الصمود السوري يفتك بالتحالفات الإقليمية ويعيد تركيبها
نواف إبراهيم
الوضع الذي يشوب العالم ومنطقة الشرق الأوسط بالذات في الوقت الراهن لاينبىء بأن الأوضاع العالمية تتجه نحو التحسن العام.
وذلك على الرغم من السير نحو الهدوء في بعض جبهات المواجهة الإقليمية والدولية الطاحنة ولو انفخضت فيها وتيرة المعارك الميدانية وخفت صوت أزيز الرصاص وأصوات المدافع لصالح المسار
السياسي للدول المعتدى عليها بعكس رغبات وتطلعات الدول والقوى التي ساهمت في تأزيم الأوضاع فيها، ونعني هنا الأوضاع المستجدة في ليبيا واليمن والأراضي الفلسطينية المحتلة، ونركزعلى وجه الخصوص هنا على الأوضاع في سورية التي ستصبح خلال الفترة القادمة أي خلال عدة أشهر الحالة الإستثنائية في معمعة المتغيرات القادمة وما يلفها من غموض لجهة المشاريع والتحالفات الإقليمية والدولية الصاعدة، حيث أنه بدت في الفترة الأخيرة تتوضح معالم التحالفات الإقليمية والدولية وإصطفافاتها لجهة التعامل مع الأحداث والمتغيرات الجارية في منطقة الشرق الأوسط بوجه عام، وخاصة بعد فشل الولايات المتحدة الأمريكية ومن معها من دول الغرب والمنطقة إلى حد كبير في تصفية القضية الفلسطينية وتمرير صفقة القرن على الأقل حتى اللحظة، وفشل المشاريع الأمريكية الغربية في سورية والعراق فشلاً ذريعاً، زد على ذلك عدم القدرة على تركيع الجمهورية الإسلامية في إيران التي باتت تشكل رعباً كاتماً على صدور دول الخليج وأمريكا وربيبتهم إسرائيل، كل هذا وضع هذه القوى ليس فقط في موقف صعب وإنما في وضع محرج لاخروج منه إلا بالإتفاق والتوافق مع من تم الإعتداء عليهم من قوى محور المقاومة الإقليمي ومحور مكافحة الإرهاب الدولي الناشىء والمستند على ركائز صمود المحور الأول وليس فقط في مواجهة الإرهاب وإنما في مواجهة الهيمنة الإستعمارية الإرهابية العالمية الجديدة بكل تفاصيلها الجيوسياسية والإقتصادية وحتى العسكرية بقيادة الولايات المتحدة ومن معها من دول المنطقة وهذا ما جعلنا نرى الكيان الصهيوني وتركيا وبعض دول الخليج في حالة غثيان تبعتها حالة دهشة كادت تفقىء أعينهم من هول التسارع في متغيرات الإنتصار ووتوزنات الردع الإستراتيجي لصالح الحلف المقاوم والمكافح للإرهاب فهرعت هذه الدول بتوجيه من أسيادها أو بالأحرى وفق الخطة وفي التوقيت المرسوم لها سارعت تفتح طاقة النجاة للولايات المتحدة وإسرائيل بوقاحة لم يشهد تاريخ ضعف وغياب الموقف العربي مثيلاً لها ،تبدأ بالمشاركات الرياضية والثقافية والزيارات المعلنة إلى دول بعينها لتدرج فيما بعد في الحياة الطبيعية للمنطقة لجهة العلاقات فيما بينها وبشكل إنسيابي تدريجي خبيث يبعدهاعن الإنفعالات الرسمية والشعبية داخلياً ودولياً لتعلن في اللحظة اللازمة وقبل بدء تنفيذ حزم العقوبات الجديدة على روسيا وإيران لتعلن عن بداية مشروع أمريكي إسرائيلي لمواجهة حلف مكافحة الإرهاب بقيادة الروسي الذي كان يترتب عليه بالاصل تأمين المخارج والمهابط الآمنة وإنزال الصف الثاني عن الشجرة وأولهم التركي.
اعتقدوا أنهم قد يغيرون من خلال منظومة حرب جديدة تسمى بـ “الناتو العربي” الذي ستكون مهمته الأساسية في المرحلة الأولة قيادة الأحداث والمتغيرات الجيوبوليتيكة في المنطقة في وقت تلغى فيه أدوار أحلاف ومنظمات وهيئات بالجملة وعلى رأسها جامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجي واللذان على أكثر تقدير سيلعبان دور المنظم التشريعي والسياسي لتحركات هذا الحلف في الوقت والزمان والمكان الذي سيتم إعلامهم به للموافقة وإعطائه الشرعية السياسية الكاملة للقيام بما لايتفق مع قرارات وشرائع المجتمع الدولي ، وأغلب الظن ستكون هذه المنظمة ذراع دولية جديدة مهمتها تقليم أظافر القوى القومية الصاعدة في المنطقة بعيداً عن الحاجة إلى إجتماعات هيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي كونها ستعتبر شؤون داخلية بين دول المنطقة يمكنها أن تحلها بنفسها وفق ما ترتأيه هذه الدول وبكل تأكيد من خلال التشاور وطرح الحلول في الأوقات اللازمة مع مجلس الأمنوغيره من المنظمات المرتبطة والتي تدار من قبل نفس القوى المهيمنة.
هذه المنظومة الجديدة هي فعلاً منظومة حرب وجيش جديد بديل عن الجيوش البديلة التي فشلت مسبقاً في تحقيق المراد ولكنها تختلف عن ماقبلها بأنها أكثر قانونية وأكثر تقليدية كونها منظومة دول بعينها وليست مجموعات أو تنظيمات يقدم لها الدعم من خلف الستار السياسي والإنساني وغيرها من شعارات الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان ، جزء من مهام هذه المنظومة قد تكمن فعلياً تهيئة المنطقة لصراعات طاحنة قد تؤدي ‘لى صراع دولي لامهرب منه في نهاية المطاف، و من هنا يتبين أن الإنتقال إلى خطوة جديدة للمواجهة من خلال تشكيل مايسمى يسمى بـ “تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي”، أي “الناتو العربي”،ينذر بمرحلة جديدة من الصعب معرفة كنهها وتقدير مايترتب عليها في المستقبل بالنظر إلى الأهداف المراد تحقيقها من قبل القوى القائمة على هذه الخطوة في مثل هذا التوقيت وهذه الظروف.
إذا هناك متغيرات كبيرة سوف تحدث في المنطقة إثر ظهور منظومة إستعمارية جديدة مدعومة دولياً ومن نفس القوى التي دعمت الإرهاب ومولته على مدار السنوات السبع الماضية منذ بداية ماسمي بالربيع العربي، نعم هذا الحلف الجديد لن يكون بديلاً عن حلف الناتو وإنما سيكون الذراع الطولى لتحقيق كل ماعجز عنه حلف الناتو بفعل عوامل كثيرة تضاف إلى مايحكمه من قوانين وشرائع دولية كان في معظم الأحيان لابد من إيجاد سبل لتجاوزها لإضفاء صفة الشرعية على القيام بأي عمل عدائي على أي دولة ذات سيادة وخاصة في ظل صعود روسي قوي كان قد أصبح يقف بالمرصاد وبشكل حازم أمام التمدد الإستعماري بأوجه متعددة وبأدوات جديدة وخطط متلاحقة وكأنها رسمت منذ عشرات السنين ولم تكن وليدة الأحداث والمتغيرات القائمة أو ماسبقها ولحقها من هذه المتغيرات كما يروجون.
ستمتد مهام هذا الناتو إلى الحد من التمدد الروسي والإيراني المتشابكان تشابكاً متعدد الجوانب ومدعوماً بالإنتصارات السياسية والميدانية على جميع الجبهات، خصوصاً على الجبهة السورية، وصولاً إلى صعود محوري المقاومة ومكافة الإرهاب أمام المحور الأمريكي الغربي.بالمحصلة القوى الممانعة لن تقف مكتوفة الأيدي وستجد دعماً من روسيا ودعماً من إيران وقد يكون من تركيا أيضا في المرحلة المقبلة الآن، الجميع يحاول إستغلال الوقت لتحقيق كل ما يمكن أن يستطيع ريثما يتم الإنتهاء من عملية تشكيل الحلف الجديد لأنه يحتاج إلى وقت حتى يكون قيد العمل على الأرض فنرى أردوغان يحاول الإسراع بتتريك ما يستطيع من الأراضي السورية التي يحتلها، وإسرائيل تسرع لإشهار علاقتها السرية مع بعض دول المنطقة ، والولايات المتحدة تراوغ مع الروسي وتحفزه على سباق التسلح لوضعه في زاوية الإرهاق المستدام نتيجة هذا السباق ، وتتلاعب بالورقة السورية على مراجيح المنصات السياسية ومطبات التحركات الميدانية وإعادة نشر وتفعيل تنظيم داعش الإرهابي في نفس المناطق التي تم دحره منها ، ودول الخليج تسن خناجرها فرحاً لطعن ماتبقى من بعض الدول العربية وتتهجز لرفع سيفها المتلوم بوجه إيران مستقوية بمنظومة الحرب الإقليمية الجديدة بقيادة إسرائيلة ولكنهم كما العادة لايعلمون أي منقلب سينقلبون.
والاختصار الشديد لملامح المرحلة القادمة بناء على ماتقدم وما قديتأخر لحين يمكن أن نتصورها على النحو التالي:
للتو بدأت المواجهات الإستراتيجية وعمليات لي الأذرع وقض المضاجع والسلاح على جنب إلى حين؛
سورية أفضل من يتقن فن اللعب على حافة الهاوية وقد تعلن انتصارها في مدة قد لاتتعدى 6 أشهر وفق التقديرات، وهذا لايعني إنتهاء الحرب بصورتها الشاملة، فاما ينجح إتفاق سوتشي الثنائي حول إدلب ويترتب عليه تبعات سياسية إيجابية أو يفشل ويدخل الجيش العربي السوري إلى ميادين إدلب وحلب وشرق الفرات ليحسم الأزمة… في غضون ستة أشهر وهي مهلة أستانا المعتادة؛
ليبيا واليمن شكل جديد من المواجهات على خطوط المصالح الإستراتيجية الجيوإقتصادية؛
لبنان وفلسطين تبادل الضغط بالطرد المركزي مع إستمرار محاولات تمرير صفقة القرن؛
مصر والجزائر وتونس وبعض جيرانهم على موج البحر الذي قد يتجاوز حدوده من حين لآخر لإحداث رهبة رادعة في دواخلهم؛
الخليج بشكل عام سيف وخنجر يسن ليضرب بظهر الجميع وأولهم إيران وبصدر القضية الفلسطية لكن مصيره يرجع مكانه الطبيعي؛
تركيا على فوهة بركان لن يسمح أحد بإنفجاره سياساً وإقتصادياً وحتى عسكرياً وديموغرافيا ليبقى رحيل أردوغان خلال عام أمر شبه محتوم داخلياً ودولياً؛
أوروبا والعم سام أغمض عين عن سورية وفتح الأخرى على المحيط والروسي يعي ويدرك تماماً مايجري ومايخطط له وثابت على موقفه أما السوري فقد وضع الجميع بين المطرقة والسندان والصهيوني في حيرة من أمره وهذا مايبرر سلوكه الذي يشبه إلى حد كبير سلوك القابض على الجمر.
تبقى الفترة المقبلة الفترة الأكثر حساسية في حياة منطقة الشرق الأوسط ، وتحديداً في سورية التي باتت مركز ثقل المنطقة نحو تحقيق الإستقرار من عدمه، وهذا يتوقف في حقيقة الأمر على مقدرة جميع الأطراف الإقليمية والدولية المتداخلة في الأزمة السورية على التوافق فيما بينها قبل الحديث أصلاً عن التوافق السوري السوري والمنعكسات الحقيقية اللاحقة لهذه التطورات هي الإنفجار الأخير في ولادة عالم متعدد الأقطاب وطمر عالم أحادي القطب إلى أجل غير مسمى وقد يكون مستدام.
سبوتنك