سورية:الطريق نحو الشمال
سيلفا رزوق
طبقاً لكل التوقعات فشل «اتفاق إدلب» الروسي التركي، حتى اللحظة في الوصول إلى النهايات المأمولة منه بحسب الرغبة الروسية، وبقيت خطوط التماس شمالاً على حالهاً، باستثناء السيطرة شبه الكلية لتنظيم «جبهة النصرة» على المعطيات القائمة هناك، وذهاب الأوضاع نحو مزيد من التصعيد.
عملياً وعلى أرض الواقع كان إعلان الفصائل المسلحة المسيطرة على المناطق التي سماها اتفاق «سوتشي» بمنزوعة السلاح، واضحاً وغير قابل للتأويل من جهة رفضها الانخراط في أي محاولة لنزع سلاحها وإبعادها إلى الخطوط التي جرى الاتفاق عليها، لكن الحاجة التركية لتعطيل هذا الاتفاق كانت أكثر وضوحاً، خصوصاً مع الأنباء التي بدت متواترة عن استعدادات أعلنت عنها الميليشيات المسلحة للخوض في معركة هي قادمة لا محال ضد الجيش السوري.
الجيش السوري على الضفة الأخرى مارس سياسة ضبط النفس حتى آخر لحظة، محاولاً تجاوز كل الاختراقات المتعمدة، محكوماً بذلك بأمرين أولهما كان الحاجة لإغلاق ملف الجنوب نهائياً وانتزاع وسيلة ابتزاز أميركي هددت أمن تلك المنطقة طويلاً ، والثاني هي الرغبة الروسية في إعطاء المزيد من الفرص لتطبيق «سوتشي» مع الأخذ بعين الاعتبار سيل المحاولات التركية للاستثمار بهذا الملف وغيره من الملفات والاقتراب أكثر من واشنطن وصولاً لتطبيق سيناريو «عفرين» جديد وهذه المرة على الضفة الشرقية من الفرات.
المحاولات التركية المستمرة لتطبيق سياسة الأمر الواقع في إدلب، وبطريقة الحفاظ على استتباب الوضع على هذا النحو لأطول فترة استثمار ممكن، تبدو اليوم على حافة النهايات غير المرغوبة لها تركياً، ولا أميركيا بطبيعة الحال، خصوصاً مع إعلان الجيش السوري انتهاء حقبة «داعش» جنوباً، وارتفاع وتيرة التصعيد الإرهابي على نحو خطير بدا أن حالة ضبط النفس التي طبقها الجيش السوري خلال الفترة الماضية غير قابلة للاستمرار لفترة أطول.
المؤشرات الميدانية المتزايدة والتي بدت أنها تنحو باتجاه إعلان انهيار اتفاق «سوتشي» خلال فترة قريبة، لا تسير حتى الآن بصورة متوازية مع المؤشرات السياسية، التي لا تحمل نفس درجة السخونة الميدانية، لكن هذه السخونة بدأت بالارتفاع نسبياً مع استدعاء وزير الدفاع التركي إلى «سوتشي» بالأمس وإعلان نظيره الروسي سيرغي شويغو، «أن الأوضاع في سورية تتطلب تدخلاً عاجلاً من أنقرة وموسكو»، في تصريح روسي حمل دلالات ومؤشرات هامة قبيل انعقاد جولة «أستانا» في نسختها الحادية عشرة والتي ستكون حاسمة على ما يبدو في تقرير الخيارات المنتظرة لإدلب و«حشر» اللاعب التركي في آخر زاوية يمكنه المراوغة فيها في الملف الميداني الأكثر إلحاحاً حتى اللحظة.
المؤشر السياسي الآخر والذي رفع من سخونة المشهد أيضا وحمل كماً كبيراً من الدلالات التي لم تكن موجودة حتى اللحظة، هو الدخول الإيراني المفاجئ على خط المواجهة المنتظرة، مع إعلان قائد الحرس الثوري الإيراني عن الطلب من بلاده إرسال قوات «فصل إلى إدلب» وفقاً لما نصت عليه «أستانا» نفسها، ما سيشكل إن جرى الخوض فعلياً في هذا الخيار ضغطاً إضافياً على أنقرة، ومعها أميركا التي لا تحمل أي مخططات إضافية للمنطقة، غير إبقاء حالة الفوضى والحرب على ما هي عليه إلى أجل غير مسمى.
الثابت حتى اللحظة مع كل المعطيات السابقة أن الاستمرار بالخوض في السيناريوهات القائمة اليوم شمالاً لم يعد وارداً على الإطلاق، والأكثر ثباتاً أن البحث في سيناريوهات جديدة وأكثر جدية هو ما يجري التحضير له سورياً وروسياً على حد سواء، ومع تعدد الخيارات المطروحة فإن الخيار العسكري بات يقترب أكثر فأكثر، والإبقاء على حالة التمدد الإرهابي شمالاً بات بحكم المنتهي، لكن طريقة الإخراج تبدو بحاجة لمزيد من التحضير السياسي الذي سيخفف بالضرورة من كم الضجيج الدولي المتوقع، كما انه سيبطل مفعول ورقة الابتزاز التركي المستمرة، ويضع منطقة الشمال عموماً على سكة الحل السوري المعتاد، والذي بات معروفاً للجميع وعنوانه الأوحد «استعادة كل شبر من الأراضي السورية».
الوطن