مرارة هزيمة إسرائيل جنوب سورية
تحسين الحلبي
حين أكدت قيادة الجيش العربي السوري قبل أيام أن منطقة جنوب سورية بكل امتدادها حتى حدود الجولان المحتل أصبحت خالية من أي وجود للإرهابيين المسلحين، فإن ذلك يعني من دون مبالغة إحباط أخطر مخطط إسرائيلي كان يستهدف سورية من تلك المنطقة، وهذا ما يدل عليه اعتراف البروفيسور الإسرائيلي، نير بومس، الذي كان أحد أهم المشرفين على تنفيذ هذا المخطط في بحث نشره في «مركز دايان» الإسرائيلي للدراسات الإستراتيجية، وجاء فيه على لسانه في السابع من شهر تشرين الأول الماضي:
«إن نهاية مخطط «الجوار الطيب» للمنطقة المتاخمة لحدود الجولان شكلت بعد طرد الجيش السوري للمسلحين المدعومين من إسرائيل آخر مسمار في نعش الحرب التي بدأت عام 2011 لإسقاط (الرئيس) الأسد».
وحمل بحث، بومس، عنواناً يسلط الضوء على الدور الإسرائيلي في تأسيس ما يسمى منظمة «الخوذ البيضاء» التي تولت في مختلف أماكن وجود الإرهابيين من تنظيمي داعش وجبهة النصرة وغيرهما مهمة فبركة وصناعة الاتهامات للجيش العربي السوري باستخدام السلاح الكيميائي فالعنوان كان: «الخوذ البيضاء والأعلام الصفراء وانتهاء عملية «الجوار الطيب» بالفشل».
كانت الخطة الإسرائيلية قد أعدت منذ عام 2011 مجموعة من ضباط الاستخبارات الإسرائيلية بإشراف، بومس، لتصنيع ما يسمى «منظمات مدنية يهودية وأخرى إسرائيلية»، يتولى المسؤولون عنها مهمة إنشاء منطقة معزولة عن سيطرة الجيش العربي السوري في الجنوب وتحويلها إلى حجر أساس لكيان صغير منفصل يضم مئات الآلاف من المدنيين السوريين بقيادة مجموعات مسلحين مشتركة مما يسمى «الجيش الحر» وبقية المجموعات، ووصف، بومس، هذا الكيان المطلوب إنشاؤه «بنموذج لدويلة تفصل بين الجولان الذي تنتشر فيه قوات الجيش الإسرائيلي وبين بقية أراضي سورية».
وكانت المجلة الإلكترونية الإسرائيلية «تايمز أوف إسرائيل» قد نشرت في 25 كانون الثاني من عام 2017 تحقيقاً بقلم، دوف ليبير، تحت عنوان: «لماذا وكيف كان الإسرائيليون يقدمون مساعداتهم للسوريين»، تقول فيه مؤسسة ورئيسة منظمة «إسرائيل فلابينغ ايد» أي «مساعدات إسرائيل الطائرة»، غال لاسكي: إن منظمتها «دربت ألفين تقريباً من رجال منظمة «الخوذ البيضاء» منذ عام 2012 وزودتهم بكل احتياجاتهم إضافة إلى أطنان من المواد».
وذكرت لمجلة «تايمز أوف إسرائيل» أنها اجتمعت بأكثر من «ستين ممثلاً من الذين كانت إسرائيل تقدم الدعم لهم خلال عمل دام ثلاث سنوات ونصف السنة بقيادتها».
كان، بومس، بموجب سجله في «مركز دايان للدراسات» ضابطاً سابقاً في قسم الاتصالات التابع للمخابرات العسكرية الإسرائيلية برتبة رائد، وهو يتقن العربية بطلاقة، وذكر أنه اجتمع داخل منطقة عمليات المسلحين مع عدد من قادتهم، وطالب في أحد أبحاثه القيادة الإسرائيلية بعدم التخلي عن المسلحين الذين كانت تدعمهم وعدم تكرار ما حصل حين تخلت عن «جيش لحد» الذي أنشأته في جنوب لبنان بعد اجتياحها العسكري في الثمانينيات، واعترف أن الجمهور المدني السوري في تلك المنطقة لا يقبل بالتعاون مع إسرائيل عند حدود الجولان، ولذلك كانت المنظمات الإسرائيلية للمساعدات تفضل الالتقاء بقادة المجموعات المسلحة وازداد عدد المنظمات «الإسرائيلية» التي تولت نشاط التعاون مع المسلحين وكانت هي التي تنقل الجرحى منهم إلى داخل مواقع الجيش الإسرائيلي في الجولان.
ورغم كل هذه النشاطات الإسرائيلية السرية والعلنية العسكرية والاستخباراتية، أحبط الجيش العربي السوري ومعه المواطنون المحليون، أخطر مخطط رصدت له إسرائيل مئات الملايين من الدولارات، وساهمت معها منظمات صهيونية يهودية أميركية باسم تقديم المساعدات، وعدداً من العسكريين الإسرائيليين من المخابرات ومن اختصاص إنشاء المنظمات المدنية الإسرائيلية كغطاء للتسلل إلى منطقة جنوب سورية، فقد جرى تأسيس أكثر من ست منظمات إسرائيلية من هذا النوع للعمل في جنوب سورية مثل منظمة «أماليا» برئاسة موتي كهانا و«إسرائيل ايد» و«ديرخ برات» وعمل مئات من الإسرائيليين في هذه المنظمات، لكن أخطرها كان منظمة «غال لاسكي» التي دربت مجموعات «الخوذ البيضاء» المتخصصة بتصنيع الاتهامات بحق الجيش العربي السوري تحت غطاء «ممرضين وأطباء».
بومس، وبعد إحباط هذا المخطط وانتشار الجيش العربي السوري على خط فصل القوات في الجولان يقول: «إن ما حصل لا يبشر بالخير لإسرائيل ما دامت قوات الجيش العربي السوري أصبحت موجودة في تلك المنطقة».
الوطن