هل تعود حماس إلى أحضان دمشق؟
منذ نشأة “حركة المقاومة الإسلامية” في غزة، حماس، في أوائل تسعينيات القرن الماضي، وجدت في دمشق ملجأ لها لم تجده في أي مكان آخر. ولاقت من القيادة السورية احتضاناً أطلق يديها في كل ما تريد قوله أو فعله، مع دعم لا محدود في العديد من المجالات.
إلا أن ذلك لم يمنع الحركة من أن تنقلب على من احتضنها، وترفع علم “الانتداب” الذي رفعته الميليشيات المسلحة في سوريا تعبيراً عن رفضها الدولة السورية بكل ما ومن تمثله من الشعب السوري! بل إن خبراء حماس في حفر الأنفاق الذين تدربوا أصلاً على الأرض السورية شكلوا حجر الأساس في الأنفاق التي حفرتها الميليشيات المسلحة في أماكن كثيرة، خاصة في المخيمات والغوطة الشرقية، وشكلت شبكة التواصل الأساسية في ضرب مواقع الجيش السوري وفي استهداف المدنيين في المناطق الآمنة.
يبدو أن حماس راهنت، على سرعة سقوط الدولة السورية بأيديهم. لكنه رهان تكشف عن خسارة فادحة. فاليوم يعترف الجميع بانتصار الدولة السورية، والداعمون الأساسيون لانقلاب حماس على سوريا يعيشون حالة من التمزق والضعف والصراعات التي تجعل من حماس آخر اهتماماتهم.
فالسعودية تعيش أزمة الضغط العالمي بخصوص قتلها لصحافي (جمال خاشقجي) بطريقة وحشية في قنصليتها بتركيا. وقطر تعيش حالة مقاطعة من جيرانها. والحرب الغاشمة ضد اليمن تلقي بظلالها على الإمارات والسعودية معاً. في الوقت نفسه الذي لم تعد هذه الحكومات تخفي علاقتها الوطيدة مع “إسرائيل”.
لم يبق أمام حماس إذاً، وهي تعيش حصاراً في غزة، وفشلاً في ترتيب الوضع مع السلطة الفلسطينة في رام الله، وأزمات متتالية على صعد مختلفة، وتجد نفسها وحيدة أكثر مع كل يوم يمضي، سوى أن تحاول إعادة بناء الجسور مع الدولة التي احتضنتها منذ البداية: سوريا.
ويعيد مراقبون تصريحات عضو المكتب السياسي في حماس، خليل الحية، الإيجابية تجاه محور “الممانعة” الذي يعني سوريا أساساً، والتي أطلقها منذ فترة ، بأنه تمهيد باتجاه فتح الباب أمام عودة العلاقات بين حماس ودمشق، الأمر الذي لا يتوقع أحد أن يكون قريباً، لكن مجرد فتح هذه الباب سيكون أمراً يصب لصالح المحور الرافض للتطبيع مع “إسرائيل”، وبضمنه سوريا.
دمشق من جهتها لم تقل شيئاً. لكنها دأبت منذ بداية انقلاب حماس عليها على تجنب أي هجوم يتناول المنظمة التي تعتبرها دمشق إحدى ركائز المقاومة في المنطقة، ربما باستثناء تلميحات حملت طابع العتب والأسف لأن حماس هي الخاسرة من هذا الانقلاب، لا دمشق.
عودة حماس إلى أحضان دمشق، حتى وإن تأخر، يبرهن مجدداً على أنه لا يمكن لأحد أن يدعي رفض المشروع الأمريكي-الصهيوني للهيمنة على المنطقة، ومن ثم يخضع لإملاءات وتصورات الجهات الأكثر خضوعاً لهذا المشروع، السعودية وقطر وغيرها من دويلات شبه جزيرة العرب.
ويمهد في الوقت نفسه للمزيد من التلاحم في محور “المقاومة والممانعة”.