أردوغان والتحالف السوري الإيراني الروسي
تحسين الحلبي
بدأ يتبين بشكل واضح أن الوضع الجيوسياسي الذي يسود منذ سنوات في جوار سورية الشمالي مع تركيا لا يميل لمصلحة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وسياسته الأمنية والتوسعية الأحادية التي لا يشاركه فيها أحد من حلفائه على المستوى الدولي، إذا استثنينا المصلحة التي تجمع بينه وبين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ضد سورية، وبالمقابل يجد المراقبون لهذا الوضع أن سورية والعراق وإيران وهي الدول التي تتاخم تركيا، تشكل كتلة واحدة تتضرر كل مصالحها من سياسة أردوغان الأمنية التوسعية، ولذلك لا يمكن أن تسمح بسبب مصالحها المشتركة ضد سياسته، بأن يحقق أهدافه التوسعية، لأنها ستكون على حساب الأطراف الثلاثة، ولو ساندت إدارة ترامب بشكل علني سياسة أردوغان هذه، فسوف تجد الأطراف الثلاثة السابقة أن روسيا لا يمكن أن تسمح لأي ضرر إستراتيجي يلحق بسياستها الحديثة في الشرق الأوسط.
ولهذا السبب من المقدر أن تشكل معركة إدلب التي يخوضها بشكل علني الجيش العربي السوري والروسي ضد آخر وأهم معاقل الإرهابيين، الحرب الفاصلة لتطهير أوسع منطقة في شمال سورية من إرهاب داعش والقاعدة وجبهة النصرة ومن يتحالف معها، فتحت شعار «فرض الاستسلام أو الموت» على المجموعات الإرهابية في إدلب لا يمكن للقيادتين السورية والروسية ومعهما القيادة الإيرانية التراجع عن خوض معركة تحرير إدلب، ويبدو أن هذا ما يدركه أردوغان الذي يحاول كسب المزيد من الوقت لعله يلتقط بعض أوهام أميركية أو أطلسية يستخدمها لمنع هذه المعركة.
أردوغان لم يعد يملك أي قدرة تردع كل من يتضرر من سياسته عن التصدي له في تلك المنطقة من العراق إلى سورية إلى إيران، وهذا ما يدل على أن ميزان القوى لن تميل كفته لمصلحته ولو وضعت واشنطن نفسها بشكل علني إلى جانبه.
الوضع الجيوإستراتيجي في تلك المنطقة الضيقة والمتاخمة لحدود تركيا وسورية والعراق وإيران لا يملك فيها أردوغان سوى ورقة جيش تركي ما زال يتعرض ضباطه وجنوده لاعتقالات واسعة منذ سنوات، وعضوية في حلف الناتو الذي سيجازف بحرب لا يفضلها في هذا التوقيت والظروف التي تعمل فيها دول أوروبا الكبرى على إعادة تشكيل نفسها ومشروعها في بناء جيش موحد في إطار الاتحاد الأوروبي وليس في إطار حلف الناتو الأميركي بعد تدهور علاقات فرنسا وألمانيا بالولايات المتحدة، وهذا ما يؤكده عدد من المحللين الأوروبيين والأميركيين الذين يشيرون إلى تباعد المسارات بين السياسة الأوروبية والأميركية في ظل الجمود المستمر لدور حلف الناتو.
أوراق أردوغان المفترضة هذه تحولت إلى مجرد لافتات لا فعالية لها على مستوى دوره الإقليمي ولا على مستوى استنجاده بالحليف الدولي، بينما تتصاعد قدرات التحالف الإقليمي الدولي الثلاثي سورية وإيران وروسيا بعد أن أثبت قدرته على التصدي لسياسة الحصار الأميركي وعقوبات ترامب المتسلسلة والقفز إلى منصات قوة يتسع دورها في المنطقة والوطنعلى المستوى الدولي.
وحول إسرائيل وعلاقاتها بتركيا وأردوغان يرى مركز «راند» الأميركي الشهير للأبحاث والدراسات الذي يرأسه، مستشار الأمن القومي الأميركي سابقاً، زينغيو بيرجينسكي، أن العلاقات التاريخية العسكرية والأمنية التي سادت بين أنقرة وتل أبيب في التسعينيات ضد سورية بدأت تضعف باستثناء التعاون المشترك حول الإرهاب، والمقصود ليس الإرهاب التكفيري بالطبع لأن الجانبين قدما دعماً للمجموعات الإرهابية خلال سنوات الأزمة والحرب في سورية بموجب ما يعترف به مركز «راند» نفسه، لكن التطورات الأخيرة في انفتاح الرياض ودول أخرى عربية على العلاقات مع إسرائيل بدت تؤدي إلى تقليل اعتماد نتنياهو على أردوغان في التوسط لمثل هذه العلاقات وخصوصاً لأن أردوغان تحالف مع قطر ضد الرياض وحلفائها.
بدأ نتنياهو يتعاون مع اليونان وقبرص اليونانية عسكرياً واقتصادياً وفي تصدير الغاز المكتشف في ساحل فلسطين المحتلة منذ عام 1948، كما أن هزيمة إسرائيل في جنوب سورية قللت أيضاً درجة اعتماد أردوغان على تل أبيب في إضعاف سورية.
أصبح كل تطور في القوة السورية بعد انتصار الجيش العربي السوري وحلفائه على المجموعات الإرهابية يفرض حسابات جديدة على أردوغان في موضوع الحرب على سورية، ولذلك يستنتج مركز «راند» أن أردوغان فقد أوراقاً كثيرة أثناء سنوات الحرب في سورية.
الوطن