبا للإرهابيين كي تتحول إلى تورا بورا ثانية، ولن يتركها للطامعين بتحقيق أجنداتهم ،الجميع في إدلب بما في ذلك عتاة الإرهابيين، وبالوقت الذي يحفرون فيه الأنفاق ويخبئون الأسلحة، يدركون أنهم وفي لحظة معينة لن يسمح لهم، أو لن يتمكنوا من العودة إليها مرة ثانية، وكل ما يستطيعون فعله في هذا الوقت الضائع انتظار الموت، وهذا بحد ذاته أصعب من حدوث الموت
شوكت أبو فخر – الأيام