خمسة وزراء لـ “حماية المستهلك” خلال ست سنوات
تعاقب على وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك منذ إحداثها عام 2012 وحتى تاريخ أمس الأول خمسة وزراء، وكانت فترة تولي الوزير السابق الدكتور عبد الله الغربي هي الأطول بينهم تجاوزت العامين ونصف، ما يشير بشكل أو بآخر إلى أن هذه الوزارة هي وزارة المرحلة بامتياز نظراً لعلاقتها المباشرة واليومية مع احتياجات المواطن وخدماته، وتحديداً لجهة انسياب السلع في الأسواق وضبط أسعارها، أي أنها معنية بقوت الحياة المعيشية من جهة، وإلى أن طول فترة بقاء الوزير الغربي مقارنة مع سابقيه قد يكون سببها اجتهاده الملحوظ باتجاه إحداث فارق في المشهد التمويني من جهة أخرى. لكن ورغم هذه المكانة التي تصدّرتها الوزارة خلال سنوات الأزمة، إلا أنها لم تُفلح بما أوكل إليها من مهام لاعتبارات قد تكون إما موضوعية لها علاقة بتداعيات الأزمة وما تمخّض عنها من تحديات باتت أشبه بمعضلات استعصى حلها مثل تمرد الأسعار والممارسات الاحتكارية لبعض التّجار وغيرها، أو ذاتية تتعلق بالدرجة الأولى بكادر الوزارة الذي لم يُفلح باجتراح حلول لانتشال المستهلك من مستنقع ضحالة العيش.
مسؤولية مشتركة
في المقابل يعتبر كثير من المراقبين أن الوزارة لا تتحمّل وحدها المسوؤلية، بل هناك جهات أخرى لها علاقة بما يعتري الأسواق من مخالفات وتجاوزات يدفع المستهلك ضريبتها، مثل الهيئة العامة للمنافسة ومنع الاحتكار لجهة قمع الممارسات الاحتكارية، ووزارات الاقتصاد والزراعة والصناعة لجهة تفعيل الإنتاج المحلي وبالتالي الاستغناء عن نظيره المستورد، يضاف إليها اتحاد غرف التجارة لجهة انسياب السلع خاصة الأساسية منها بأسعار منطقية.
ما ينتظر القادم
وإذا ما اعتبرنا أن أمام الوزير الدكتور عاطف نداف القادم من وزارة التعليم العالي إلى زميلتها التجارة الداخلية وحماية المستهلك تحدّياً كبيراً وإرثاً ثقيلاً، فإن ذلك لا يعني بالضرورة تقاعس أسلافه وخاصة الغربي عما كان موكلاً إليهم من مهام، فقد يكونون اجتهدوا فأصابوا في مطارح، وأخفقوا بأخرى.. وأياً تكن الحال نعتقد أن الوزارة منذ إحداثها لم تُفلح بتقديم ذاتها كحامية فعلية للمستهلك والأب الراعي لشؤونه الاستهلاكية اليومية ومراقبة أسعارها ومدى مطابقتها للمقاييس والمواصفات..الخ، وبالتالي فإن التركة ثقيلة على الوزير الجديد، ولاسيما إذا ما علمنا أنه لم يعد يخفى على أحد أن الأزمة الحالية أظهرت فشل تعاطي الوزارة مع الأسواق المحلية، وذلك نتيجة ترك نظام التسعير لمزاجية التّجار بذريعة تحرير التجارة واعتماد اقتصاد السوق، وكانت النتيجة ابتعاد السعر عن الواقع والانفلات عن السوق ليتحرك في فضاءات بعيدة عن واقع الاقتصاد السوري، في ظل احتكارات باتت ملموسة للقاصي والداني رغم وجود ما يُسمّى (هيئة المنافسة ومنع الاحتكار)، ونعتقد أن المهمة التي تقع على عاتق الوزير الجديد هي إعادة النظر بآليات تعاطي الوزارة مع السوق ومتطلباتها الأساسية، فنحن بالنهاية نعيش مرحلة استثنائية بحاجة إلى قرارات استثنائية، ما يعني بالنتيجة ضرورة برمجة سياسة الوزارة وكادرها باتجاه العودة لنظام التسعير المركزي الذي كان سائداً قبل سنوات، لأسباب تتعلق بالدرجة الأولى بتحديد سعر حقيقي يضمن حقوق التاجر والمستهلك بآن واحد، ويمنع بالنتيجة شبح الاحتكار ويوفر السلع والمواد في الأسواق بشكل مستمر بدلاً من بقائها في مخازن أباطرة السوق وحيتانه.
مثال ملموس
ولمن يتصيّد في الماء العكر ويدّعي بأن جلّ الفوضى السعرية مردّها تذبذب سعر الصرف وعدم استقراره، نبيّن أن كثيراً من السلع ارتفعت أضعاف ارتفاع سعر الصرف، وذلك نتيجة بيع المواد وفق سعر الصرف في السوق السوداء، وليس وفق سعر الصرف التمويلي المدعوم من قبل مصرف سورية المركزي، بدليل أن إحدى الدراسات الحكومية -والتي حصلت “البعث” على نسخة منها-، سبق لها وأن تناولت مقاربة لارتفاع أسعار أهم السلع الغذائية خلال الفترة من 12/6 إلى 3/7/2013 وما تعانيه الأسواق من ارتفاع متصاعد لأسعار السلع الغذائية المستوردة تحت أكثر من ذريعة، أهمها انخفاض سعر صرف الليرة مقابل العملات الأجنبية، في الوقت الذي تشير فيه البيانات إلى أن أسعار بعض السلع خلال تلك الفترة تجاوز بنسبة كبيرة معدّل ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة في السوق السوداء، الذي ارتفع من 168 إلى 222 خلال الفترة نفسها، أي بنسبة وصلت إلى 32% في الوقت الذي ارتفعت فيه أسعار بعض السلع بنسبة وصلت إلى 100% للرز الإيطالي وكذلك الأمر للرز المصري، و108% للزيت النباتي المستورد، و137.5% للسمن النباتي المستورد وغيرها من السلع المستوردة.
كما بيّنت الدراسة أنه ومن ناحية أخرى يلاحظ وجود تفاوت كبير بين الأسعار العالمية للسلع الغذائية المستوردة وأسعارها بالأسواق المحلية، فسعر الكغ من زيت الصويا في بلد المنشأ بلغ 1.1 دولار -مع الإشارة إلى أن الكغ يساوي أكثر من ليتر- أي لا يتجاوز الـ244 ل.س وفقاً لأعلى سعر صرف في السوق السوداء وصل له الدولار خلال تلك الفترة (222 ل.س)، إلا أن سعر الليتر في السوق المحلية وصل إلى 375 ل.س، وكذلك الأمر للرز الذي يساوي 0.5 دولار في بلد المنشأ أي لا يتجاوز 111 ل.س، علماً أن الدولة تقوم ببيع الدولار للقطاع الخاص لتمويل بعض المستوردات بسعر تشجيعي، وبالنتيجة يتضح أن هناك هامش ربح كبيراً لا يبرره ارتفاع سعر صرف الدولار، ولا تكلفة النقل والضرائب وغيرهما مهما بلغت، ما يدلّ على تفشي ظاهرة الاحتكار للسلع المستوردة!.
حقيبة شائكة
إذاً.. أمام الوزير نداف حقيبة شائكة ومتخمة بتحديات موتورة بمبررات غير مقنعة تستوجب التنفيد، منها -على سبيل المثال لا الحصر- استعمال الدولار كذريعة لارتفاع الأسعار، وهنا لا ننكر أنه سبب حقيقي من أسباب الارتفاع، إلا أنه ليس كل الأسباب، ففي كثير من الأحيان ينخفض سعر الدولار ولا تنخفض الأسعار، ما يدلّ على وجود تخبّط واضح في الأسواق واستغلال للمتغيرات والظروف من قبل بعض التّجار الذين يستغلون ارتفاع الدولار ليصرّفوا بضائعهم بأسعار خيالية، نظراً لغياب أي رادع وانتفاء آلية مجدية للتعاطي مع الأسعار!!.