الحكومة تتجاوز الخطوط الحمراء و تضرب المواطن بمنية الدعم !
مع مطلع الشمس وفنجان القهوة تدفع الحكومة 4 مليارات ليرة سورية»… هذا ما أكّده وزير المالية مأمون حمدان في إحدى تصريحاتها لمتعلقة بكلفة دعم الخبز والكهرباء والمشتقات النفطية، ليستدرك «حمدان» بالقول: ذلك لا يعني أن هذا المبلغ يمثل كل الدعم الذي تقدّمه الحكومة يومياً، وإنما يخص هذا الدعم 3 قطاعات فقط.
الخطوط الحمراء… تلك العبارة التي طالما سمعنا بها كثيراً عبر تصريحات الوزراء وخاصة عندما كانوا يقدمون الوعود بعدم رفع الدعم عن السلع الغذائية والمحروقات والطاقة والتعليم والصحة وغيرها، كانت تنتهي دائماً إلى مجرد وعود فقط.
الحكومة تتجاوز الخطوط الحمراء
ويُعرّف الدعم الحكومي بأنه إمدادات مادية تقدّم من قبل الحكومة لتخفيض أسعار السلع، إما لصالح صناعة ما، وإما لصالح المواطن، ومن أهم السلع المدعومة في سورية هي الدقيق والسكر والحليب والكهرباء والمحروقات، وبدل أن تقوم الحكومة بزيادة دعمها للمواطن أو تنظيم ذلك الدعم على الأقل، لخفض الأسعار، والوقوف إلى جانب المواطن الذي وصل إلى خط الفقر نتيجة تدهور الاقتصاد جراء الحرب، نجد أنها عمدت إلى تقليل دعمها عن أسعار المحروقات والخبز، ما أدى لارتفاع أسعارها إلى مستويات قياسية ولتبقى وعود الحكومة على الورق فقط.
التبرير جاهز بشكل دائم لدى جميع الوزراء وعلى شكل قالب الهرم في الصحافة ولكن تتغير العناوين من وزير لآخر، وهي أن الحرب أضعفت القدرة على تقديم الدعم «المزعوم» للمواطن، لذلك توقفت الحكومة ومنذ عام 2012 عن تقديم المواد الغذائية المدعومة، بينما بقيت المحروقات متاحة ويمكن الحصول عليها، إلى أن جاءها الدور وتم رفع الدعم عنها، الأمر الذي وفّر للخزينة مبالغ مالية لا بأس بها، إلا أنها ألحقت أضراراً جسيمة بالوضع المعيشي لغالبية المواطنين السوريين نتيجة ارتفاع أسعار تلك المواد لأكثر من عشرة أضعاف في أدنى حالاتها بالأسواق. (الجدول رقم 1)
دعم حكومي بالاسم فقط
يؤكد الاقتصادي الدكتور عمار اليوسف في تصريح لـ «الأيام» أن الدعم المقدم من قبل الحكومة اسمي وليس حقيقيا، لافتاً إلى أن الحكومة تواجه مشكلة في المحافظة على حاضنتها الاجتماعية، حيث تُظهر عجزا كاملا في دعم العائلات الفقيرة أو شبه المعدمة، مشيراً إلى أن الدعم الذي تدّعي الحكومة تقديمه عبر تصريحاتها مقارنةً مع مستوى الدخل يعد تحت الصفر بعشرين درجة ضمن المعايير العالمية، فالموظف في الدولة لا يتقاضى 10% مقارنةً من دخل الموظف في الدول المجاورة.
وأضاف اليوسف: من المتعارف عليه في سورية أن الخبز هو المادة الأساسية لتغذية الفقير قبل الغني، ولكن نلاحظ أنه في جميع التصريحات الرنانة للحكومة تبدأ بـ «تمنين» الشعب أن تكلفة ربطة الخبز تصل إلى 200 ليرة سورية وهي تباع بمبلغ 50 ليرة، وكأنها تريد إيصال رسالة للمواطنين «نحنا عم ندفع وندعمك لهيك لازم نرفع السعر»، علماً أن سعر ربطة الخبز كانت 15 ليرة سورية وكانت الحكومة تقول بأنه خط أحمر، إلا أن هذا الخط الأحمر تم تجاوزه وتم رفع سعره بنحو 70%، في خطوة غير مسبوقة بهدف الحد من كلفة الدعم الذي يثقل كاهِل الدولة في ظل الأزمة الاقتصادية القائمة.
وبحسب اليوسف فإن المشكلة لا تكمن في بنود الموازنة وأرقامها وحجم المبالغ والاعتمادات المرصودة لها، وإنما في التطبيق والتنفيذ والمتابعة والإنجاز على أرض الواقع، وفي السياسات الاقتصادية.
الأسرة خسرت 50 ألف ليرة شهرياً
قبل الحرب كان المواطن السوري الواحد، يحصل على 12 كيلو سكر في السنة، أي كيلو واحد شهرياً بالسعر المدعوم، و6 كيلو رز في العام، أي نصف كيلو رز شهرياً، و200 لتر مازوت للأسرة وسطياً في العام موزعة على 6 أشهر الشتاء، وبقي البنزين والغاز والخبز دون قيود بالكميات، وعلى هذا، كانت الأسرة من 5 أشخاص تحصل شهرياً على: (الجدول رقم 2)
قبل القيام بأي عملية حسابية من قبل المواطن بخصوص الدعم فقد خسر ما قيمته تقريباً 50 ألف ليرة شهرياً كان يجب أن تضاف إلى راتبه الحالي، ولو أضيفت فهي ستبقى غير كافية نتيجة التضخم بأسعار السلع، والإيجارات وكل الأمور المعيشية. (الجدول رقم 3)
خطة لرفع الدعم…
يشير مصدر مسؤول لـ «الأيام» أن الدولة اعتمدت خطة لرفع الدعم عن المواد الغذائية والاستهلاكية بشكلٍ كامل نتيجة خسارتها حوالي 150 مليون دولار يومياً، ومقارنة بدول الجوار التي اتبعت هذه السياسة ونجحت باقتصادها.
وبحسب المصدر، فإن الدعم المقدّم للمشتقات النفطية فإنه لا يوجد تفكير برفع الدعم أو إلغائه، وإنما هو إعادة توزيع لهذا الدعم بطريقة تصل من خلالها إلى المواطن السوري، دعم مباشر للمواطن السوري وليس عبر الأسلوب المتبع حالياً.
وأضاف المصدر: في حال عدنا إلى الموازنة التي حددتها الحكومة في عام 2016 سنلاحظ أنها لم تزد إلا بقيمة 1980 ملياراً، ولكن إذا أخذنا الأرقام المخصصة للدعم الاجتماعي فإننا سنجدها قد وصلت إلى حوالي983 ملياراً، هذا يعني أن الدعم الحكومي كان للرز والسكر والطاقة والخبر والاتصالات والنقل، وكلها مواد بحاجة للاستيراد، أما الدعم في عام 2017 فكان بحدود 2660 ملياراً.
80 % لدعم الأغنياء…
في سياق متصل يشير الاقتصادي علي الأحمد في تصريح لـ «الأيام» إلى أن السوريين اعتادوا على تلقي قرارات حكومية تستنزفهم مادياً ومعنوياً، لكن ذلك لا يعني أن هذه القرارات لم تسبب موجة واسعة من الانتقادات للحكومة التي باتت تصدر قرارات غير متناسبة على الإطلاق مع الظروف الاقتصادية العامة، مؤكداً أن الأغنياء ورجال الأعمال وأصحاب المصانع والمعامل، يستفيدون بأكثر من 80% من الدعم الحكومي، مشيراً إلى أن «الكثير من رجال الحكومات السابقة هم أصحاب مصانع ولهم مصالح كبيرة في الإبقاء على الوضع على ما هو عليه، ومن ثـمّ فقد ازداد الغني غِنى وازداد الفقير فقرا.
وبحسب الأحمد، يظهر عجز الحكومة في تطبيق القانون وتحصيل الضرائب من الأثرياء ورجال الأعمال، حيث يتلاعب أغلبهم في الدفاتر ويتهرَّب من الضرائب، بمباركة الفساد المستشري في الحكومة، معتبراً أنه لا يدفع الضرائب في سورية إلا الموظف الكادِح، حيث تُخصم بالكامل شهريا من راتبه مقدّما، ومن المنبع.
وأضاف الأحمد، المنظومة كلها تحتاج إلى إعادة نظر وتغيير لإصلاح ما أفسده السابقون، ومع اليقين بأن هذا الفساد لن يصلح في يوم وليلة، إلا أن هذا معناه أنه يجب أن نبدأ في الإصلاح من الآن، خاصة بعد أن تفاقم العجز في الموازنة.
أرقام وهمية للدعم…
لكي يصل الدعم إلى مستحقيه يحتاج إلى قاعدة بيانات محدثة دورياً، عن السوريين المستحقين للدّعم، وتوجيهه بشكل مباشر إليهم، بالإضافة إلى رفع الدعم عن أسعار الكهرباء والمياه والطاقة والمحروقات، التي تستخدمها شركات ومصانع يمتلكها رجال الأعمال، والتي تستهلك 95% تقريباً من حجم الدعم الكلّي في الموازنة العامة.
وكان المدير العام السابق لـ « المكتب المركزي للإحصاء» الدكتور شفيق عربش قد شكّك في البيانات والتقديرات التي يصدرها «المكتب المركزي للإحصاء»، خاصةً المتعلقة بتعداد السكان، مؤكداً في تصريحه أن الدعم الذي تقدمه الحكومة للمواطن وهمي وغير موجود، لأن الأرقام غير صحيحة وهي وهمية… لأنه لو كانت تلك الأرقام حقيقية، لكانت برزت في قطع الحسابات أو الإنفاق الفعلي للحكومة.
كارثة اقتصادية
يقول المحلل الاقتصادي، والخبير في الإدارة، عبد الرحمن تيشوري إنه من المتعارف عليه أن الدعم الحكومي يهدف إلى تثبيت أسعار المواد الأولية لقطاعٍ إنتاجي حيوي عند ارتفاعه لأسباب معينة، فتتدخل الدولة لتثبيت الأسعار وإبقائها في متناول المستهلك والمنتج على حد سواء، من أجل تمكين الفئات الأقل دخلًا من الحصول على السلع والخدمات الأساسية عبر خفض أسعارها.
ويضيف تيشوري، أنه بحسب الدراسات الحكومية فإن أكثر من 56% من الدعم لا يصل إلى مستحقيه من المواطنين السوريين، وأن دعم المحروقات يكبّد الدولة يومياً حوالي 750 مليون ليرة سورية، وقد زادت هذه القيمة نتيجة لزيادة أسعار النفط وتراجع إنتاجه محلياً.
ويتابع تيشوري بالقول «ستشكل تكلفة الدعم أكثر من 60% من الموازنة العامة للدولة وحوالي 14% من الناتج المحلي الإجمالي، وبالتالي فإن الاستمرار فيه سيؤدي إلى نتائج كارثية على الاقتصاد الوطني، لأن تطبيق الدعم فشل خلال السنوات الماضية في تحقيق العدالة في التوزيع، حيث يستفيد الأغنياء بنسبة 56 ضعفا مما يستفيده الفقراء، وهذا يعني أن 10% من السكان الأكثر غنىً استأثروا بنسبة 56% من الدعم، لذلك فإن استمرار الدعم بالأسلوب الحالي سيؤدي إلى استنزاف خطير لموارد الخزينة. إن الاستمرار بدفع الدعم بشكله الحالي سيكون على حساب التعليم والصحة والتنمية الشاملة وإقامة مشاريع استثمارية كبرى تساهم في زيادة الدخل القومي وخلق فرص عمل. وفي النهاية نستنتج أن الموظف السوري ينفق حالياً لشراء المواد التي من المفترض أن تكون مدعومة لتساعده في رفع مستوى معيشته، مابين (42% – 72%) من الراتب وقد تزيد أكثر مع إضافة الكهرباء، ما يجعل القضية عكسية في ضرب قدرته على الاستمرار في الحياة بظل هذه المعادلة.
نور ملحم – الأيام